x

«مكاوى سعيد»: "مقتنيات وسط البلد" تأريخ للمهمشين وتوثيق للأماكن المنسية

الخميس 22-04-2010 13:40 | كتب: محمد الكفراوي |

بعد مرور 4 سنوات على صدور رواية «تغريدة البجعة» للكاتب مكاوى سعيد، التى حققت نجاحا لافتا بعد وصولها للقائمة القصيرة فى جائزة البوكر العربية، صدر له منذ أيام كتاب «مقتنيات وسط البلد» عن دار الشروق، وهو مجموعة قصص قصيرة عن أشخاص وأماكن وذكريات للكاتب تعود إلى بداية الثمانينيات.. عن فكرة هذا الكتاب ومحتواه وغياب الكاتب عن الساحة خلال تلك السنوات، ثم عودته بكتاب جديد صدر فى طبعة مميزة ويتضمن رسومات مصاحبة للنصوص للفنان عمرو الكفراوى.. وعن كتابة التاريخ الاجتماعى أو تاريخ المهمشين والمنسيين وتاريخ الأماكن دار هذا الحوار.

■ بعد مرور سنوات على صدور روايتك «تغريدة البجعة» والنجاح الذى حققته جاء «مقتنيات وسط البلد».. متى جاءتك فكرة هذا الكتاب؟

ـ الفكرة جاءتنى قبل كتابة «تغريدة البجعة»، فمنذ عام 2002 تقريبا وأنا أفكر فى كتابة مجموعة قصص أو حكايات حول منطقة وسط البلد بما فيها من أماكن وأشخاص، خاصة خلال فترة محددة فى الثمانينيات من القرن الماضى، هناك مقاه وبنايات كثيرة تعرضت للهدم أو البيع رغم أنها كانت تمثل جزءا أصيلا من منطقة وسط البلد، لذلك فكرت فى محاولة التأريخ لهذه الأماكن مثل مقهيى «إيزافيتش» و«على بابا» أو غيرهما من الأماكن التى اختفت، وأربطها بحكايات عن الشخصيات المهمشة والمجهولة التى كانت تتردد عليها، أردت أن أسجل وقائع داخل هذه الأماكن، ورغم أننى أهملت الفكرة وانشغلت 3 سنوات فى كتابة «تغريدة البجعة» إلا أننى عدت إليها وكرست لها وقتا كبيرا لاستدراك الحكايات عن شخصيات مهمشة كانت تمتلك مواهب أدبية وفنية فذة فى بداية الثمانينيات، ولكن اختفت تلك الشخصيات، بعضهم توفى والبعض الآخر هاجر وبعضهم أصيب بالجنون، وعندما قررت أن أكتب عنهم وجدت الروابط وثيقة بينهم وبين الأماكن التى ترددوا عليها فى وسط البلد، وبدأت أربط بين تاريخ المكان وتاريخ الأشخاص.

■ ما تصنيفك لهذا الكتاب.. هل تعتبره قصصاً أم رواية أم «بورتريهات»؟

ـ هو ليس بورتريهات، لأن كتابة البورتريه أقرب للكتابة الصحفية الخفيفة، حتى أننى نشرت 15 حلقة من المقتنيات فى جريدة البديل، وعندما قررت جمعها فى الكتاب أعدت العمل عليها من جديد، ولكن يمكن اعتبار المقتنيات مجموعة من القصص القصيرة يربطها مكان واحد، لكن تصنيف الكتاب ضمن الأجناس الأدبية لا يشغلنى بقدر ما أريد أن تصل الفكرة إلى الناس، لا يشغلنى الشكل الفنى للحكاية بقدر ما يشغلنى أن تصل الحكاية للقارئ.

■ إلى أى قارئ تتوجه بهذه القصص للنخبة أم للقراء العاديين؟

ـ فى كل كتاباتى لا أتوجه للنخبة، بل أتوجه للقارئ المثقف العادى، أحاول أن أبسط المصطلحات حتى لا تكون غريبة عليه، وهذا يتلاقى مع النخبة ومع القراء العاديين، لا أحب التسطيح الكامل فى الكتابة، كما أننى أرفض التقعير فى اللغة، أكتب وفقا لذائقتى القرائية.

■ ولكن البيئة التى تكتب عنها سواء فى «تغريدة البجعة» أو «المقتنيات» وهى منطقة وسط البلد، معروفة بأنها إلى حد ما نخبوية، حيث تتواجد فيها بكثرة تجمعات النخبة المثقفة؟

ـ أنا أكتب عن المكان الذى أعرفه، لم أكتب عن الريف لأننى زرته مرات قليلة جدا، أكتب عن المدينة، وتحديدا الجزء الذى أحبه من المدينة وهو منطقة وسط البلد التى تربيت فيها، فى «تغريدة البجعة» قدمت المثقف مع رجل الشارع مع أطفال الشوارع مع النخبة مع الأجانب، قدمت كل الوجوه وليس المثقف فقط.

■ هل يمكن اعتبار «مقتنيات وسط البلد» كتابا توثيقيا؟

ـ حرصت على وجود جزء توثيقى فى الكتاب عبارة عن 100 صفحة يضم تعريفا بالأماكن (المطاعم، الكافيتريات، الميادين والشوارع) فعندما تقرأ حكاية تجد أن الأبطال كانوا جالسين فى كافيتريا اسمها «على بابا»، أين هذه الكافيتريا الآن، ليست موجودة، لكن الجزء التوثيقى يعرف بالمكان وموقعه، وما الذى حل مكانه، ومن الشخصيات المهمة التى كانت تجلس فيه.. هذا دور الجزء التوثيقى.

■ إلى أى مدى أردت أن تقدم تجربة أدبية قريبة من التاريخ الاجتماعى؟

ـ التاريخ دائما يكتبه المنتصرون، فهم الذين يفرضون حكاياتهم، لكن عندما نحب أن نعرف التاريخ الحقيقى نعود لأدبيات الفترة التى نقصدها، فمثلا لمعرفة حياة المواطن الروسى أيام الحكم القيصرى ستجد أن هذه الحياة موجودة فى الأدب وليس فى كتب التاريخ، الأدب يصف الواقع برؤية شاملة للفترة التى يعيشها الكاتب، أما المؤرخ فيمكن أن يكون منحازا فيعطى مفاهيم مخالفة للواقع، منطقة وسط البلد أكتب عنها من واقع حبى لها، وما تحتويه من زخم، حاولت تقديم هذه المنطقة لأنها قلما تتواجد فى الأدبيات، وقصدت أن أوضح ما يوجد من تغييرات فى وسط البلد الآن، وأن هناك أماكن أثرية تباع، وفى المقابل يقولون إنهم سيعيدون إحياء مشروع القاهرة الخديوية، وهذا كلام جميل، ولكن أين هو على أرض الواقع، كتبت ما رأيته، وحاولت أن أوثق لبعض الأماكن.. رؤية أديب لمكان يحبه، ربما يستفيد منها أحد.

■ ما نسبة الحقيقة والخيال فى قصص المقتنيات؟

ـ 70% خيال و30% حقيقة، أكتب عن فترة بعيدة جدا منذ حوالى 30 سنة، فمن المؤكد أن هناك تفاصيل كثيرة غابت عن ذهنى، فاستعضت عن ذلك بالخيال، رغم أننى أكتب عن أشخاص حقيقيين ولكن يمكن أن أتذكر من الحكاية البدايات والنهايات، أما التفاصيل فى منتصف الحكاية فيمكن أن تتوارى فى الذاكرة.

■ وماذا عن الأسماء المذكورة فى القصص؟

ـ لا طبعا.. لا توجد أسماء حقيقية، هناك فقط أربعة أو خمسة حرصت على أن أذكر أسماءهم الحقيقية وأدين لهم بالشكر فى مشروعى الأدبى.

■ هل كنت حريصاً على الفصل بين الواقع والفن القصصى بإخفاء الأسماء الحقيقية للشخصيات لعدم المساءلة؟

ـ أنا لا أكتب عن نجوم الآن، بل أكتب عن مهمشين ضاعوا فى الطريق، فلا أحد يعرفهم الآن، الأسماء ليست مهمة بقدر أهمية مضمون القصة، لا أكتب عن بدايات عبدالحليم حافظ مثلا، بل أكتب عن مهمشين أغلبهم توفى أو هاجر، فالأسماء الحقيقية لن تهم أحدا، إلا لو كانت القصة عن شخص مشهور الآن، وهو ما لم أهتم به.

■ هل هناك امتداد لتلك المقتنيات أم أنها تجربة وانتهت؟

ـ هى تجربة كانت تؤرقنى، ولا أعتقد أنه سيكون لها امتداد، خاصة أنها استغرقت وقتا طويلا فى كتابتها، وتوقفت عن مشاريع أخرى كنت أعمل عليها، لانشغالى فى جمع مادة للكتاب، الجزء الوثائقى فى المقتنيات استغرق عاما ونصف العام، وأعتقد أننى سأتفرغ فى الفترة المقبلة لمشروع أدبى جديد، بالإضافة للمشاريع الموجودة بالفعل ومنها أننى أعمل على تحويل رواية «شرق النخيل» لبهاء طاهر إلى مسلسل تليفزيونى، كما أن هناك جلسات لتحويل رواية «تغريدة البجعة» إلى فيلم سينمائى، يكتب السيناريو له بلال فضل وتخرجه هالة خليل.

■ بعد النجاح الذى حققته «تغريدة البجعة» اختفيت من الساحة ولم تقدم عملا جديدا.. ما أسباب ذلك؟

ـ الحفاوة التى قوبلت بها روايتى «تغريدة البجعة» سببها الأساسى أننى اهتممت بالعمل وكتبته فى حوالى 3 سنوات، وبذلت مجهودا كبيرا فى كتابته، وبعد الصدى الذى حققته رفضت أن أستثمر نجاحها، وأنشر رواية تجعل القارئ يفقد ثقته بى، عرفت معنى أن يحترمك القارئ، وبالتالى لابد أن أحترمه، ولا أقدم له أى شىء بسرعة، ولا تتخيل عدد دور النشر التى اتصلت بى لتتعاقد مع على نشر روايات جديدة لى بمقابل مادى كبير، وحتى بتاريخ مفتوح أحدده بنفسى لتقديم العمل، ولكننى رفضت حتى لا ألتزم بشىء أكون مضطرا لإنجازه، لم أتورط فى ذلك، احتراما للقارئ الذى منحنى ثقته، لذلك لم أقرر النشر إلا عندما أصبحت راضيا تماما عن الكتاب الذى انتهيت منه.

■ ما رأيك فى بعض الكتاب الذين يراهنون على كم الكتب التى ينشرونها وليس الكيف؟

ـ أنا ضد ذلك تماما، فالكاتب الذى يقدم أربعة أو خمسة كتب جيدة أفضل ألف مرة من الكاتب الذى يقدم 40 أو 50 كتابا رديئا، وأتذكر جملة مشهورة لجابرييل جارسيا ماركيز «أنا أدفع إلى سلة المهملات بأكثر مما أدفع إلى المطبعة».

■ هناك اهتمام بطباعة كتاب «مقتنيات وسط البلد» وهو أمر غير مألوف فى دور النشر المصرية.. ما تفسيرك؟

ـ بالفعل هناك اهتمام كبير من دار الشروق بطباعة الكتاب، حتى أننى عندما اطلعت على النسخة الأولى لم أصدق أنه سيكون بهذه الفخامة، إنه مثل الكتب الأوروبية، وبالطبع أى كاتب سيكون سعيدا جدا بنشر كتابه بهذا المستوى الجيد.

■ ولماذا فى رأيك لا تهتم دور النشر المصرية بشكل الكتاب؟

ـ لأن الأمر مكلف جدا، وهو ما يؤدى إلى ارتفاع سعر الكتاب، بحيث لا يصبح فى متناول الجميع، وبالتالى تكون نسبة توزيعه محدودة.

 

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية