25 عامًا مرت على قضية تحكيم طابا، لذا كان طبيعيًا أن نسأل عن دور قطاع البترول والمساحة الجيولوجية، في الفوز بتلك المعركة في مواجهة إسرائيل، التي تحترف الادّعاء والمغالطات وتغيير الوقائع، وأن نسأل أيضًا عن موقفها من قضية غاز البحر المتوسط.
«المصري اليوم» سألت الجيولوجي أحمد عبدالحليم حسن، الرئيس الأسبق لهيئة المساحة الجيولوجية، عن القضية فقال، إن قطاع البترول كان له دور حاسم، أثناء قضية التحكيم لاستعادة طابا، خاصة في تحديد مكان العلامة الحدودية «91» التي غيَّرت مجرى القضية لصالح مصر.
وكشف «حسن» عن معلومات جديدة عن قضايا الغاز والحدود البحرية، وطالب بتناول هذا الملف بشكل أكثر هدوءًا ودقة لعدم التأثير على الاستثمارات البترولية المأمولة في تلك المنطقة.. وإلى نص الحوار:
■شاركت في عملية التحكيم الخاصة بطابا.. ما أسرار تلك الفترة ومدى مساهمة هيئة المساحة والبترول في استعادة الحق المصري؟
- كنت رئيساً لهيئة المساحة الجيولوجية وقتها، وكنا نتحدث بقوة لأن المعايير التي ارتكزنا عليها عادلة وسليمة، واكتشفنا قيام إسرائيل بطمس معالم العلامة الحدودية «91» وإزالة جزء من الهضبة التي كانت تحمل العلامة لإيهام مصر بأن العلامة «90» وراء فندق سونيسته هى العلامة «91» طوال سنوات المفاوضاتن وكان للمهندس صلاح حافظ، نائب رئيس الهيئة العامة للبترول وقتها، فضل كبير في التنبه إلى قيام الجانب الإسرائيلي بتغيير مكان العلامة الحدودية والادعاء أنها عند نهاية الشاطئ الذى ينتهى عنده وادي طابا، وذلك من خلال خبرته الطويلة في العمل في الصحراء واعتياد عينيه التقاط الأبعاد والمسافات بين قمم الجبال والمقارنة الدائمة بين أحجامها لمعرفة قربها أو بعدها، وتحديد الطرق من خلالها.
ومن المضحك أننا عندما توجهنا إلى طابا لتصوير الشريط الحدودي مرة أخرى، كنا بحاجة إلى فيلم أبيض وأسود، ولم نجده سوى مع صحفي شاب من جريدة الأهرام وقمنا بتصوير المنطقة وسط حالة من عدم الارتياح من الجانب الإسرائيلي، حتى أنهم اشتبكوا في الكلام مع السفير نبيل العربى وقتها لإحساسهم أننا تنبهنا لما فعلوه.
■ما الذى ساعدكم على كشف التزييف الإسرائيلي ؟
- عندما قارنا الصور التي التقطناها مع صورة قديمة تم التقاطها لنفس المنطقة عام 1906، وبعض الخرائط القديمة من مركز معلومات المساحة الجيولوجية، كشفنا اللعبة الإسرائيلية في أنهم وضعوا العلامة «91» على بعد 900 متر تقريباً من مكانها الأصلي، وحرصوا أن تكون على منطقة عالية أيضاً لتكون قريبة الشبه من المكان الأصلي للعلامة وذلك لخداعنا، لأنهم كانوا يطمعون في الاستيلاء على فندق سونيستا والشاطئ المجاور له، وبالفعل التقريران الأول والثانى الذين قدمتهما مصر في التحكيم لم يتنبها للأمر، إلا أن الاكتشاف الذى حققناه- نحن مهندسو البترول- غيَّر مجرى التحكيم بالكامل، ومن ثم غيَّرنا الاتجاه كله في التقرير الثالث، حتى إن الدكتور نبيل العربي كتب أن اكتشاف هذا الدليل أهم أسباب الفوز بالتحكيم، وهمس وقتها الدكتور مفيد شهاب في أذن صلاح حافظ قائلاً: «لولا تقرير البترول لكنا خسرنا طابا».
■ولكن دولة بهذا الدهاء مثل إسرائيل كيف لا تشك في أن تكون قد جارت على حقوقنا في المياه الاقتصادية كما أثير مؤخراً؟
- المطالبة بالحدود يجب أن تكون من خلال الخرائط، ولاختصار الكلام ليست لدينا حدود بحرية مشتركة مع إسرائيل وإنما حدودنا مع جزء من فلسطين المتمثلة في غزة، وإسرائيل كدولة محتلة لفلسطين مسؤولة عن الحقوق الاقتصادية للدولة التي تحتلها.
وهناك ثوابت في ترسيم الحدود الاقتصادية، وهى أولاً اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، التي تحدد المياه الإقليمية ثم المياه المتاخمة حتى 200 ميل بحرى أخرى للمياه الاقتصادية إذا لم يكن أمامك جار، أما في حالتنا مع قبرص ولأن المسافة بين البلدين أقل من 400 ميل بحري، رسمت مصر في 2004 «خط منتصف» بين أقرب نقطتين من شاطئ البلدين على أساس أن تكون كل نقطة على طول امتداده متساوية الأبعاد من أقرب نقطة على خطوط الشاطئ لكلا الطرفين، والشاطئين محددين وفقاً لنقاط ترسيم الشواطئ في القانون الدولى، أى أنه ليس هناك مجال للعبث في الأرقام.
وانتهاء الشاطئ المصري بموجب القرار الجمهورى رقم 27 في 9 يناير 1990، والمودع في الأمم المتحدة يقف عند النقطة 53 وإحداثياتها «24 19 31» شمال خط العرض و«06 13 34» شرق خط الطول، وهى نقطة البداية في الحدود مع غزة.
وبالتالى اتفاقية الترسيم مع قبرص بدأت من النقطة 53 في رفح وامتدت في خط عمودي حتى خط المنتصف مع قبرص ليلتقي عند النقطة 8 وإحداثياتها «20 53 32» شمال خط عرض و«20 58 32 » شرق خط طول، وهي نقطة التقاء حدود مصر وقبرص وإسرائيل، وجميع مزايدات البحث والاستكشاف التي طُرحت من قِبَل الدول الثلاث احترمت خطوط الترسيم، ورغم أنه لا يوجد اتفاق بين مصر وإسرائيل إلا أنه عند ترسيم إسرائيل حدودها مع قبرص في 2011 انتهى خط المنتصف بينهما عند نفس النقطة 8 ولكنها سُجلت باسم النقطة 12 التي تحمل نفس الإحداثيات.
■ولكن مجلس الشورى قرر مناقشة إلغاء اتفاقية ترسيم الحدود مع قبرص ثم تراجع وفما رأيك؟
- لا أوافق على هذا المنهج، حتى إذا راود البعض الشك تجاه الأمر فيمكن أن يطرحه من باب الدعوة لإعادة الدراسة وليس إلغاء اتفاقية ثنائية مع دولة أخرى، خاصة أن التأجيل لمدة سنة في دورة البحث سيترتب عليه تسويف 5 سنوات لحين اكتشاف البترول.
■قيل إن الجدل الذى دار حول الترسيم أثَّر على مزايدة «إيجاس» للبحث في المياه العميقة، أليس في ذلك تبسيط شديد للموقف؟
- أعتقد أن مزايدة الشركة القابضة للغازات الطبيعية «إيجاس» التي طرحتها على الحدود المصرية في 2012، لاقت نجاحاً منقوصاً بسبب مسألة البلبلة الخاصة بالحدود، وحتى مع تخصيص بعض المناطق سيكون موقف الحكومة في التفاوض ضعيفاً على خلفية القلق الذى أثير حول المنطقة.
■ولكن ألا ترى أن الجدل الذى أثير بشأن الحدود ربما كان هو الذى حرَّك «إيجاس» لطرح مزايدة في تلك المنطقة؟
- ربما، ولكن استمرار الجدل والبلبلة بشأن الحدود أثر سلباً على مناقصة القابضة للغازات التي طرحتها في 2012، حتى إن «بلوك 8» في المزايدة الواقع عند نقطة تلاقي حدود مصر وقبرص وإسرائيل «غزة» لم يتقدم له أحد، وفي المنطقة المقابلة لدى قبرص، حصلت شركة «نوبل إنرجى» الأمريكية ذات الجذور الإسرائيلية، على امتياز للبحث والاستكشاف، وتخلت بعد ذلك عن الجزء المتاخم للحدود المصرية، لأنها لم تجد احتمالات جيدة للعثور على الغاز في هذا الجزء.
لذلك ما أشيع عن سرقة ثرواتنا كلام غير دقيق، ولا يعتمد على حقائق، ولكن الرأى العام والإعلام تبنياه ربما لشعورهما بضعف الدولة، خاصة أن الطرف المتهم هو إسرائيل وذلك يعزز قبول الرأى العام لما يقال.
وأنا أدعو إلى عدم التشتت والتركيز على تحقيق الاستغلال الأمثل من الثروات المتوفرة داخل الحدود المصرية، وتحديداً في المياه العميقة بالبحر الأبيض المتوسط على الحوض الترسيبي لدلتا النيل، والذى يمتد على مساحة 250 ألف كيلومتر مربع أمام الدلتا، في حين أن الحوض الترسيبي لشواطئ غزة وإسرائيل ولبنان وسوريا معاً يبلغ 83 ألف كيلومتر مربع فقط.
■ولكن المخاوف المطروحة مبنية أيضاً على خرائط وأرقام؟
- كل الخرائط التي اعتمد عليها من هاجموا أو انتقدوا هي صور لخرائط على موقع الإنترنت الشهير «جوجل» وليست خرائط يمكن الدراسة عليها، بمعنى أنها لا تحمل خطوط طول وعرض، وبالتالي فإن جميع المسافات التي بنيت عليها خاطئة، وتزعم أن المسافات بين حقل «شمشون» ودمياط تبلغ 114 كيلومتراً مقابل 237 كيلومتراً من حيفا، في حين أن خطوط الطول والعرض تثبت أن المسافة الحقيقية بين دمياط و«شمشون» تبلغ 186 كيلومتراً، فيما تبلغ 136 كيلومتراً من حيفا و90 كيلومتراً من أشدود، أى أن الحقل يقع أمام شواطئ غزة.
كما أن المسافات المزعومة بأن حقل «لفياثان» يقع على بعد 190 كيلو متراً من دمياط، مقابل 235 كيلومتراً من حيفا لا أساس لها من الصحة، نظراً لأن خطوط الطول والعرض تثبت أن الحقل السابق ذكره يقع على مسافة 238 كيلومتراً من دمياط، و124 كيلومتراً من حيفا، وبمعنى آخر فإن هذين الحقلين مُرحَّلان إلى الغرب من موقعهما الحقيقى 106 كيلومتراً في حالة «لفياثان» و132 كيلومتراً في حالة «شمشون»، وهو ما يدفعنى للقول بأن الخطأ متعمد في الأرقام.
وتلك الحقول تقع أمام شاطئ إسرائيل وغزة الممتد من رأس النافورة شمالاً حتى رفح جنوباً، ومعاهدة أوسلو 1994، أعطت لفسلطين 20 ميلاً بحرياً في عمق البحر المتوسط، وذلك لإتاحة الفرصة للصيادين الفلسطينيين للعمل، وبالتالى فإن حقول «نوا» و«مارى بي» و«غزة مارين» و«شمشون» هي حقول فلسطينية أمام شواطئ غزة وإسرائيل معتدية عليها.
■كيف نتأكد من صحة أرقام الاحتياطي المصري من الغاز الطبيعى في البحر المتوسط؟
- مصر بالفعل لديها احتياطات مقدرة من الغاز الطبيعي بعضها تم اكتشافه، ويبلغ حوالى 70 تريليون قدم مكعب، وهناك احتياطيات أخرى غير مكتشفة وتبلغ 223 تريليون قدم كعب، وهى أرقام مقدرة طبقاً لهيئة المساحة الجيولوجية الأمريكية، أي أنه لا يزال لدينا 3 أضعاف الكميات المكتشفة تقع كلها في مناطق مزايدة «إيجاس» 2012، والمشكلة أنه تم في السابق الإعلان عن أرقام على أنها اكتشافات وليست أرقاماً تقديرية من هيئة المساحة الجيولوجية الأمريكية، ولذلك حدث لغط كبير حولها، ولكنها أرقام قدرتها بالفعل المساحة الأمريكية وسجلتها.
وللعلم فإن جودة احتياطى الغاز المصري أعلى بكثير من الاحتمالات الغازية المتوقعة لدى قبرص وإسرائيل، لأن الغاز المحتمل اكتشافه لدى الأخيرتين يسمى «البايوجينيك» أى غاز عضوي وليس غازاً حرارياً، وقيمته أقل لأن القدم المكعب من الغاز العضوي به ألف وحدة حرارية بريطانية، أما الغاز الحراري فالقدم المكعب منه قيمته تصل إلى 1600 وحدة حرارية بريطانية، وبالتالى جودته أعلى، فضلاً عن وجود متكثفات معه، أما العضوي فيكون جافاً ولا تصاحبه متكثفات، كما أن مصر لديها قاعدة بنية تحتية قوية عمرها 50عاماً وهى ميزة كبيرة لاكتشافات البحر.
■لكن المجتمع بات يتشكك في قدرة قطاع البترول على إدارة هذا الملف أو ملف الثروة البترولية والغازية بشكل عام فما العمل؟
- لقد تم إغراق قطاع البترول حالياً في قضية الدعم، رغم أنه لا علاقة له بها، فتم تشتيته بشراء السولار والبوتاجاز، وهي قضايا يمكن أن يتم تكليف وزارات أخرى مثل التموين بها، لأنها تستنزف وزارة البترول، وتحول اهتمامها عن دورها الرئيسي في تنمية الاحتياطيات البترولية والتوسع خارج الحدود لشراء مناطق امتياز في سبيل تأمين احتياجات المستقبل، لأن دورها الطبيعي إنتاجي وتنموي.
وأنا حزين على ما وصلت إليه هيئة المساحة الجيولوجية التي توليت رئاستها لمدة 6 سنوات و13 يوماً بالتحديد، ولكنها الآن لم تعد تخلق كوادر في المجال، فضلاً عن عدم حصولها على الاهتمام الكافي من الدولة.