قالت الدكتورة منى مكرم عبيد، عضو مجلس الشورى المعين، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية، إن مقاطعة جبهة الإنقاذ الوطنى انتخابات مجلس النواب المقبلة كان لها انعكاس إيجابى على المعارضة، وسلبى على النظام الحاكم، الذى بات أعضاؤه يتحدثون عن إمكانية الاستماع للمعارضة، والاستجابة لمطالبها المتعلقة بإجراء بعض التغييرات فى الحكومة.
وأضافت فى حوارها مع «المصرى اليوم» أن الجيش غير مستعد على الإطلاق لتولى مسؤولية الحكم فى المرحلة الحالية، خاصة أن تجربة المرحلة الانتقالية كانت صعبة للغاية، وإلى نص الحوار:
■ قبل صدور حكم «الادارية» بارجاء الانتخابات.. كيف تنظرين إلى مقاطعة جبهة الانقاذ لها داخليا وخارجيا؟
- مقاطعة الانتخابات البرلمانية سلاح ذو حدين، فمن ناحية أنا أحترم جميع أعضاء جبهة الإنقاذ، وأقدر مواقفهم الوطنية، والقرار الذى اتخذوه بمقاطعة الانتخابات البرلمانية على أساس أن وراء هذا القرار دوافع ومطالب لم تنفذ، وتخص شرائح متعددة من الشعب المصرى، وأهمها الضمانات المتعلقة بتلك الانتخابات، وتعيين النائب العام، الذى فرض على الهيئة القضائية، فضلاً عن تشكيل حكومة ائتلافية أو محايدة، وهو مطلب مهم حتى لا يتم التلاعب بنتائج الانتخابات، خاصة ما يتعلق ببعض الوزراء ومنهم التنمية المحلية والإعلام والداخلية، أما خارجياً فإن الغرب يعى جيداً أن هناك انفلاتاً أمنياً، والوضع الاقتصادى بات متردياً، وهناك انفلات أخلاقى وعنف غير متوقع، وبالطبع بعد الثورات تكون هناك فوضى، لكن ليس بنفس المستوى الذى ظهرت عليه فى مصر، والغرب توقع أن تصمد المعارضة، وتستمر فى طريقها عن طريق صناديق الاقتراع لتحصل على عدد معقول من المقاعد، ومن ثم تتوفر العملية الديمقراطية بما يسمح للمعارضة بتعديل الدستور، وحتى لا تترك الساحة خالية للنظام الحاكم.
■ هل المقاطعة رسالة قوية ضد النظام أمام العالم؟
- بالطبع سيكون للمقاطعة انعكاس إيجابى على المعارضة، وسلبى على النظام الحاكم، الذى بات أعضاؤه يتحدثون عن إمكانية الاستماع للمعارضة، والاستجابة لمطالبها المتعلقة بإجراء بعض التغييرات فى الحكومة، بينما المواطن البسيط لا يهمه دستور أو انتخابات أو استفتاء، فهو ظن أن الثورة ستجعل الحياة أفضل له ولأولاده، وتصور أن البطالة ستقل، وسيقل معها خوفه على المستقبل وعلى أولاده، وسيضمن لهم حياة كريمة لا تضيع معها كرامتهم، فضلاً عن أن المواطن لا يعى ما تتحدث عنه النخبة، لأن كل ما يشغله هو رغيف العيش والكرامة، وطبعا بعض المطالب المتعلقة بالقصاص للشهداء، التى تذكرتها المعارضة جيداً، وأغفلها النظام بشكل واضح، وهناك كتل غاضبة أخرى مثل النساء والأقباط، خاصة فيما يتعلق بتقسيم الدوائر الانتخابية.
■ كيف ترين زيارة وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى لمصر؟
- أعتقد أن وزير الخارجية الأمريكى حضر إلى مصر ليطلب من الجانبين، الحكم والمعارضة، تقديم تنازلات حتى تسير الأمور فى اتجاهها الصحيح ليسير المركب، وإذا كان هناك ثمة استجابة من النظام وقدم بعض التنازلات فستواجهها استجابة من المعارضة، فمصر بالنسبة للغرب بشكل عام، وبالنسبة لأمريكا بشكل خاص، مهمة جداً، وأى قلق سيؤثر على مصالحها ومصالح إسرائيل، ومن ثم فهى تسعى لإنهاء أى خلافات أو فوضى، لأن ذلك سيؤثر وسيمتد للمنطقة كلها.
