مشاهير بريد القراء، وشباب المبدعين وتحسين حال التعليم، كانت بعضا من القضايا التى ناقشها الكاتب الصحفى بلال فضل فى الحلقة الماضية من برنامجه «عصير الكتب»، الذى يذاع على قناة «دريم 2».
يقول بلال فضل: «كل الذين خسرتهم فى حياتى كانوا أصدقاء أقرباء إلى القلب، ومؤمنين مثلى تماما بالحرية والديمقراطية والاختلاف فى الرأى، ويكرهون الظلم والطغيان كراهية التحريم، لكنهم عندما يتعرضون إلى الانتقاد ينقضّون على منتقدهم ويصفونه بالشتّام، على الرغم من أنهم دائما ما يرددون مقولة الخلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية، التى أصبحت كلما أسمعها أتشاءم وأقرأ الفاتحة على الود، فالإنسان لا يخسر من حوله والأقربين من قلبه إلا بسبب الخلافات العابرة، وأضحك كثيرا لأننى أراهم يرددون نفس كلام المستبدين الذين يتعاملون مع الانتقادات بمنطق (الكلاب تعوى والقافلة تسير)».
ويضيف: «نحن نعيش ونشكو من الاستبداد، لكننا فى الوقت نفسه نزيد من شخصية المستبد التى بداخل كل واحد منا، ولا أستثنى نفسى من ذلك، فقد قالها عبدالرحمن الكواكبى، أستاذ جراحة الاستبداد فى الوطن العربى، فى كتابه (طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد) ويقول هذا الكتاب: إذا سأل أحد لماذا يبتلى الله المستبدين يكون الجواب المسْكِت أن الله عادل لا يظلم أحدا فلا يولى المستبد إلا على المستبدين، ولو نظر السائل نظرة الحكيم المدقق لوجد كل فرد من أسراء الاستبداد مستبدا فى رأيه، فالمستبدون يتولاهم مستبد، والأحرار يتولاهم الأحرار، وهذا صريح الحديث النبوى كما تكونوا يُولَّ عليكم».
واستكمل بلال قائلا: «محاربة الاستبداد ممكنة فى زمن قياسى، ودول كثيرة حولنا تشهد على ذلك، إلا أن الاستبداد مرض مزمن، ولا أحد يُشفى منه للأبد، ونظل معرضين لأضعافه طول الوقت لأنه مثل مرض السكر، فالدول التى تعانى من الاستبداد ومن كل مظاهره مثل الزحام وغلو اللحمة فإن حلها ليس علاج مشكلاتها وإنما حل مشكلة الاستبداد».
وناقش البرنامج فى فقرته «على الرصيف» حال التعليم من خلال كتاب «يوميات مفتش تعليم» لعبداللطيف بدوى، الصادر عام ١٩٤٠، ويعتبره تأريخاً للحالة التعليمية فى أربعينيات القرن الماضى، وكتاب «لا تربية ولا تعليم» للدكتورة هناء وهبة، مفتشة تعليم مدارس خاصة، واصفا إياه بأنه كتاب مذهل تأثرت فيه كاتبته بأسلوب إحسان عبدالقدوس، حتى إن كل قصة فيه تصلح لآن تكون عملا دراميا.
ويطالب «فضل» وزير التربية والتعليم بقراءة كتاب الدكتورة هناء للتعرف على أحوال التعليم فى المدارس الخاصة التى تشبه إلى حد بعيد مستوطنات ومحميات داخل مصر، مطالبا بفتح ملفها ومتابعتها من قبل الوزارة بصورة أكبر.
تقول الدكتورة هناء إن كتابها عبارة عن حكايات بسيطة ترويها على القراء، حيث تعمدت أن تكتب باللغة العامية كى تصل إلى أكبر عدد ممكن من القراء، وقد تعرضت بسببه إلى هجوم شديد من أصحاب المدارس ممن تخيلوا أنها كتبت عنهم، على الرغم من أنها لم تفكر فى شخص محدد فى أى من القصص التى كتبتها.
وتضيف: «الكتاب يعد رصدا للعديد من المشاهد وتحليلها نفسيا، من طلاب ومدرسين، ومشاركين فى عملية التعليم الخاص الذى يملتئ بمشاكل كثيرة، مثله مثل المجتمع نفسه، فهو لا يمنح طلابه العلم الكافى، بعد أن تمصرت مناهجه، وبات الطلاب يعتمدون على الدروس الخصوصية، والنفوذ فى النجاح، حتى إن أحد أولياء الأمور غير لجنة امتحانات اللغة العربية بأكملها لأن ابنه لا يستطيع قراءة اللغة العربية، كى تساعده اللجنة البديلة وينجح»، لافتة إلى أن السبب الحقيقى لعدم التعلم هو عدم التزام الطلاب، وشعورهم بأن المال الذى يدفعه أهلهم هو ثمن كاف لنجاحهم.
«طه حسين» كان محور الحديث فى فقرة أخرى من البرنامج الذى استضاف الدكتور أحمد زكريا الشلق للحديث عن كتابه «طه حسين جبل الثقافة». ويتساءل فضل: «إلى أى مدى نحن فى حاجة الآن إلى طه حسين؟ فهناك فرق بين أيام طه حسين وأيامنا التى يلجأ فيها الكثير من المثقفين والكتاب إلى الحيدة عندما تتاح لهم الفرصة أن يكتبوا حول ظاهرة الشفق فى الأدب العربى وتجلى الغروب، ورغم أهميتها إلا أنها لابد أن تتوازن مع الكتابة التى تقتحم هموم المجتمع، وهو ما كان يفعله طه حسين».
يقول د. زكريا الشلق: «تراث طه حسين جزء من تاريخ هذا البلد، فهناك كتاب يتحولون إلى رموز لا تموت بسبب ما يتركونه خلفهم من كتابات ومواقف سياسية واجتماعية، وفى تقديرى أن طه حسين مازال بحراً عميقاً يحتاج إلى غواصين للنهل مما تركه، وهو ما حاولت أن أضعه فى كتابى، الذى سعيت من خلاله أن أبحث حول انتماءات طه حسين السياسية، لأن الأدب موقف من الحياة، ولا توجد حياة بلا سياسة، ولا يوجد مكتوب بلا مضمون سياسى، وقد كان لطه حسين موقف سياسى طوال حياته، لكنه بدأ حياته بالانحياز إلى السياسة، حتى رفعه المتظاهرون على أكتافهم فى إحدى المظاهرات، وشعر وقتها أنهم يمتلكون قضية اجتماعية، فدافع عنهم، ووقف معهم، وكتب فى جريدة كوكب الشرق».
وردا على سؤال حول الاتهامات الموجهة إلى شخصية طه حسين بأنه صاحب فكر غربى، يقول د. الشلق إن هذا الاتهام وجه إليه فى كتاب «مستقبل الثقافة فى مصر» الذى أعدت قراءته، فوجدت أن الاتهام جاء بسبب مقولة نقلت عن طه حسين دون دقة، لأننى عندما تعمقت فى قراءة الكتاب، اكتشفت أنه قال إن للغرب حضارة إنسانية وإنه لا لوم علينا أن نأخذ منها، وبأسبابها، وفى فقرة ثانية قال إنه يجب علينا أن نكون أندادا للأوروبيين وألا نخضع لإرادتهم، وأن نتابع ما تفعله المدارس الأجنبية مع طلابها فى مصر، الأمر الذى يرسم صورة أخرى لطه حسين.
ويرد عليه «بلال» قائلا: للأسف نحن نقرأ عن الكتب ولا نقرأ الكتب، الأمر الذى يجعلنا نأخذ صورة خاطئة عن أشخاص مهمين أثروا الحياة الثقافية فى مصر.
وفى فقرة «الروشتة» ينصح الروائى إبراهيم عبدالمجيد الشباب بالقراءة المستمرة قائلاً: «أتمنى من كل الأجيال الجديدة ألا تكف عن القراءة، لأنها تصنع إنساناً سوياً، ومثقفاً، وأنا أرى أن هناك مجموعة من الكتاب الشباب أنتجوا روايات جيدة، منهم الكاتب عمرو عاشور صاحب رواية «دار الغواية» التى كتبها بعد أن قرأ كثيرا عن الروايات وهى تتحدث عن تجربة شاب معاصر، وقد تميزت بأسلوبها وخلوها من أى ألفاظ ووقائع مسيئة.
أما الرواية الثانية فهى للكاتب نائل الطوخى «الألفين وستة» التى تتميز بدقة الألفاظ وجرأتها، وهناك رواية «عين الهر» للكاتبة السورية الدكتورة شاهلة العجيلى التى تتميز بلغتها وجملها الجميلة، وهى تثير الأسى والحزن لأنها تنتهى بقصص حب مؤلمة.
ومن الكتب التى يرشحها «عبدالمجيد» للقراءة «كتاب الموتى المصريين القدماء» وهو «كتاب مصرى قديم، وممتع جدا، ويعطينا فكرة حول الفراعنة، وأنهم أول من عرفوا الدينونة ويوم الحساب، والإيمان».
يقول: من الكتب التى أقرؤها كل فترة «ثورة الشعر الحديث» للدكتور عبدالغفار مكاوى الذى ربى جيل الشعراء الجديد وكتاب «التقويم» لأمين سامى باشا الذى صدر عام ١٨٨٢، ويضم كثيراً من المعلومات المهمة، وكان من أغرب ما قرأته فيه خلال الفترة الأخيرة خطاباً موجهاً إلى أحد المسؤولين الذى تتوازى مسؤوليته مع وزير الداخلية حاليا، كان الخطاب يحكى عن انتشار الفتوى، وهو ما أضر بالمجتمع، الأمر الذى يعكس أن أزمة الفتاوى أزمة قديمة ودائما ما عانى منها المسلمون.
لا تستهن أبدا ببريد القراء لأنه ليس صورة للواقع الثقافى فقط، وإنما قد يحمل فى يوم من الأيام كتابا عظماء ويصبح ما كتبوه وثيقة مهمة».. بهذه النصيحة يقدم بلال فضل فقرته «سور الأزبكية» مع ضيف الفقرة الدائم شعبان يوسف عن أهم المشاهير الذين خرجوا من بريد القراء، مطالبا بضرورة العودة للاهتمام ببريد القراء لكونه وسيلة تدريب الكتاب الجدد، واكتشاف الجواهر الموجودة بالمجتمع، التى لن تجعل المجتمع الثقافى يشتكى من ظاهرة تكرر الوجوه الموجودة فى الوسط الثقافى.
يقول شعبان يوسف: «خيرى شلبى من أهم المبدعين الذين خرجوا من بريد القراء، حيث كتب عدداً هائلاً من الرسائل فى مجلة (الشهر) التى كان يرأسها الراحل محمد سعدالدين وهبة، وهناك الشاعر أمل دنقل والكاتب محفوظ عبدالرحمن، كما أن يوسف إدريس بدأ مترجما لقصص عالمية كان ينشرها فى رسائل القراء، ونجيب سرور الذى كان يراسل مجلة (الرسالة الجديدة) الصادرة عام ١٩٥٤، ونشرت رواية (بين القصرين) التى كانت تعد مجتمعا ثقافيا، وكان يوسف السباعى يتلقى رسائل قصيرة من كتاب صغار تحولوا إلى كتاب مشهورين، لدرجة أن الدكتور محمد حسن عبدالله أرسل رسالة للمجلة قال فيها «خلوا الدكتور يحيى حقى يبطل نقد».
لكن يوسف السباعى رجل الدولة فى الثقافة بعد الدكتور فتحى رضوان، وأنشأ «نادى القصة» و«المجلس الأعلى للصحافة»، كان يترك القراء يكتبون ما يريدون، ومنهم المخرج الكبير يوسف شاهين الذى كتب قصصا سينمائية، بالإضافة إلى عدد من القصص القصيرة فى مجلة الكواكب، كما نشر الفنان محيى الدين اللباد أول رسوماته فى مجلة «التحرير» كقارئ وكان فى «أولى طب» وعمره ١٧ عاماً، كما بدأ جمال الدين الحمامصى حياته الأدبية كمترجم فى بريد القراء، وكذلك الأديب الكبير بهاء طاهر.
ويضيف شعبان أن هناك أبوابا للكتاب ساهمت فى إظهار عدد كبير من المبدعين، مثل باب «شاعر يعجبنى» لصلاح جاهين، منهم عبدالرحمن الأبنودى، وسيد حجاب، وفؤاد بدوى وكل كتاب العامية خرجوا من بريد القراء، وكانت من أجمل الرسائل التى شاركوا بها رسالة لأمل دنقل أرسلها إلى مجلة «الشهر» عام ١٩٦١، وكانت معركة تمت على قصيدة لفتحى سعيد وقصيدة أخرى لعبدالفتاح اللبانى اتهم الأول فيها الثانى بأنه استخدم قصيدته، وكان وقتها أمل دنقل مازال يعمل بالجمارك فى الإسكندرية وكتب رسالة شعرية مطولة حادة.