x

عبدالحليم حافظ بين «ناصر» و«الإخوان»

الثلاثاء 26-03-2013 19:22 | كتب: محسن محمود |
تصوير : other

على الرغم من وفاة العندليب الأسمر منذ 36 عاماً، إلا أن عبدالحليم حافظ مازال يعيش فى وجدان الشعب المصرى، نلجأ إليه كلما اشتقنا إلى زمن الفن الجميل. نلجأ إليه فى المحن والشدائد بأغنياته الوطنية الثورية التى ألهبت حماس المصريين حتى فى ثورة 25 يناير.

مازال الغموض يسيطر على تفاصيل كثيرة من حياة «العندليب»، وكل عام تظهرأسرار جديدة، هذه المرة حاولنا الغوص فى جانب آخر فى حياة «عبدالحليم»، الناصرى، الذى غنى لـ«جمال» وللاشتراكية. فكيف كان موقف الإخوان المسلمون منه ومن أغانيه؟

عبد الرحمن الأبنودى، قال: «عبدالحليم» كان شاباً ناصرياً، شكل مسيرة للغناء الوطنى لـ«عبدالناصر» مع كمال الطويل وصلاح جاهين، وأظن أن مواويله فى الشعر الصوفى مع الشاعر الكبير عبدالفتاح مصطفى، الذى لم يأخذ حقة، و«الموجى» - تعتبر قمة الغناء، ولم يصنعها لحاكم أو جماعة، إنما لإيمانه الخاص، والتزام بعادات وتقاليد العائلة، فلم نر السيدة «علية»، شقيقته، عندما كانت ترسل لنا الغذاء، لذلك هو متحفظ، وليس متزمتاً دينياً، وكان يضع المصحف إلى جوار سريره، حتى الأغنيات الوطنية كان بها دعاء ثورى للبلد ولنصرة مصر والفقراء، أما الإخوان فهم لا يعرفون الفن، وليس بينهم فنان ولا شاعر ولا ملحن عظيم، لأنهم بلا خيال، وفى زمن «عبدالحليم» لم يكن هناك إخوان، لأنهم كانوا فى معتقلات «عبدالناصر»، ومن كان منهم فى الخارج كان مختبئاً، ينكر إخوانيته، ولم يشكلوا أى إعاقة للمسيرة، كما هو حادث الآن.

وأضاف «الأبنودى»: أولاً علينا أن نفرق بين الوضع الحالى وزمن «عبدالناصر»، ففى زمن «ناصر» لم نكن نصادف مثل هذه الحالات الشاذة التى ترتدى ثياب الدين وتتفوه بأفظع الألفاظ التى هى ضد الدين، وتسلك كما الوحوش، وقد كنا ضد حبس الإخوان المسلمين فى ذلك الوقت، أما حالياً فأقول لولا سجن الإخوان لما استطاع «ناصر» أن يبنى مصر، أما ما حدث معنا فى تجربته مع أغنية «المسيح»، فهذه الأغنية جاءت بعد «عدى النهار»، حين كان «عبدالحليم» مع «أم كلثوم» يسهمان فى جمع التبرعات من الدول العربية للمجهود الحربى لتعويض ما فقدناه من أسلحة على رمال سيناء بعد نكسة 67، وكان فى طريقه إلى لندن ليغنى فى «ألبرت هول»، أكبر قاعة للغناء هناك، وكان معروف أن كل العرب المقيمين فى الخارج سوف يحضرون هذه الحفلة دعما لـ«عبدالحليم»، وكانوا يعرفون جيداً أنه لن يضع مليماً من ريعها فى جيبه، وقال لى «حليم» فى ذلك الوقت: هل أذهب إلى لندن، وليس معى غير «عدى النهار»، لأنه أخذ عهداً على نفسه أن يبدأ كل حفل بأغنية «أحلف بسماها وبترابها»، قلت هناك موضوع يلح فى كل هزيمة ونكسة نجد الآلاف من الفلســـطينيين يزحفون من بلادهم التى استولت عليها القوات الصهيونية، وهذه البلاد هى بلاد «المسيح»، وإن هؤلاء يعذبون كما عُذب «المسيح». فقال لى: لو سمحت اكتب. وبالفعل بدأت الكتابة فى ظل وجود كمال الطويل، وبمجرد انتهائى من كل مقطع يلحنه «الطويل» فوراً.. لذلك اللحن اكتمل مع الكلام، ثم جاء دور الرقابة فى الإذاعة التى أكدت أنها لن تجيز النص دون الرجوع إلى الأزهر، فطلب منى «حليم» أن أذهب معه إلى الأزهر. فقلت له: أنا حاد ولو اعترضوا على شىء سوف أفسد الأمر، وأنت دبلوماسى ولديك أساليبك، ثم اتصل بى وأخبرنى أن رقابة الأزهر اعترضت على كلمة «صلب المسيح»، لأنه لم يصلب. فقلت له أنا أقصد الشباب الفلسطينى، فرد على قائلاً: لكن قد يحدث لبس لدى المستمعين ومنحونا إذناً لغنائها فى الخارج وألا تغنى فى مصر، وبعد نجاحها انتشرت فى العالم العربى وفك سجنها.

وجدى الحكيم قال: «عبدالحليم» لم يكن متزمتاً فى حياته، وعندما اهتم بتطوير الأغنية الوطنية والشعبية كان حريصاً على أن يحافظ على القيم، وفرصة ألا تتم مهاجمته مثل «أم كلثوم» فى الجوامع، مثلما كان يفعل «الشيخ كشك»، الذى كان يهاجم الفن والفنانين، وحتى يؤمن نفسة كان يلتزم بنوعية من الأغانى لا تثير حفيظتهم ضده، وكان حريصاً على عمل الموشحات القريبة من الإيقاع الدينى وتجربته الوحيدة التى قدم فيها لحناً واحداً بكلمات متغيرة مع عبدالفتاح مصطفى.

وأضاف: وقف الإخوان ضده فى أغنية «المسيح» وحرضوا الأزهر ضده لمنعها، وكانت هذه الأغنية تمثل تحدياً له عندما غناها فى «ألبرت هول» وأذاعتها محطات العالم، وتراجع الأزهر بعد ذلك، وسمح بإذاعتها فى مصر، ووقف بجواره «الأبنودى» وحمى «عبدالحليم» من الموجة المعادية، وكان «عبدالحليم» يتمتع بفكر عصرى جداً مؤمن بالأغنية المصرية والتجمع العربى، أو الدولة العربية العميقة، وهذه مسألة تتعارض مع الإخوان، ولم يكن له علاقة بهم مباشرة ولا يضع لهم أى اعتبار، لكن كان يقدم فناً جيداً ولا يخضع لأى مواصفات، ورغم أنه كان عصرياً فى أغنياته وأفلامه وفى داخله رجل متصوف ملتزم دينياً، فكان حريصاً على الالتزام بتقاليد مجتمعه، وقد عشت 24 عاماً مع «عبدالحليم» لم نر شقيقته «علية»، إلا بعد عودتها مع جثمانه من لندن.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية