تعد شخصية الصحفي محوراً أساسياً في مكونات التفرد لقلم البابا شنودة الثالث، الذي بدأ الكتابة في مجلة تدعى «الحق»، صدرت عام 1947 عن كنيسة مارجرجس بشبرا البلد، ثم بدأت رحلته مع مجلة «مدارس الأحد»، منذ إبريل 1947، بقصائد ومقالات جمعها فيما بعد في كتابه الأشهر «انطلاق الروح»، ولكن تبقى مجلة «الكرازة» في قاعدته الأساسية ومحل فكره، التي تسجل صفحاتها تاريخ الكنيسة في حبريته وتاريخه الخاص ومعاركه وعظاته ومقالاته، وقد أسس مجلة «الكرازة» ورأس تحريرها بعد سيامته أسقفاً للتعليم بإسم الأنبا شنودة.
وصدرت المجلة لأول مرة عام 1965 كمجلة شهرية تصدر عن الكلية الإكليريكية تحتوى على أخبار الكلية وأنشطتها وأبحاث عميقة، ومقالات إصلاحية وتأملات روحية، وبرز فيها بقوة قلم الأنبا غريغوريوس، أسقف البحث العلمي والدراسات القبطية (فيما بعد)، خاصة أنه البابا المتخصص في إجابة الأسئلة العقائدية والطقسية.
ومن المعارك التي شهدتها «الكرازة» في هذه الفترة، خلاف الأنبا شنودة مع قداسة البابا كيرلس السادس، وكان خلافا إداريا بالأساس حول طريقة إدارة الكلية الإكليريكية، وكان العدد الصادر في يونيو 1968 يحوي مقالات حادة بعض الشيء في نقدها للبابا كيرلس.
ظلت «الكرازة» تصدر بشكل شهري من عام 1965 وحتى عام 1972، ثم صدرت بشكل أسبوعي من عام 1974وحتى عام 1981، حسبما يؤكد الباحث الكنسي نشأت زقلمة.
وفي هذه الفترة اختلف شكل ومضمون «الكرازة»، فقد تحولت من صوت للكلية الإكليريكية يرأسها أسقف التعليم، إلى صوت للكنيسة القبطية ككل يرأسها البابا شنودة الثالث، وكذلك أخذت شكل التابلويد، وخرجت من نطاق الأبحاث إلى النطاق الخبري، وتميزت في تغطية أخبار البابا والكنيسة.
وفي هذه الفترة عبرت «الكرازة» عن علاقة البابا بالرئيس السادات وفي العلاقة التي شهدت تقلبات كثيرة، بدأت بالمودة الكبيرة بين البابا والسادات، وانتهت بقرارات سبتمبر ،1981 والتي كان أشهرها التحفظ على البابا في دير الأنبا بيشوي بوادي النطرون، وأيضاً مصادرة مجلة «الكرازة» التي منعت من الصدور حتى عادت عام 1988، وفي فترة الرئيس السادات يمكن أن نرى في افتتاحيات «الكرازة» تعبيراً حقيقياً عن هذه الفترة المضطربة من تاريخ مصر، فإذا كان العدد الصادر في الجمعة 16 ستمبر 1977 قد صدر بعنوان (الكنيسة في مسيرة تأييد السادات) مع صورة للرئيس، فإن العدد الصادر في الجمعة 4 إبريل 1980، ونُشر في صدره الخبر الذي كان بمثابة القنبلة وقتها، وهو قرار المجمع المقدس بإلغاء جميع الاحتفالات بعيد القيامة المجيد، والاكتفاء بالصلاة في الكنائس، وعدم تقبل تهاني العيد، واعتكاف الآباء المطارنة والأساقفة في الدير خلال العيد وعدم صلاتهم في كنائسهم.
ولا يزال هذا الخبر من أجرأ الأخبار الت نشرتها «الكرازة»، وكان سبباً من أسباب مصادرتها فيما بعد، وكان من أشهر كتاب المقالات بالكرازة في هذه الفترة الأنبا بيمن، أسقف ملوي السابق، والقمص بطرس جيد، شقيق البابا، والذي أصدر مقالاته في كتاب «مذكرات كاهن»، ومن غير رجال الدين الأستاذ رشدي السيسي، الذي قدم ترجمة جديدة لكتاب «بستان الرهبان».
ومن عام 1990 وحتى رحيل البابا كانت «الكرازة» تصدر نصف شهرية، وتتعطل طويلاً في حالة غياب البابا كما حدث أثناء علاجه في كليفلاند بأمريكا، وفي هذه الفترة كانت «الكرازة» سجلاً موثقاً لمقابلات وأخبار البابا وتضمنت مقالاته وقرارته التي أثارت جدلاً كبيراً بحرمان الدكتور جورج بباوي، ثم معركة الكنيسة مع ماكس ميشيل، وقد احتوت الكرازة أيضاً على صفحة للأطفال، ظل الشاعر جرجس رفلة يحررها لفترة طويلة، كما تضمنت مقالات للأنبا بيشوي مطران دمياط والبراري وكفر الشيخ، والأنبا كيرلس، أسقف ميلانو، ومن غير رجال الدين الدكتور مينا بديع عبد الملك.
ومن أقوى أعداد «الكرازة» في فترة الرئيس مبارك، الأعداد التي تحدثت عن أحداث الكشح ومشكلة وفاء قسطنطين وأحداث بمها بالعياط ،وآخر مقال كتبه البابا شنودة الثالث ب«الكرازة»، جاء تحت عنوان «مصر إلى أين؟»، وهو التساؤل الذي يشغل الشارع المصري حتى الآن، وحذر فيه البابا من طغيان السير وراء رجل الشارع، متأسفا على الأمية المتفشية في المجتمع المصري، والتي قد تؤدي إلى انهياره، وفي الفترة الانتقالية بعد الثورة، صدرت 3 أعداد من الكرازة أبرزها العدد الذي وثق لرحيل البابا.
ومؤخرا عادت «الكرازة» في ثوب جديد وبالألوان، حيث أوكل قداسة البابا تواضروس رئاسة تحريرها لنيافة الأنبا مكاريوس، الأسقف العام المساعد بالمنيا، وهو يعرف بأديب الكنيسة القبطية، حيث نشر عدداً من الكتب الأدبية التي تكشف عن موهبة حقيقية في فن القص، ومن قصصه «عند الغروب» و«حيثما تذهب» و«فقراء ولكن»، وقد صدر من الكرازة حتى الآن 6 أعداد في ثوبها الجديد، أولها كان تجليس البابا تواضروس، وآخرها كان عدداً خاصاً في الذكرى الأولى للبابا شنودة تحت عنوان «الغائب الحاضر».
وقام الأنبا مكاريوس بإحداث تجديدات شاملة في شكل ومضمون «الكرازة»، حيث فتح صفحاتها بجراءة شديدة لجيل جديد من كتاب شباب الكهنة، منهم القس رافائيل ثروت، راعي كنيسة مارمينا بفم الخليج، والقمص داود لمعي.
وأكد الأنبا مكاريوس أن هناك مزيداً من التطوير سوف تشهده الأعداد الجديدة من «الكرازة»، كما أكد أنه يحلم بأن تعود «الكرازة» لتصدر بشكل أسبوعي بدلا من الإصدار النصف الشهري، مع تخصيص صفحات للشباب، ومواكبة تطورات الخدمة، مشيراً إلى أن هناك خطة لتطوير التوزيع لتصل الكرازة للأقباط في كل مكان.