x

شركات الأمن فى مصر.. عالم تحكمه «الفوضى».. و«حارس» لكل 1200 مواطن

السبت 23-03-2013 22:52 | كتب: عزة مغازي |
تصوير : other

قبل عبور الباب الفاصل بين بهو الاستقبال الفاخر بالفندق ذى الخمسة نجوم القابع على كورنيش نيل القاهرة وبين ممر سلم الطوارئ، يتوقف أحمد السعيد، تم تغيير الاسم بناء على طلبه، لالتقاط نفس عميق استعداداً لولوج «عالم آخر»، فهذا الباب الضيق ذو اللون الفضى وفقاً لرؤية العابر منه «يفصل بين عالمين». يمر «أحمد» فى بهو الفندق حيث تمتزج عطور النزلاء الفاخرة بالموسيقى المرحة على مدار الساعة مخلفة وراءها «عالم الخصومات وتنمر المديرين».

يتحرك أحمد بين العالمين بوعى يقظ، يحلل من خلاله المشاهد التى تقع عليها عيناه فى فرصة عمله الأولى بعد التخرج فى إحدى الكليات النظرية، لا يتناسى الشاب المتخرج حديثاً خلفيته المشغولة بالفلسفة وعلم الاجتماع والتاريخ، والتى لا تتصل على الإطلاق بوظيفته الأمنية كضابط حراسة بالفندق الشهير.

التحق «أحمد» فور تخرجه (بعد وساطة من أحد أصدقائه) بوظيفة ضابط أمن بالفندق الفاخر، ودون أى تدريب أو إعداد، تسلم وظيفته التى لم يستمر فيها سوى أسابيع معدودة قبل ثورة يناير تاركا إياها ليطارد طموحه فى عمل يتصل بالكتابة والإبداع، مخلفاً عملاً «لا أمل فى التطور فيه».

لم يتغير الحال كثيراً بعد الثورة، فبحسب تصريحات اللواء عادل عمارة، رئيس شعبة الأمن والحراسات الخاصة باتحاد الغرف التجارية بالقاهرة، فعدد العاملين بالحراسات الخاصة للمنشآت يبلغ حوالى سبعين ألف فرد تقريبا، مما يعادل فرد أمن لكل 1200 مواطن. معظمهم كـ«أحمد السعيد» الذى التحق بوظيفته قبل الانفلاتات الأمنية، خريجون جدد يبحثون عن فرصة عمل توفر حداً أدنى من متطلبات الحياة لحين إيجاد عمل آخر يتصل بطموحهم ودراستهم، ولا يتلقى أيهم عادة أى تدريبات تؤهله للعمل فى هذا المجال.

يقول اللواء عادل عمارة: «مع الانفلات الأمنى تزايد الطلب على الحراسات الخاصة للمنشآت والمساكن، والنتيجة كانت مئات من شركات الأمن الخاصة يعمل بها مئات الأفراد بلا تنظيم قانونى ولا تأهيل مهنى».

بلغ عدد الشركات المسجلة، والتى تعمل دون تصريح من مصلحة الأمن العام بوزارة الداخلية، لممارسة الحراسة الخاصة، نحو 250 شركة فى القاهرة وحدها، بحسب إحصاء شعبة الأمن والحراسات الخاصة فى الغرفة التجارية بالقاهرة، بينما قدرتها وزارة العدل فى بيان صادر عنها بـ 220 شركة.

وبحسب إحصاء الغرفة التجارية لم يتخط عدد الشركات الحاصلة على تصريح عمل ويخضع عملها (اسميا) لضبط من وزارة الداخلية 50 شركة فقط. وهو ما دفع «عمارة» للتساؤل: «أى ضبطية قضائية يبحث البعض إعطاءها لأفراد شركات الأمن والحراسات الخاصة؟».

يرفض «عمارة» التسريبات الصادرة عن حزب «الحرية والعدالة» على لسان قيادييه «صابر أبوالفتوح»، والمستشار عمر الشريف، مساعد وزير العدل لشؤون التشريع، حول إعداد قانون يقدم لمجلس الشورى يمنح الأفراد العاملين بشركات الأمن الخاصة حق الضبطية القضائية والتدخل لتمكين الأمن فى الشارع إلى جانب الشرطة. وأسبابه فى ذلك أن منح أفراد مدنيين غير مؤهلين حق الضبطية سيزيد الفوضى فى الشارع، كما «سيورط شركات الأمن والعاملين فيها فى خلافات وصراعات سياسية» ليس لتلك الشركات علاقة بها. وأعلنت وزارة العدل بالفعل عن مشروع القانون الذى أعدته، وقالت فى بيانها الصادر فى الثامن عشر من مارس إنه «لضمان معاونة وزارة الداخلية فى استعادة الأمن فى الشارع»، لكن النص المنشور للمشروع لم يتضمن نصاً صريحاً حول قضية «الضبطية القضائية».

اللواء عادل سليمان، المدير التنفيذى للمركز الدولى للدراسات المستقبلية، يرفض رفضاً قاطعاً مجرد مناقشة قضية منح الضبطية القضائية لأفراد الأمن بصرف النظر عن مدى أهليتهم المهنية لممارسة هذا الدور، لما فى ذلك من «تعد على الأمن القومى»، وإخلال بالقانون والدستور الذى يفرض على الدولة تأمين مواطنيها وممتلكاتهم وإنفاذ القانون من خلال جهاز الشرطة النظامى وحده.

يقدم عادل عمارة، رئيس أول شركة تتأسس فى مصر لتقديم الخدمات الأمنية، توصيفاً لعمل تلك الشركات، يحدد فيه أن مهمة أفرادها تنحصر فى كونهم أجهزة إنذار مبكر واعية بالمخاطر التى تهدد المنشأة موضع الحراسة. وتضمن منع وقوع الاعتداء دون الاضطرار للاشتباك الجسدى مع المهددين.

وهو ما يدفع الخبير ورجل الأمن السابق، عادل عمارة، للرفض التام لفكرة تسليح أفراد الأمن العاملين بتلك الشركات، واعتبار تسليحهم تسهيلاً لانتشار الفوضى والسلاح فى الشارع، واعتداء على مهمة الشرطة كجهاز يتولى خدمة المواطنين وتأمين سلامتهم وممتلكاتهم كحق دستورى للمواطنين. ورغم هذا الاعتراض فإن مشروع القانون الذى عهدت به وزارة العدل لمجلس الشورى لإقراره ينص على منح تلك الشركات حق تسليح أفرادها وفقاً للمحددات التى يعلنها الوزير المختص «وزير الداخلية».

لا يشارك مديرو شركات أمن أخرى عادل عمارة فى رؤيته، حيث قامت 7 شركات أمن وحراسات خاصة بالتقدم لوزارة الداخلية بطلبات لتسليح أفرادها ممن يتولون حراسة البنوك وعربات نقل الأموال ومواقع أخرى قبل الثورة، وسمحت لها الداخلية بذلك، لضمان التأمين وصد محاولات السرقة، ومعظمها من الشركات الكبرى التى تمتلك عدة أفرع فى القاهرة وخارجها أو تمثل مكاتب إقليمية لشركات أمن دولية عابرة للقارات.

ويؤكد «عمارة» أنه بعد ترخيص السلاح لا يوجد نص قانونى يتيح للجهات المختصة الممثلة فى وزارتى الداخلية والعدل (النيابة العامة) الرقابة على هذه الشركات، ولا كيفية أداء أفرادها لعملهم واستخدامهم للأسلحة المرخصة.

يقول اللواء عادل سليمان، مدير المركز الدولي للدراسات المستقبلية، إن الشركات الخاصة فى مجال الأمن فى مصر ، يحكمها إطار تشريعى يمتاز بالفوضى، فالمواد الحاكمة موزعة بين قرارات ولوائح وقوانين عديدة. ولا يوجد قانون واحد شامل يحكم عملها، رغم تزايد أعدادها وتزايد قوة العمل الملتحقة بها، والاعتماد المتزايد عليها من قبل الأفراد والشركات والبنوك والمؤسسات. مما يعطى الفرصة، فى رأيه، لبعض الشركات والأفراد العاملين بها لارتكاب تجاوزات قانونية وخروقات أمنية، بسبب غياب الإطار التشريعى المحكم الذى يوفر رقابة دائمة على عمل هؤلاء الشركات والأفراد، ما يستدعى ضرورة إصدار قانون موحد يغطى أوجه عمل هذه الشركات والرقابة عليها. كما تتداخل فى تنظيم عملها سبعة قوانين وقرارات جمهورية مختلفة، منها القرار الجمهورى رقم 26 لسنة 1977 فى شأن وحدات الأمن، والقانون رقم 394 لسنة 1954 بشأن الأسلحة والذخائر، والقانون 543 لسنة 1954 بشأن المحال التجارية والصناعية والقرار الجمهورى رقم 68 لسنة 1970 بشأن الحراس الخصوصيين وغيرها.

يضيف سليمان: «بالنظر فى هذه القوانين نجد أن القانون رقم 100 لسنة 1971 الخاص بالمخابرات العامة، والقرار رقم 26 لسنة 1977 بشأن الوحدات الأمنية الخاصة، يعطيان لجهاز المخابرات العامة وحده الحق فى التصريح بإنشاء وحدات أمنية تتولى حراسة المنشآت ويعود القرار للجهاز فى تحديد كثافة ونوعية الحماية الأمنية التى تحتاجها المنشأة، وفى التوقيت ذاته يعطى قانون الاستثمار الحق لشركات تقديم خدمات الحراسة الخاصة الحق فى العمل، بمجرد الحصول على تصريح من مصلحة الأمن العام لوزارة الداخلية.

ويرى اللواء عادل عمارة، أن استمرار هذا الخلط القانوني، وعدم الموافقة على قانون موحد لشركات الأمن الخاصة أمر متعمد، لكون إقرار قانون موحد «سيرتب أعباء إضافية» على جهاز الشرطة ووزارة الداخلية، التى سيكون منوطا بها ممارسة هذا الدور الرقابى والتدريبى، وهو ما ترفضه وزارة الداخلية حاليا توليه، والحديث مازال لعمارة. يذكر أن مشروع القانون الذى طرحته وزارة العدل مؤخرا هو نفسه المشروع الذى قدمه وزير الداخلية السابق أحمد جمال الدين للبرلمان المنحل أثناء تولى جمال الدين منصب مدير مصلحة الأمن العام بوزارة الداخلية.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية