x

مراسلات كيسنجر: تعيين مبارك نائبًا للسادات «مفاجأة» لواشنطن و«صفعة» للقذافي

الثلاثاء 09-04-2013 19:11 | كتب: فاطمة الزهراء عبد الفتاح |
تصوير : other

 

من بين أكثر من مليون ونصف مليون وثيقة سرية تخص الدبلوماسية الأمريكية في السبعينيات، تبدأ «المصري اليوم» بالتعاون مع ويكيليكس نشر المراسلات السرية بين سفارات أمريكا حول أنحاء العالم ووزارة الخارجية الأمريكية ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، بشكل حصري في أفريقيا والشرق الأوسط.
 
وتنشر «المصري اليوم» الحلقة االثالثة حسب الاتفاق مع «ويكيليكس» الذي حصل على الوثائق بطريقة سرية، وأطلق على هذه الوثائق «مراسلات كيسنجر»، في إشارة لأستاذ العلوم السياسية الذي تولى وزارة الخارجية الأمريكية في الفترة من 1973 إلى 1977 قبل أن يتولى منصب مستشار الأمن القومي في حكومة ريتشارد نيكسون.


في عام 1975 اختار الرئيس الراحل «أنور السادات» الفريق محمد حسني مبارك، قائد القوات الجوية آنذاك، نائباً له، ما أثار العديد من التساؤلات بشأن أسباب هذا الاختيار الذي وضع «مبارك» على أولى عتبات المقعد الرئاسي، الأمر الذي تكشف مراسلات الخارجية الأمريكية جانباً منه.

وحسب موقع «ويكيليكس»، فقد أرسلت السفارة الأمريكية بالقاهرة يوم 14 أبريل 1975 رسالة إلى وزارة الخارجية بواشنطن وعدد من سفاراتها تحمل الرقم 1975CAIRO03734، استهلتها بالحديث عن استقالة حكومة عبد العزيز حجازي واعتزام السادات إعلان رئيس وزرائه الجديد في خطاب يلقيه مساء نفس اليوم، والمتوقع أن يكون وزير داخليته ممدوح سالم، فيما سيتم الإعلان عن التشكيل الحكومي في 16 أبريل، وتشير تقارير إلى أن إسماعيل فهمي، وزير الخارجية، واللواء محمد عبد الغنى الجمسي، وزير الحربية، مرشحان لتولي منصب نائب رئيس الوزراء.

وتعلق الوثيقة على توقعات اختيار «سالم» رئيساً للحكومة بالقول: «إنه إذا حدث ذلك فسيفسر المصريون اختيار رجل شرطة محترف لهذا المنصب كإعلان عام بأن المحرضين على العنف، سواء من الأجانب أو المصريين سوف يتم التعامل معهم بأقصى درجات الحزم».

وتواصل الوثيقة التعقيب بأن أكثر شيء كان مثيرًا للفضول في هذه التغييرات هو التغطية الصحفية المصورة والمكثفة للقاء السادات بقائد القوات الجوية محمد حسنى مبارك وتقول: «على الرغم من أننا لم نسمع تفسيرًا ذا قيمة لهذا التركيز الصحفي المفاجئ على مبارك، أو أي إشارة بشأن استبدال فهمي أو الجمسي، إلا أن الأخير مرشح لأن يكون نائباً لرئيس الوزراء».

وفى16  أبريل 1975 أرسلت السفارة إلى الخارجية بواشنطن وعدد من السفارات برقية تحمل الرقم 1975CAIRO03789  تتضمن التشكيل الوزاري الجديد برئاسة ممدوح سالم والذى ضم 31 وزيرًا منهم 15 يتقلدون هذا المنصب لأول مرة، إلى جانب 3 نواب لرئيس الوزراء، وهم نائبه للخدمات ووزير التعليم العالى محمد حافظ غانم، نائبه ووزير الخارجية إسماعيل فهمى، ونائبه ووزير الحربية محمد عبدالغنى الجمسى»، واختتمت المراسلة بالقول: «تضمن الإعلان الجمهوري الصادر في وقت متأخر من مساء 15 أبريل تعيين قائد القوات الجوية محمد حسنى مبارك نائباً للرئيس ليصبح ثانى نائب له»، في إشارة إلى نائبه آنذاك حسين الشافعى.

وفي مراسلة أخرى للسفارة الأمريكية بتاريخ 16 إبريل 1975حملت الرقم 1975CAIRO03836  بعنوان «ملاحظات أولية على الحكومة المصرية الجديدة»، ذكرت السفارة: «في 12 إبريل أعلن السادات اعتزامه الخروج من الأزمة الاقتصادية وتنفيذ سياسة الباب المفتوح (الانفتاح)، جاعلاً ذلك هو المهمة الرئيسية للحكومة الجديدة، والتى تعاني من نقص واضح فى آليات التنسيق، بما سيجعلها في مواجهة العديد من المشكلات الاقتصادية التى سبق أن أسقطت حكومة حجازي»، وتستطرد الوثيقة بالتأكيد على ما ذكرته السفارة مسبقًا من أن «تعيين وزير الداخلية رئيساً للوزراء هو بمثابة إعلان بأن النشطاء المناهضين للنظام لن يتم التسامح معهم».

وفيما يتعلق بتعيين مبارك، تقول الوثيقة: «إن مرسوم تعيين حسنى مبارك نائباً للرئيس كان مفاجأة غير متوقعة ولايزال يحمل قدراً من الغموض». مشيرة إلى أنه «بغض النظر عن السبب الحقيقي لتعيينه في هذا المنصب، إلا أنه سيكون بمثابة صفعة للقذافي».

وأضافت: «فبالنسبة للمصريين، يستحضر اسم مبارك ذكرى الطائرة الليبية المدنية التي أسقطتها إسرائيل في صحراء سيناء في فبراير 1973، وهو الحادث الذي طالب القذافي على أثره السادات بفصل مبارك من منصبه، بسبب الإهمال، الأمر الذى رفضه السادات آنذاك، ما لاقى قبولاً شعبياً واسعاً لدى المصريين÷، بسبب النبرة المتعالية التي وجه بها القذافي طلبه».

ورغم غموض أسباب تعيين مبارك الذى عبرت عنه مراسلات الخارجية الأمريكية السابقة، فإن وثائق أخرى بدأت فى الأيام التالية تناقش أسباب هذا التعيين، فتتضمن الوثيقة رقم 1975CAIRO03934  رسالة من السفير الأمريكي المفوض بالقاهرة «هيرمن إليتس» إلى وزارة الخارجية بواشنطن بتاريخ 19 إبريل 1975، تتضمن تعليقات وزير الخارجية «إسماعيل فهمي» على تشكيل الوزارة الجديدة، واختيار مبارك نائباً للرئيس، فتقول الوثيقة: «اعتبر الوزير أن السادات بهذا القرار تخلص من نائبه وزميله السابق في مجلس قيادة الثورة حسين الشافعى، وهو ما أرجعه (فهمى) لعدة أسباب، أولها: رغبة السادات فى بناء صورة للحكومة الجديدة خالية من أي وجه من الوجوه القديمة من أعضاء مجلس قيادة الثورة، وثانيها: هو أن الشافعي من وجهة نظر السادات بات يحرض عناصر الناصريين والإخوان المسلمين للتعبير عن تذمرهم من سياسات رئيس الدولة، كما قام بإلقاء خطبة الجمعة بأحد المساجد ودعا فيها إلى العودة إلى تعاليم الدين الإسلامي، ملمحاً إلى رفض السادات تطبيقها، وبالتخلص من الشافعي، من وجهة نظر فهمي، يكون قد تم دحض أي إمكانية لقيادته معارضة ناصرية أو إسلامية ضد السادات».

أما بالنسبة لمبارك، فتقول الوثيقة إن اختياره جاء «لدعم الروح الشابة ولترضية القوات المسلحة»، حيث أشار فهمي إلى أن مبارك «يحظى بشعبية داخلها وخارجها، ولكنه- أي نائب الرئيس الجديد- لا يفقه شيئاً في السياسة»، إلا أن السادات بات يجعله يحضر كل الاجتماعات «لهذا سوف يتعلم مبارك».

ويضيف «فهمي»- وفق الوثيقة- أنه «لا توجد مهام محددة تم إسنادها للنائب الجديد، مؤكدًا أنه ينبغي ألا تفهم إساءة اختيار مبارك لهذا المنصب بأنه اختيار السادات لخليفته المنتظر فهذا غير مقصود».

وفى مراسلة أخرى بتاريخ 23 أبريل 1975، من السفارة الأمريكية بالقاهرة إلى وزارة الخارجية بواشنطن وعدد من سفاراتها، بعنوان «الحكومة المصرية الجديدة: التأويلات مازالت مستمرة»، وتحمل الرقم 1975CAIRO04048  تحت تصنيف «يتم تداولها على نطاق رسمي محدود»، يقول السفير الأمريكي المفوض «هيرمن إليتس»: «إن هناك شائعة خبيثة يتم تداولها تقول إن وزارة ممدوح سالم الجديدة هي صنيعة أمريكية، ويبدو أن مصدر هذه الشائعة هم أعضاء من حكومة حجازي السابقة أو قد يكون عبد العزيز حجازي نفسه».

ويستطرد: «تفسيرات ترقية مبارك نائباً للرئيس تحولت الآن إلى القول بأنه تم تعيينه بإصرار من الجيش المصري المتذمر»، قائلاً: «إن استقالة حسين الشافعي من منصب نائب الرئيس لم تتم الإعلان عنها رسمياً بعد، ولكنها باتت في حكم المؤكدة، والجدير بالتوضيح هنا أن قرار تشكيل حكومة ممدوح سالم وتعيين مبارك لم يتم الإعلان معه عن أي موقف رسمي بشأن ما إذا كان تعيين مبارك يتضمن إقالة الشافعي أم أن السادات بات له أكثر من نائب».

ويوضح السفير الأمريكي المفوض حديثه عن حكومة ممدوح سالم بأن «تلك الشائعات هي أمر طبيعي ومتوقع مع أي حكومة لها علاقات وطيدة مع الولايات المتحدة، وقد أوضح أن تلك الشائعات يتم التدليل عليها بترقية إسماعيل فهمي من وزير خارجية إلى نائب رئيس وزراء، وهو الذي مثل الحكومة المصرية في (سياسة خطوة بخطوة الأمريكية)، رغم الفشل الأخير لجولات كسينجر المكوكية. أما الدليل الثاني فهو ترقية وزير الداخلية ممدوح سالم إلى منصب رئيس الوزراء، بسبب تفضيل الأمريكان لرجال الشرطة، خاصة الصارم منهم كممدوح سالم، الذى تحرك ضد المتطرفين والشيوعيين».

وبالنسبة لمبارك يقول «هيرمن»: «مازال المراقبون في مصر يبحثون عن سبب مقنع لترقية مبارك لمنصب نائب الرئيس، وأن التفسير الذي ساقه إسماعيل فهمي- السابق الإشارة إليه- هو واحد ضمن العديد من التفسيرات المطروحة، ومنها القول بأن الجيش قدم للسادات ما يشبه (الإنذار الأخير) بالإصرار على تعيين شخص في منصب من مناصب صنع القرار لتحقيق التوازن مع تعيين وزير الداخلية رئيساً للوزراء. 

كما توجد رواية أخرى مشابهة لذلك التفسير، تقول إن الجيش غير راضٍ عن سياسات السادات، وإنه طلب ترقية مبارك ليجعل أحد رجاله كمراقب في موقع مقرب من الرئيس. ولكن السفير الأمريكى رجح أن تكون ليبيا هي من يروج لتلك التفسيرات المتعلقة بوجود احتقان بين الجيش والسادات».

ويعبر «إليتس»، في مراسلته، عن اندهاشه من انتشار التأويل القائل بأن ترقية مبارك ستصاحبها زيادة فى نفوذه وسلطاته، إذ إن منصب النائب بات شرفياً أكثر من كونه ذا صلاحيات، ولكن يبدو أن السادات سيعيد تشكيل صلاحيات هذا المنصب بإدماج مبارك في صلب العمل الحكومي.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية