سأل البعض، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، ونستون تشرشل، بعد الحرب العالمية الثانية: «لقد خرب البلد فماذا نفعل»، فسألهم عن وضع «القضاء والتعليم»، وحين قالوا له إن حال القضاء والتعليم بخير، قال لهم: «إذن البلد بخير فلا تخافوا».
هذه الواقعة، استدعاها الدكتور زكي البحيري، الأستاذ بكلية التربية بجامعة طنطا، الخبير فى شؤون تطوير التعليم، في حواره لـ«المصري اليوم»، للتأكيد على أهمية التعليم، ودوره في النهوض بالبلاد.
وشدد «البحيري»، خلال الحوار، على أنه لا بد من تغيير نظام الثانوية العامة، وأن الكتاب المدرسي يحتاج إعادة نظر من حيث تأليفه وطريقة تلقينه للطلاب. واتهم جميع وزراء التعليم، الذين تعاقبوا على المنصب، بعد حرب أكتوبر، بما وصفه بـ« تخريب الثانوية العامة».. وإلى نص الحوار:
■ بداية..ما رأيك فى نظام التعليم الحالي؟
- نظام التعليم فى مصر عشوائى، وبه كثير من الفوضى، والفساد، وهو نظام يؤدى فى الواقع إلى التصلب الفكري، بسبب النظرة المحدودة للأمور، ويعوق تبنى الأفكار الجديدة، بسبب طريقة التلقين والحفظ فى التعلم، التى تسيطر على النظام التعليمى إجمالاً، ما يؤدى لافتقاد التلاميذ فرص الحوار، وإبداء الرأى بلا قيود.
ولا تعليم دون حرية تعبير، ولا حرية مع سجن العقل، داخل أفكار معينة، ونصوص محددة، وقوالب جامدة، ومصر لن تحقق أى نقلة نوعية، إلا إذا كان لديها نظام تعليمى منظم وحديث وحر.
■إذن ما المدخل الحقيقى لإيجاد نظام تعليمى على النحو الذى تراه؟
- لن تكتمل ملامح أي نظام تعليمي فى مصر، إلا إذا تم وضع هذا النظام فى ظل استراتيجية قومية شاملة، بإمكانها تحقيق نقلة نوعية فى جميع النواحى الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، خطة تأخذ فى اعتبارها كل الظروف الداخلية، والأبعاد الخارجية الخاصة لمصر، ومكانتها العربية والأفريقية والدولية، وتستشرف آفاق المستقبل خلال السنوات المقبلة.
أما أن تسير خطط التطور بسياسة المجالات المتباعدة، حيث يعمل كل مجال بعيداً عن الآخر، فالتعليم مثلا بعيداً عن الاقتصاد، وعن التطور التكنولوجى، وعن الفن والثقافة، بل وعن ثورة 25 يناير، إن سياسات بهذا الشكل لا شك محدودة الأفق لا تتجاوز نظرتها المحيط الضيق، الذى توجد فيه، ما يجعلها محكوما عليها كغيرها بالفشل.
■هل توجد علاقة بين وضع التعليم المتردى حالياً والنظام المركزي الذى يتحكم فى العملية التعليمية؟
- بالطبع العلاقة موجودة، فالذى عرفته من كلام وزير التربية والتعليم، أنه يريد أن يتخلص من المركزية التى يتصف بها نظام التعليم المصرى ـ وبموجب هذا النظام ربما لو كتب طالب أو طالبة موضوعاً للإنشاء مختلفاً عما هو محفوظ أو معتاد عليه فى مدرسة ببلدة نائية فى مصر.
ولا بد من أخذ رأى المديرية والوزارة، بل حتى رئيس الجمهورية، أى أن إمكانية اتخاذ قرار بعيداً عن المركز من قبل مسؤولى التعليم فى مناطق بعيدة عن المركز أمر غير ممكن ، غير أن الوزير قد لا يستطيع تحقيق ما يأمل، فقد يمكنه فقط فتح الباب لنظام يقلل من قيود المركزية، لكنه لن يزيلها، وإجراء كهذا لن يشفى من مرض المركزية المدمر للعملية التعليمية، منذ وقت بعيد.
وقد ذكر الدكتور طه حسين، فى كتابه «مستقبل الثقافة فى مصر»، أن المركزية الإدارية فى ديوان الوزارة، طال عهدها واشتد ضغطها على الجيل القائم من النظار والمعلمين، ففقدوا أو كادوا يفقدوا ذوق الحرية والابتكار، ثم قال لا يختلف أحد معى فيما أقره بأننا لا نعرف وزارة يشتد فيها التنافس والبغض بين الموظفين، كوزارة المعارف (التربية والتعليم الآن)، وأن كل إصلاح لشؤون التعليم على اختلاف فروعه، رهين بإصلاح ديوان الوزارة، وما به من فساد إدارى ومالى.
■كيف يمكن التخلص من المركزية من وجهة نظرك؟
- كنت طرحت حلاً لهذه المشكلة، منذ 2008 خلال مؤتمر التعليم الثانوي، فى كتاب « استراتيجية حديثة للتعليم فى مصر» ، وسلمت نسخة منه للوزير الأسبق يسرى الجمل خلال المؤتمر، وقلت فيه إنه لابد من فرط عقد ديوان الوزارة، وإنشاء 8 قطاعات هى القاهرة والجيزة، ووسط الدلتا، وغرب الدلتا، وشرق الدلتا، وقناة السويس، وسيناء، والصعيد (أ)، والصعيد (ب)، على أساس أن يكون كل قطاع منها له إدارة أشبه بوزارة قائمة بذاتها، تشرف على شؤون المدارس والمؤسسات التابعة لها، على أن يكون لكل قطاع ميزانيته الخاصة للإنفاق منها على العملية التعليمية، وكل قطاع له الحرية فى ابتداع طرق جديدة للتمويل من خلال البيئة الإنتاجية المحيطة به.
ويتولى القطاع مسؤولية إقامة المدارس وتنظيمها وتأثيثها بالمعامل العلمية والمكتبات والكتب والأدوات والكوادر البشرية وأجهزة النشاطات المدرسية المختلفة، بل وللقطاع الحق فى تحديد بعض المناهج الدراسية المرتبطة بالبيئة والمجتمع.
■لكن ما رأيك فى زيادة عدد المدارس الخاصة والأجنبية فى مصر؟
- فى هذا المجال يذكر الدكتور حامد عمار، أن التعليم لدينا ليس منظومة واحدة، بل عدة منظومات كل منها مستقل بذاته، وتتفاوت هذه المنظومات فى ملكيتها للمؤسسة التعليمية وفى الإشراف الفعلى عليها، وفى فرص الالتحاق بها، وفى كثافة فصولها وإمكاناتها، وفى لغة التعلم بها، وفى مجمل التحصيل الثقافى لدى طلابها.
والحق أن هناك «متاهة»، فى أنواع المدارس ونظمها ومناهجها، فبخلاف التعليم الحكومى العادي، الذى أصبح مقصوراً، فى الغالب، على أولاد الطبقات الفقيرة فى القاهرة والمدن الكبرى، وعلى أبناء القرى ـ
هناك التعليم الحكومى التجريبى، ثم المدارس الخاصة العادية، والخاصة لغات، وهناك مدارس قومية، ومدارس ذكية، ومدارس أجنبية ومدارس أزهرية، ومدارس دولية، وذلك يؤدى بالطبع إلى وجود تباين فى التكوين العلمى والثقافى وحتى السلوكى لدى الأجيال الحالية لاختلاف مستويات المدارس والمناهج، باختلاف المستوى الاجتماعى، ما يمنع، إلى حد كبير، حالة الانصهار المجتمعى، والتماثل الثقافى بين أبناء الشعب الواحد، فيصبح بعض طلاب المدارس الدولية، على سبيل المثال، كأنهم ليسوا مصريين بالمقارنة بطلاب مدارس الصعيد، والقرى والنجوع المهمشة.
وللأسف فإن ذلك يخل خللاً بليغا بالانتماء القومى، والإحساس بالهوية الوطنية، وحذار أن يتم الاعتماد على أصحاب رؤوس أموال، المحلية والمستوردة، من ذوى الاتجاهات الدينية المتطرفة في امتلاك المدارس.
مثل هؤلاء لن يقيموا مدارس فقط، ولن يحققوا أرباحاً طائلة فقط باسم الدين، وإنما سوف يبثون أفكاراً دينية متطرفة مسمومة، ستؤدى إلى إشعال نار التعصب الدينى، فى بلد يريد أن يوحد صفوفه، لتحقيق التقدم والوحدة الوطنية، فنحن نوافق على إنشاء المدارس الخاصة، لكن على ألا تكون مشروعاً استغلالياً ربحياً أو انتهازياً دينياً، بل يكون لمنفعة الشعب والوطن.
■ماذا عن المناهج أو المقررات المدرسية التى يدرسها الطلاب فى المراحل الدراسية المختلفة حالياً؟
- يجب أن نعترف منذ البداية، بأن المناهج المدرسية لدينا ليست على مستوى العصر، ولا يواكب معظمها التطورات التكنولوجية الحديثة، وكثير منها يحتاج إعادة تأليف بشكل يساير العصر، لكى يمكنه أن يؤهل طلاباً يناسبون سوق العمل، مزودين بالعلم والمعرفة والتجربة.
■ما رأيك فى تأليف الكتب الدراسية عن طريق المسابقات أو المناقصات بين دور النشر لاختيار أفضل الكتب؟
- تأليف المناهج أو المقررات المدرسية عن طريق المسابقات عبارة عن « تمثيلية»، لأن ما يحدث فى الواقع هو أن الناشر أو الناشرين الكبار، يتفقون مع مجموعة من المؤلفين، لتأليف كتاب ما، وفى نفس الوقت يعلم الناشر المعين والمؤلفون الذين معه مقدماً أن اختيار المقرر الدراسي، الذى سيخرجونه سيكون من نصيبهم، لاتفاق مسبق فى هذا المجال.
وفى هذه الحالة يصبح بقية المتقدمين عبارة عن «كومبارس»، وهى تمثيلية تشبه إلى حد ما الأحزاب الورقية، التى كانت تحيط بالحزب الوطنى، فى النظام السابق، وأرجو ألا تتكرر بعد الثورة.
حيث يتحكم بعض الناشرين فى نوع المطبوع، وتنتفى المنافسة الحرة التى تأتى بالمنهج الأجود، وفى حالتنا هذه يأتى المنهج الأسوأ أو التقليدى، الذى لا يخرج عن دائرة التلقين والحفظ، وخاصة فى موضوعات العلوم الاجتماعية، كالتاريخ، التى يقع فيها الجدل ويدور حولها الحوار.
وأثبتت التجربة أن المناهج التى تم تأليفها بطريقة المسابقات أو المناقصات تفتقر للضوابط العلمية والفنية، وكانت بدأت التجربة فى السنة الأولى بتقدم 18 داراً للنشر، تقلصت إلى 12 داراً فى العام التالى، وإلى 4 فقط فى العالم الثالث، وإذا استمرت هذه التجربة فستحتكرها دار نشر واحدة أو اثنتان، فلا يتحقق المنهج الدراسى الأنسب والأكثر علمية، والأجمل إخراجاً فنياً، وفى هذه الحالة لا يحقق هذا النظام الهدف المرجو من ورائه.
■لكن كيف تتمكن الوزارة من تحقيق نقلة واضحة فى العملية التعليمية دون ميزانية كافية؟
- الواقع أن ميزانية التعليم التى تبلغ 50 مليار جنيه، لا تكفي لخلق نقلة نوعية حقيقية فى مجال التعليم، لأن أكثر من 80% من هذه المبالغ تذهب إلى الرواتب، لذلك لابد من خلق طرق جديدة، لتوفير الأموال اللازمة لتحقيق تلك المهمة الصعبة، وإنقاذ التعليم من الورطة الكبرى، التى يتردى فيها سواء عن طريق زيادة مخصصات التعليم فى الميزانية العامة للدولة، بشكل ما، أو بفرض ضرائب خاصة بالتعليم، أو تخصيص نسبة معينة من دخول المصانع، أو جعل الالتحاق بالمدارس الثانوية عن طريق التمويل الذاتى، أو عن طريق دفع الطلاب لمصروفات مقدارها 1000 جنيه سنوياً مع إعفاء غير القادرين، بشرط إلغاء كل ما يسمى الدروس الخصوصية أو مراكز التقوية نهائياً، وأن تعود مؤسسة المدرسة لسابق دورها التعليمى والتربوى.
وهنا لابد أن أشير إلى أن المبالغ التى يدفعها أولياء الأمور لأبنائهم فى الدروس الخصوصية، أو مراكز التقوية، تبلغ نحو 20 مليار جنيه سنوياً، تمثل نحو ثلاثة أرباع ما ينفقه أولياء الأمور على أبنائهم فى المدارس بصفة عامة، وذلك يمثل معادلة مقلوبة وفاسدة، فهم يدفعون هذه المليارات لمن يعلمهم، وكأن المدرسة فقدت دورها التعليمى والتربوى، والسؤال هو ماذا لو دفعوا هذه المليارات لمؤسسة المدرسة بشرط أن يتلقوا تعليما متميزاً يماثل ما هو موجود فى الدول المتقدمة، وأن يتم تجريم الدروس الخصوصية، فتعود العملية التعليمية إلى المدرسة.
■ما رؤيتك لحل مشكلة الدروس الخصوصية؟
- حل مشكلة الدروس الخصوصية، مرتبط ارتباطاً مباشراً بحال النظام التعليمي فى مجمله، وحتى نحل هذه المشكلة لابد من حل مشكلة التعليم بكاملها، بتوفير المدارس المناسبة، ذات الكثافة الطلابية المعقولة، وتوفير الإدارة المدرسية الجيدة، والمناهج الحديثة، والمعلمين المؤهلين، وفى هذه الحالة ستكون هناك عملية تعليمية جيدة، ولن نحتاج الدروس الخصوصية.
■لكن كيف يتحقق ذلك إذا كان المدرسون غير منتظمين بالشكل المطلوب؟
- الواقع أن رواتب المعلمين فى مصر متدنية، لا توفر للمعلم وأسرته حياة كريمة لذلك يلجأ معظمهم للدروس الخصوصية، ومراكز التقوية، والكادر الذى قالوا إنه رفع رواتب بعض هيئات التدريس، بدرجة ما غير كافٍ، لذلك إذا كان البعض ينادى بإصدار قانون تجريم الدروس الخصوصية، على أساس أن من يعطى دروساً خاصة خارج المدرسة يرفت نهائياً من التعليم، ومن يقوم بعملية تدريس للطلاب من غير معلمى وزارة التربية، يُحاكم لأنه يمارس عملاً غير عمله، فعليهم أولا توفير رواتب كافية للمعلمين، ثم يصدروا ما يشاءون من قوانين.
■ما رأيك فى النظام الجديد المقترح للثانوية العامة؟
- فى الحقيقة، كل وزير تعليم في هذا البلد، بعد حرب أكتوبر 1973 عنده «عفريت» اسمه الثانوية العامة، ولابد أن يطرح علينا برنامجاً جديداً لهذه الثانوية، فالدكتور فتحى سرور، خلال وزارته خرب التعليم، بإلغاء السنة السادسة الابتدائية، وأدخل مراكز تمولها الولايات المتحدة الأمريكية، خدمة لمصالحها ومصالح إسرائيل، وتغيرت بسبب ذلك بعض مناهج الثانوية العامة للأسوأ، أما الدكتور حسين كامل بهاء الدين، فقد فعل مزيداً من التخريب، حين جعل مادة التاريخ اختيارية فى الثانوية.
وكان ذلك يعنى إلغاءها تقريباً، لأن الطلاب لا يختارونها، لكثرة التواريخ المرهقة للذاكرة، وجعل بهاء الدين نظام الثانوية على عامين «الصفين الثانى والثالث الثانوى»، ما زاد من تعاطى الطلاب للدروس الخصوصية، وأرهق أولياء الأمور، كما أوجد نظام التحسين فى الدور الثانى، ما خرب بالفعل ما يسمى الثانوية العامة. وفى عهد الوزير يسرى الجمل، تم عقد مؤتمر التعليم الثانوى 2008 وصدرت عنه قرارات وتوصيات لم تر النور، ولو أنها لن تقدم أو تؤخر، ويطرح الوزير الحالى نظاماً جديداً للثانوية العامة، يقوم على ما توصل إليه المؤتمر.
والسؤال هنا هو إذا كنا رفضنا نظام الرئيس حسني مبارك الفاسد، بكامله فكيف نأخذ بتصورات من كانوا حوارييه، من الذين لم يكن لهم أى اهتمام بأحوال التعليم، وكنا نتمنى أن يأتى وزير التعليم بنظام، يؤكد أن هناك ثورة قامت فى مصر يوم 25 يناير.
وكل ثورة تطرح أفكاراً ورؤى جديدة فى كل شىء، فى النواحى الاقتصادية أو الاجتماعية أو التعليمية.. إلخ، وبالتالى نحن فى حاجة لنظام جديد للتعليم وللثانوية العامة، وليس ترقيعاً فاشلا كما يحدث لنظام تعليمي مهلهل، عفي عليه الزمن.
■يتحدث البعض عن العدالة الاجتماعية فى التعليم ما قبل الجامعي.. ما مسؤولية الدولة ووزارة التربية والتعليم فى تحقيق ذلك؟
- تحقيق العدالة الاجتماعية فى التعليم، أمر أساسى فى جميع المجتمعات المتقدمة والنامية، وفى مصر تناقضات واسعة فى هذه القضية، فبسبب النظام المركزي، فى الإدارة، نجد أن وزارة التربية تركز على المدارس الموجودة فى القاهرة الكبرى والجيزة، وعواصم المحافظات، بينما هناك حرمان، وعدم اهتمام بمدارس الأقاليم.
وحسب الدكتورة ناهد رمزي، مديرة مشروع التعليم بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، فإن النظام التعليمي المصري غير قادر على تحقيق العدالة بين المواطنين، فى استفادتهم من موارد المجتمع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.. إلخ، إذ أكدت أن أغلب المؤتمرات التى عقدت من أجل وضع استراتيجية للتعليم لم تتطرق بشكل جاد لقضية غياب العدالة الاجتماعية فى التعليم.
ومحصلة النظام التعليمى القائم هى أن الفقراء وأهل الريف يتلقون نصيباً أقل من إجمالي الإنفاق على التعليم، ولا توجد عدالة اجتماعية فى توزيع الفرص التعليمية ـ وبالتالى الوظائف، على كل المواطنين، أى أن هناك انتقاصاً فعلياً لحقوق قطاع من المواطنين، فى التعليم والحرية والكرامة الإنسانية، والعدالة الاجتماعية التى نادى بها كل المصلحين، كما نادت بها ثورة 25 يناير.
■ماذا عن وضع التعليم فى الدستور الجديد.. وهل عالج العدالة الاجتماعية؟
- للأسف الشديد الدستور الجديد يشجع الأسر الفقيرة، على إخراج أطفالها من التعليم فى وقت مبكر، حيث يسمح للفتاة بالزواج فى سن الطفولة قبل بلوغها 18 سنة، ما يسمح لها بترك التعليم.
وهذا الدستور يسمح للأطفال بالعمل فى سن 15 سنة، ما يشجع أبناء الفقراء على ترك التعليم أيضاً، فى الوقت الذى نجد فرص التعليم متاحة ومتوفرة للطبقات الغنية التى تحصل على المؤهلات التى تريدها من المدارس أو الجامعات الحكومية أو الخاصة أو الدولية، طالما تتوفر لها الإمكانات المادية، بل تحصل على الوظائف الملائمة بعد التخرج.
■تهتم اليابان بالتعليم الفني.. فكيف ننهض به؟
- الواقع أن إجراء تطوير حقيقي فى المدارس والمعاهد الفنية فى مصر، وتمكينها من تخريج مؤهلين فنيين يناسبون العصر، وسوق العمل، شرط أساسي لأي تقدم اقتصادي، فالطريق نحو تطوير بلادنا ونهضتها، لا ولن يتأتى إلا عن طريق تعليم فنى متقدم، وإذا أصبح حال التعليم الفنى جيد، ويؤهل خريجيه لسوق العمل، فستتوجه إليه أعداد كبيرة من الطلاب، لأنه ما فائدة التخرج من كليات كالآداب والحقوق والتجارة بأعداد ضخمة دون توفر مجالات للعمل، هل هى مجرد شهادة، والآن لم تعد الشهادات تجدى إلا إذا كانت ستفتح الطريق للعمل أو الوظيفة التى تحقق دخلاً مادياً مناسباً.
وحول ما ورد فى حوار وزير التربية والتعليم، المنشور فى جريدة المسائية، حول أن «البطالة وعدم شغل خريجى المدارس الفنية يرجع لعدم امتلاك الخريج مهارات سوق العمل، وضعف قدرته على المنافسة والعمل والإنتاج »، نقول وعلى من تقع مسؤولية ضعف هذه المهارات، وماذا يفعل خريجو المدارس الفنية إذا كانت مدارسهم التابعة لوزارة التربية والتعليم، لم تعلمهم ولم تدربهم على المهارات الحديثة، ثم إن مجالات العمل محدودة حتى أمام من يمتلكون مهارات خاصة، بسبب عدم فتح آفاق جديدة من المشروعات التنموية الزراعية والصناعية، فلا يجد هؤلاء إلا العمل فى البناء وشيل الخرسانة سواء فى مصر أو فى البلاد العربية.
■نسبة الأمية فى مصر لا تقل بأي حال عن 35%، وذكر الوزير فى حوار أنه يتم حالياً إعداد مشروع قومى لمحو الأمية خلال 5 سنوات فقط؟
- لا يمكن الحديث عن تقدم فعلي للمجتمع المصرى دون محو الأمية، و لا يمكن الحديث عن الديمقراطية دون محو الأمية، وكانت الأمية فى عهد «مبارك» هي الحصن الأمين، لتوفير كتل جماهيرية واسعة خاصة فى الريف والأقاليم، تقبل الحال كما هو عليه، وتقول «هو إحنا هنغير الكون».
والأميون دائماً موافقون فى كل استفتاء، ومع السلطة فى كل انتخابات، على مبدأ «إللى يجوز أمي أقول له يا عمي»، والأميون لا يميلون للمعارضة، ولا للثورة بالطبع، لذلك لن تتم عملية محو الأمية للشعب المصرى إلا فى ضوء سياسات، تختلف عن السياسات التى اتبعناها لعشرات السنين، تتسم بالشفافية والتطلع لوضع بلادنا فى مصاف الدول الحديثة، ودخول عصر المنافسة، والمعلوماتية، والتقدم التكنولوجى، وبإمكاننا أن نؤكد أنه إذا توفر قرار سياسى حقيقى يبتغى محو الأمية فسوف تمحى الأمية خلال عام واحد، والطريق إلى ذلك سهلاً، فيكفى فقط أن نقول إن كل خريج جامعة لا يعين فى أى وظيفة مهما كانت إلا إذا قام بمحو أمية 20 شخصاً مصرياً فقط، وأن على كل مدرس فى التربية والتعليم محو أمية 10 أشخاص، ويمكننا أن نقول إن من لا يكون لائقاً للتجنيد فى الجيش عليه محو أمية 20 فرداً وهكذا.
■أخيراً ما معلوماتك حول مشروع قانون المجلس الوطني للتعليم؟
- مشروع تشكيل المجلس، المقدم إلى مجلس الشورى، يفتقد الرؤية المعرفية والوجهة القومية، فلم يراع فى تشكيله التنويع الوطني، فى الأفراد المنضمة إليه، لتُمثل كل عناصر الأمة، وكان ينبغى أن ينضم إليه عدد من العلماء المشهود لهم بالعلم والخبرة، ومن الكفاءات التربوية المحترمة المعروفة.
ويبدو أن المجلس المقترح، هدفه التحكم في العملية التعليمية، ووضعها تحت السيطرة، حيث أعطى لنفسه سلطات المؤسسات التعليمية والجامعية، تلك المؤسسات التى تصبح بموجب هذا المجلس لا قيمة ولا قرار لها، ويؤكد بعض رجال التربية أن ذلك ليس إلا مجلساً شكلياً مسلوقاً، إذا تم تمريره، على نفس نمط المجالس القومية خلال عهد «مبارك»، فهو يضم عناصر ذوى اتجاه واحد تقريباً، وحول هذا المجلس يتساءل البعض لماذا لم يعرض مشروع المجلس على كل الأحزاب السياسية والقوى المدنية؟، وهو مجلس يمثل الأمة كلها، ثم إن صدور قرار بتشكيل هذا المجلس عن طريق رئيس الجمهورية يعنى أنه غير مستقل، ويمثل وجهة نظر غير محايدة.