شهد اليمن، الإثنين الماضى، انطلاق مؤتمر «الحوار الوطنى الشامل»، الذى يستمر لمدة 6 أشهر، بهدف كتابة دستور جديد للبلاد، والإعداد لانتخابات ديمقراطية كاملة فى شهر فبراير عام 2014، ويأتى هذا الحوار فى إطار الاتفاق، الذى تنحى بموجبه الرئيس اليمنى السابق على عبدالله صالح عام 2011، بعد اندلاع الانتفاضة فى اليمن، وسلم السلطة لنائبه عبد ربه منصور هادى، الذى أصبح رئيسا لليمن فى فبراير 2012 بعد انتخابات لم ينافسه فيها أحد. ويعانى اليمن من أوضاع اقتصادية صعبة وانفلات أمنى يسمح بتوسع نشاط الجماعات الإرهابية، وتضيف دعوات انفصال جنوب اليمن المتصاعدة مزيدا من الخطر على المرحلة الانتقالية فى اليمن، ومستقبل ذلك البلد.
«المصرى اليوم» التقت وزير الشؤون القانونية اليمنى، الدكتور محمد المخلافى، خلال زيارته القاهرة، وأكد فى حواره مع الجريدة أن صالح يتسبب فى إعاقة عملية الحوار السياسى فى البلاد، مشيرا إلى أن اليمن لا يزال يمر بـ«مرحلة انتقال جزئى» على أمل الوصول إلى المرحلة النهائية عام 2014، وإلى نص الحوار:
■ ما أهم الأهداف التى تسعى الحكومة إلى تحقيقها من الحوار الوطنى؟
- تريد الدولة تحقيق مبدأ أساسى تم التوافق عليه، وهو «لا مركزية الحكم»، وسيكون محور النقاش متركزا حول آليات تطبيق تلك المسألة، وفى النهاية تتجسد نتيجة الحوار فى وجود دستور توافقى بعد استمرار المؤتمر لمدة 6 أشهر، ثم تتشكل لجنة صياغة فنية لإعداد الدستور لمدة 3 أشهر، ثم طرحه للاستفتاء الشعبى، وفى النهاية إجراء الانتخابات البرلمانية.
■ وما أهم المحاور التى يرتكز عليها الحوار؟
- أهم المحاور هو حل القضية الجنوبية، وبناء الدولة ورؤية التنمية المستدامة والكاملة، وجوهر تلك المحاور هو إعادة بناء الدولة الديمقراطية الحديثة التى تقوم على حماية حقوق الإنسان، وتطبيق آليات الديمقراطية، وتعزيز مبدأ المواطنة بجانب حل القضية الجنوبية، وغيرها من القضايا الانفصالية فى اليمن.
■ كيف ترى مقاطعة فصائل الحراك الجنوبى للحوار الوطنى؟
- الحراك الجنوبى عبارة عن جماعات سياسية واجتماعية متعددة، وهو ليس تنظيماً شاملاً، وهناك بعض الفصائل التى تعارض الحضور وفصائل أخرى توافق على المشاركة، فالحراك لم يعلن المقاطعة بشكل كامل، ولكن من الأفضل مشاركتهم جميعا سواء من خلال الأحزاب السياسية أو الفصائل الاجتماعية.
■ إلى أى مدى يتواجد الرئيس السابق على عبدالله صالح فى المشهد السياسى؟
- للأسف صالح يتدخل فى الشؤون السياسية فى البلاد، ويعوق العملية الانتقالية، فالمفترض أنه يترك العمل السياسى بعد تطبيق قانون العفو بحقه، ولكنه مستمر فى رئاسة الحزب التابع له، لأنه لم ينحل حتى الآن، ولا يزال متواجداً فى اليمن، ولم يتم تطبيق قرارات بشأن إعادة هيكلة القيادات العليا بالقوات المسلحة، التى تتضمن أفراداً من عائلة الرئيس السابق، بمعنى أنه لا يزال بإمكانه استخدام العنف أو القوة فى أى وقت.
■ ما أوجه تدخل صالح فى شؤون البلاد حالياً؟
- عبدالله صالح يسعى إلى إعاقة أعمال الحكومة والحوار السياسى فى اليمن، ولذلك يُعتقد أن الكثير من أعمال العنف والتخريب التى تحدث باليمن لها صلة بالرئيس السابق بمساعدة بعض المنتسبين فى القوات المسلحة والأمن مثل ضرب الكهرباء من وقت لآخر، كما توجد بعض التكهنات بوقوفه وراء تفجيرات أنابيب النفط.
■ قرر الرئيس اليمنى، عبد ربه منصور هادى، سحب مشروع قانون «العدالة الانتقالية»، واستبداله بقانون «العدالة والمصالحة الوطنية»، ما السبب وراء ذلك؟
- مشروع «العدالة والمصالحة الوطنية» تم إعداده من قبل وزارة الشؤون القانونية، ثم قدمته بنفسى إلى مجلس الوزراء، الذى شكل بدوره لجنة من الوزراء الذين وافقوا على المشروع، ولكن مجلس النواب أوقف إقراره بسبب خلاف معين، ولذلك تمت إحالة المسألة إلى رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وفقا لآلية تنفيذ العملية الانتقالية.
■ وما نقطة الخلاف الأساسية حول المشروع؟
- نقطة الخلاف الرئيسية حول المشروع الأول هو الإطار الزمنى للعدالة الانتقالية، فالمشروع تضمن إطاراً زمنياً يشمل كل ضحايا الصراعات السياسية منذ عام 1990 وما ترتب عليها من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، لكن ممثلى الحزب الحاكم السابق (حزب صالح) فى الحكومة أرادوا تطبيق المشروع مقتصراً على عام الثورة فقط وهو عام 2011.
■ أتلك هى نقطة الخلاف الوحيدة؟
- لا، كان هناك خلاف آخر يتعلق بالكشف عن الحقيقة، لأن أعضاء النظام السابق كانوا لا يرغبون فى تقصى الحقائق، واتخاذ التدابير اللازمة فى ذلك الشأن.
■ وماذا كان رد فعل مجلس النواب تجاه تلك الخلافات؟
- فوجئ مجلس النواب بأنه تم سحب مشروع «العدالة الانتقالية»، واستبداله بمشروع آخر وهو «المصالحة الوطنية»، وبالتالى انسحبت كتلة المعارضة البرلمانية، وبات الحل الوحيد هو التوافق بين فصائل مجلس النواب، والحل هو سحب قانون «المصالحة الوطنية»، الذى تقدم به رئيس الجمهورية.
■ ولماذا لجأتم إلى قانون المصالحة الوطنية بدلا من المحاكمات السياسية؟
- مشروع القانون يعتمد على تصليح الضرر، الذى يعانى منه ضحايا الصراعات السياسية، والمحاكمات ليست مطروحة فى بنود ذلك المشروع، ولكن المشروع يعتمد على كشف حقيقة ما حدث، والمطالبة بالتعويض، واتخاذ التدابير التى تحول بين وقوع ذلك مجددا فى المستقبل، وبالتالى يصب ذلك فى مصلحة الذاكرة التاريخية الوطنية. وهناك قانون آخر تم إقراره، وهو قانون العفو السياسى، وهو القانون الذى أقر بالعفو عن الرئيس السابق على عبدالله صالح، وكل من عمل معه فى فترة حكمه مقابل التسليم التدريجى للسلطة، ولكنه ينص على تحويلهم إلى المحاكمة فى حالة ارتكاب انتهاكات معينة.
■ ما أكبر تهديد لعملية الانتقال الديمقراطى فى اليمن؟
- يظل الخطر الرئيسى هو حل القضية الجنوبية، لأن قضية الانفصال، خصوصا اللجوء إلى النزاع المسلح، تعتبر شوكة فى ظهر الدولة الموحدة، ولذا نأمل أن يقبل اليمنيون التنازل عن أمور معينة تحقيقا للتوافق الوطنى، بالإضافة إلى مخاطر تيارات النظام السابق الذى يسعى إلى إفشال العملية السياسية.
■ وما مصدر التخوف الرئيسى أثناء المرحلة الانتقالية؟
- تميزت شبه الجزيرة العربية بالقيام بثورات ثم انقلابات ثم حروب، وكل ذلك أدى إلى وجود دولة هشة وصلت إلى مرحلة الفشل والانهيار، ولذلك نحن لا نريد تكرار وضع احتكار السلطة والثروة، ولكننا نطالب بالتغيير الفعلى، الذى يعبر عن مختلف المصالح الوطنية، والرؤى المتعددة فى اليمن.
■ هل لا يزال تنظيم القاعدة يشكل تهديداً فى اليمن؟
- مصطلح «تنظيم القاعدة» أصبح غير مُحدد المعالم الآن، وعموما فإن التنظيمات الإرهابية الدينية فى اليمن ارتبطت بالنظام السابق، الذى ساعدها على التسلّح والحصول على المال، والتواجد فى أنحاء عديدة بالبلاد، فضلا عن الثورة التى سمحت لتلك التنظيمات بالاستيلاء على بعض البنوك فى ظل الغياب الأمنى، ولكن دور تلك الجماعات سيصبح ضعيفاً ومحدوداً فى حالة اتخاذ إجراءات شديدة وحازمة.
■ ومتى تعتزم الحكومة اليمنية مكافحة الجماعات الإرهابية؟
- اليمن تمر الآن بمرحلة انتقال جزئى تعتمد على الحوار مع جميع الفصائل، ونأمل الوصول إلى مرحلة الانتقال الكامل بعد إجراء الانتخابات فى 25 فبراير 2014، ومن ثم نستطيع محاربة القاعدة بشكل أكثر سهولة.