شكلت ثقافة «المشى جنب الحيط» الكثير من أفكارنا حتى اقتصر استعمالنا للشوارع والميادين والمساحات العامة كمناطق مرور. ورسخت النظم الديكتاتورية التى توالت على حكم مصر تلك الفكرة فى أذهاننا من خلال شرطة تسأل المواطنين، الذين تربوا على لعب الكرة فى «الحوارى» والشوارع، «رايح فين وجاى منين؟». ومنذ عودة حركة المعارضة فى عام 2005 حاول الكثيرون إيجاد مساحة لهم فى الشارع يتنفسون من خلالها الحرية. وجاء 25 يناير 2011 ليعيد إلى الأذهان حق المواطن فى استعمال المساحات العامة بعد أن كانت «القبضة الأمنية» قد فرضت عليها.
كانت ميادين الثورة النماذج الأولى لاستعمال المساحات العامة فى الفن والثقافة مرة أخرى، وظهر العديد من المبادرات التى تهدف إلى الإبقاء على تلك الميادين فى «قبضة الشعب» والتى كان من بينها مبادرة ائتلاف الثقافة المستقلة التى اتخذت اسم «الفن ميدان»، وأطلقت أولى فعالياتها فى السبت الأول من شهر إبريل فى ميدان عابدين بالقاهرة، وميادين أخرى فى محافظات أخرى. لتصبح حدثا شهريا يقام فى السبت الأول من كل شهر، وتقدم لكل المواطنين بالمجان أطيافا مختلفة من الثقافة منها الحفلات الموسيقية وعروض الأفلام ومعارض فنية وكاريكاتيرية وورش رسم وعروض عرائس للأطفال.
تعتمد «الفن ميدان» على «مبادرة وجهود المتطوعين فى كل مكان فى مصر، وكل تمويلها من تبرعات المصريين الأفراد» وتلقى تمويلا من وزارة الثقافة المصرية لأربعة شهور. ثم توقف هذا التمويل بدعوى قلة الإمكانيات بالوزارة. ومع التوسع فى إقامة الفن ميدان فى العديد من المدن خارج القاهرة يبلغ متوسط عددها 8 مدن أصبح من الصعب على أصحاب المبادرة أن يتمكنوا من الاستمرار فى دفع تكاليف إيجار «أجهزة الصوت والفراشة وخشبات المسرح والإضاءة والألوان والمواد اللازمة للورش الفنية والطباعة والتصوير وأجور العمال الفنيين وعمال النظافة» علما بأن جميع الفنانين المشاركين والمنظمين من أعضاء الائتلاف ومن خارجه يعملون بشكل تطوعى بدون أجر.
تحتفل «الفن ميدان» السبت المقبل بمرور عامين على خروجه للناس ولم يتبق أمام مؤسسيها فى مواجهة قلة الإمكانيات المادية سوى طلب الدعم المادى من الجمهور المستفيد من تلك الفعاليات. فى ظل التجاهل الحكومى يمكنك التبرع بعد غد فى ميدان عابدين بأى مبلغ مادي يبدأ من جنيه واحد ويصل إلى ما يمكنك أن تدفعه من أجل الحفاظ على حقك فى الوصول إلى فن وثقافة يقدمان لك مجانا فى الشارع.