بعد مرور عقد على الغزو الأمريكى للعراق، والذى يوافق 20 من مارس الجارى ورثت البلاد تركة ثقيلة من القتل والاقتصاد المضطرب، والاستقطاب الطائفى، وباتت تواجه مخاطر التقسيم، وتكلفت فاتورة لا تحتملها من التدمير وسقوط مئات الآلاف من القتلى والمصابين والنازحين فى حرب استندت إلى الأكاذيب والأطماع الغربية، بينما لا يزال الغزاة غير قادرين على احتواء الأزمة حتى بعد الرحيل.
وبعد 10 سنوات على الحرب الأمريكية الفاشلة التى خلفت وراءها خراباً بزعم البحث عن أسلحة الدمار الشامل، والإطاحة بنظام صدام حسين الديكتاتورى، وإقامة ديمقراطية بديلة، أصبحت العراق فى عداد الدول الفاشلة، فمن كانوا يطمحون أن تتحسن حياتهم ومعيشتهم بعد سقوط النظام وجدوا أنفسهم يعيشون فى أكثر مناطق النزاع فى العالم.
وكشفت نتائج مشروع بحثى بجامعة براون الأمريكية أن الحرب أسفرت عن مقتل 190 ألف شخص، بينهم 134 ألف مدنى، وكلفت واشنطن 2.2 تريليون دولار، وأفاد المشروع بأن واشنطن أنفقت 60 مليار دولار لإعادة الإعمار، لكن القليل من الأموال تم تخصيصه لإصلاح البنية التحتية المدمرة.
وصف الدبلوماسى الأمريكى، بيتر فان بيورين، إعادة الإعمار المزعومة بـ«النكتة السمجة»، لم تؤد إلى نتائج ملموسة بل أهدرت عشرات المليارات من الدولارات، معتبراً أن غزو العراق أدى لزعزعة الاستقرار فى الشرق الأوسط بشكل لم يتخيله أحد، وأن أمريكا ستدفع ثمن غبائها لفترة طويلة.
ورغم أن صدام قاد البلاد بقبضة من حديد، مستخدماً حملات الاضطهاد وعمليات التطهير، وتبنى نظاماً ديكتاتورياً، لكن ما وصلت إليه البلاد الآن جعل أنصار صدام يحنون إلى أيامه التى كانوا يشعرون فيها بالأمان.
وأكدت صحيفة «إندبندنت» البريطانية أنه بعد 10 سنوات من الاحتلال الأمريكى أصبحت بغداد مدينة للفساد، وأن الرشوة أصبحت العملة المهيمنة فى بغداد. ونقلت الصحيفة عن سكرتير فى الخدمة المدنية العراقية ببغداد قوله فى مقابلات سرية قبل الغزو،«إن لديه توقعات متشائمة فى حالة الإطاحة بصدام، حيث رأى العراقيون فى المنفى هم نسخة طبق الأصل من الذين يحكمونهم «حزب البعث» مع فارق وحيد أن البعثيين شبعوا من سرقة العراق فى الـ 30 سنة الماضية، أما الذين يرافقون القوات الأمريكية لديهم نهم شديد.
بدورها، أكدت منظمة العفو الدولية أن العراق لا يزال عالقاً فى حلقة رهيبة من انتهاكات حقوق الإنسان، ومنها الهجمات ضد المدنيين وتعذيب المعتقلين والمحاكمات الجائرة. وقالت نائبة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حسيبة الحاج صحراوى:«يتمتع العديد من العراقيين اليوم بحريات أكبر من تلك التى كانوا يتمتعون بها فى ظل نظام حزب البعث، ولكن المكتسبات الأساسية لحقوق الإنسان التى كان ينبغى تحقيقها خلال العقد الماضى، فشلت فشلاً ذريعاً».
وتتنوع أزمات العراق من الخلافات المرتبطة بالمناطق المتنازع عليها بين العرب والأكراد فى الشمال، إلى تقسيم عائدات النفط، كما يعانى العراقيون يومياً من نقص كبير فى الخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه النظيفة، وارتفاع معدلات البطالة. ومن جانبه، أكد المحلل الاقتصادى العراقى، عرفان الحسن، لشبكة «سى إن إن» الإخبارية تدهور الوضع الاقتصادى فى العراق، مشيراً إلى أن الموارد وحدها لا تكفى، ولابد من وجود قاعدة سياسية مستقرة يستند إليها الاقتصاد، حيث إن تركة الحرب على العراق خلفت نعرات طائفية قسمت صف العراقيين، وإلى جانب الأزمات الاقتصادية، تشهد البلاد استقطابا طائفيا بين حكومة رئيس الوزراء الشيعى نورى المالكى والأغلبية السنية التى تعانى من التهميش والإهمال، وشهدت المدن السنية مظاهرات واعتصامات منذ نحو 3 أشهر احتجاجاً على «إقصاء وتهميش» المالكى لهم.
وتواجه العراق تحدياً آخر يتمثل فى تنظيم «القاعدة»، وخاصة بعدما فتحت الأزمة السورية الباب أمام نشاط إقليمى جديد للقاعدة فى العراق، وذلك رغم ما ذكرته صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية عن تعاون وكالة المخابرات المركزية الأمريكية «سى آى إيه» مع العراق لسد الفراغ الذى خلفه الجيش الأمريكى وراءه وخاصة بعد تسلل مسلحى القاعدة من سوريا إلى العراق. وأكدت الصحيفة أن «واشنطن صاغت وجوداً سرياً محيطاً بالنزاع السورى، لتخوفها من تصاعد سطوة المتطرفين فى سوريا»، ومن جانبها، رأت مجلة «فورين بوليسى» البريطانية أن الحرب على العراق انتهت رسمياً، إلا أن مرحلة جديدة من الصراع على السلطة فى المنطقة قد بدأت، ليرسم مرور 10 سنوات على الغزو فاتورة لا يمكن للعراق والعراقيين أن يتحملوها.