كعادته في نهاية كل شهر، توجه هاني محمد عبدالعال، أحد العاملين بشركة «موبيكا» للأثاث إلى مكتب الحسابات، بعد الإعلان عن قدوم الرواتب، لم يخطر بذهنه أثناء توجهه إلى الخزانة أنه سيلحق بطابور العاطلين مع من تم تسريحهم من الشركة طوال السنتين الماضيتين، والذين زاد عددهم على ألف عامل، بعد أن أمره موظف الحسابات أن يذهب إلى مكتب شؤون العاملين بالشركة، فاستقبله فور توجهه إلى المكتب المدير الإداري، وأعطاه عنوان أحد مكاتب المحاماة بمنطقة عابدين.
ذهب «عبد العال» إلى المكتب، فوجد محامي الشركة في انتظاره، وقد أعد مستحقاته المالية، ونصحه بأن يأخذ مبلغا من المال قدره «هاني» بربع مستحقاته التي يكفلها له الدستور وقانون العمل، إذا تم تسريحه ويمضي دون مشاكل، ونصحه بأن «المحكمة مش هتجيبلك حقك»، ورفضوا إعطاءه أجره الشهرى نظير عمله طوال شهر مارس.
ودفع قرار «هاني» برفض التسوية التي عرضتها الشركة، لجعله متحمسا لتقديم شكوى لوزارة القوى العاملة، فحمل أوراق عقده في الشركة التي تعود لأكثر من 16 عاماً، وخاض رحلة بين وزارة القوى العاملة ومكتب العمل. لكن رغم تقديمه الشكوى في مكتب العمل لم تعطه الإجابات الجاهزة التي تلقاها في الجهتين ولو قدرا من الاطمئنان على مستقبله ومستقبل زوجته وأولاده، خاصة بعد أن أخبره مدير مكتب العمل بمدينة «6 أكتوبر» أنه على الرغم من سلامة موقفه، إلا أنه يجب أن يحل المشكلة سلميا حتى لا تضيع عليه حقوقه، فتوجه بعدها على الفور إلى مركز هشام مبارك أحد المراكز الحقوقية، ليؤكد له المحامون الحقوقيون بالمركز سلامة موقفه، لكن أصابته الصدمة حين قالوا له إن «الطرق القانونية ستكفل له العودة إلى العمل، ولكنها تستغرق 3 سنوات».
تحول هانى محمد عبدالعال إلى رقم جديد في قائمة يجرى تحديثها يوميا من العمال، الذين فقدوا مصادر رزقهم دون سند قانوني إما لقرار من شركاتهم بالتصفية أو خفض العمالة، أو لمطالبتهم بالتثبيت، والحصول على الحقوق القانونية والدستورية المتعلقة بالاستقرار الوظيفي، أو لاحتجاجهم السلمي، من أجل تحسين بيئة العمل، وتوفير شروط الأمان في أماكن عملهم.
حالات الفصل المتعسف المتزايدة، وإفقاد المواطنين حقهم في العمل بسبب الضغوط الاقتصادية، أو عدم تطبيق القوانين الخاصة بالعمل أو لاحتجاجهم من أجل تحسين أوضاعهم أسهم في رفع معدلات البطالة في الربع الثالث من العام المالى (الشهور الثلاثة الأولى من عام 2013) إلى 13 بالمائة من السكان في سن للعمل (بين الثامنة عشرة والستين) حسب إحصاءات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء بعد أن كان المعدل نفسه 8.9% من السكان في الإحصاء الأخير قبل قيام الثورة، و11% عام 2012.
النبأ الذي تلقاه هاني عبدالعال حول مدة التقاضي، التي تكفل له استعادة حقوقه كان صادماً. يفكر العامل: «إذا حاولت تدبير أمري لن أستطيع تدبير أمر زوجتى وأبنائي الثلاثة»، الذين يقول عنهم «ماهيتاب أكبر الأطفال عمرها 9 سنوات، المدرس رجعها من كام يوم عشان أجرة الدرس»، «أما محمد أصغر الأولاد عمره سنة، وكنت مطالبا كل أسبوع بإحضار لبن مدعم لا يجده، فيلجأ لشرائه بالسعر الحر، الذى يصل ثمن علبته الواحدة إلى 40 جنيها إضافة إلى المكملات الغذائية، التى يفوق ثمنها 20 جنيها».
لم يشفع للرجل 16 عاماً قضاها متنقلا بين وحدات إنتاج الشركة، ولم يشفع له أيضا الدستور الجديد، الذي تكفل له الدولة فيه الحق في الأجر العادل والإجازات، والتقاعد والتأمين الاجتماعي، والرعاية الصحية، والحماية ضد مخاطر العمل، وتوافر شروط السلامة المهنية في أماكن العمل، ولا يجوز فصل العامل إلا في الحالات المنصوص عليها في القانون، الذى قد أيده في الاستفتاء بناء على نصيحة عدد من زملائه، لكنه وزملاءه يتم تسريحهم «واحد ورا التانى»، بحسب قوله.
صار الرجل حائرا الآن بين التنازل عن «حقوقه المشروعة التى سلبتها منه الشركة» والموافقة على شروط الشركة بإعطائه ربع أجره المستحق والذى يعتبره هانى «زى اللى بيعرض عليك أكل وانت صايم»، وبين الخوض في الدوائر القانونية التى تعوقه عنها الضغوطات الاقتصادية «لو جبت مصاريف النهارده... هجيب مصاريف بكره منين».
وقال أحد العاملين بالإدارة في الشركة، الذي فضل عدم ذكر اسمه، إن «الشركة بها قصور في مسألة الفصل التعسفي، خاصة أنها لا تعطى للعامل حقوقه بالمخالفة للقانون الذى ينص على إعطاء العامل شهرين من الأجر الشامل عن كل عام قضاه في الخدمة».
وأضاف أن «شركة موبيكا لا تعطي العمال المفصولين حقهم، إذ إنها تتبع نظاما مخالفا للقانون وهو شهر عن كل سنة بأعلى تقدير لكل سنة قضاها، وتعتمد في ذلك على الحل الودى بينها وبين العامل، فإذا رفض العامل تتركه يلجأ للقضاء».