■ هل هناك مساندة أوروبية أمريكية لنظام الإخوان فى الحكم؟
- هناك مساندة واضحة للتجربة، وسعى حثيث لنجاحها على اعتبار أنها أول وأهم انتخابات رئاسية بعد ثورة يناير المجيدة، ونظرية الأمريكان هى المساندة على طول الخط للشعبية الأقوى، وعندما يشعرون بانهيار تلك الشعبية يتركون من ساندوه، والآن يشعرون بأن للإخوان المسلمين شعبية تمكنهم من تحقيق مصالحهم فى المنطقة، التى تتعلق بأمن القناة وأمن إسرائيل والبترول، ولا يهمهم الليبراليون أو غيرهم، كما نجد أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة لم ير جهة منظمة ومنتظمة مثل الإخوان طوال الفترة التى أدار خلالها شؤون البلاد، حيث وعد الإخوان بالسيطرة على حركة الشارع، والوقوف بجانب المؤسسة العسكرية فى كل قراراتها مقابل السماح لهم بتأسيس حزب سياسى، والإفراج عن السجناء، والغرب يفعل مثلما فعل المجلس العسكرى.
■ كيف تنظرين لمطالب البعض بعودة الحكم العسكرى مرة أخرى، وتولى الفريق أول «السيسى» هذه المهمة؟
- أنا على علم بأن الجيش غير مستعد على الإطلاق لتولى مسؤولية الحكم فى المرحلة الحالية، فتجربة المرحلة الانتقالية كانت صعبة للغاية، لكن فى الوقت نفسه حديث الفريق أول عبدالفتاح السيسى، القائد العام للقوات المسلحة، وزير الدفاع، يؤكد أن الجيش سيظل العمود الفقرى للشعب وللدولة، ولن يسمح بانهيارها، أو تحولها فى اتجاه الحرب الأهلية.
■ هل كان توقيت إجراء الانتخابات البرلمانية مناسبا؟
- كنت أرى ضرورة التوافق بين القوى السياسية على توقيت الانتخابات قبل إعلان التوقيت وليس قبل إجراء الحوار الوطنى، وأعتقد أن انتخابات النواب كانت ستشهد تغيراً ملحوظاً فى ظل استمرار المقاطعة.
■ فى ظل الأحداث الحالية كيف تنظرين إلى المستقبل؟
- فى المستقبل القريب ستكون هناك أحداث عنف ودم، وهناك استقطاب مجتمعى خطير فى إطار تآكل سلطة الدولة، وبناء السلطة التشريعية ضرورة خاصة فى مرحلة التحول الديمقراطى، والمشاركة مدخل أساسى لتغيير القواعد غير العادلة، وتعديل الدستور، ومنع هيمنة فصيل واحد.
■ ما رأيك فى مشروع الصكوك الإسلامية؟
- مشروع غير مفهوم، ولا يدركه الناس، لكنى شخصياً أرى أن إضافة أدوات مالية جديدة إلى السوق المصرية فكرة جيدة، ويلزم الترحيب بها ولكن دون مبالغة فى الحديث عن المعجزة الاقتصادية، التى ستُحقق بسببها، ودون أن نتجاهل أنها فى النهاية تضيف إلى الدين العام الذى تتحمله الدولة، والأهم أن تتم دون أن يترتب عليها رهن الأصول العامة، واعتبار الصكوك أداة مالية تضاف إلى ما هو موجود بالفعل، وليس بديلاً عن النظام المصرفى أو الأسهم أو المستندات العادية أو كل قنوات التمويل والادخار الأخرى، فالتنوع والتعدد مطلوبان فى كل شىء فى المجتمع وفى السياسة وفى الثقافة، كما أنهما ضروريان فى التمويل، وطبعا أنا مع ضرورة الحصول على قرض صندوق النقد الدولى، وهنا أذكر أن الإخوان رفضوا القرض وقت رئاسة الدكتور كمال الجنزورى مجلس الوزراء، لرغبتهم فى الحصول عليه وقت حكمهم، وها هم يفعلون، وبدلا من أن كان 3 مليارات أصبح 4.8 مليار، ونحن الآن نحتاج إليه كرخصة حتى تثق فينا باقى الدول، فضلاً عن أنه درس يعكس ضرورة اعتماد مصر على نفسها.
■ أيهما يحكم مصر المقطم أم قصر الاتحادية؟
- بالطبع مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين بالمقطم هو الذى يحكم مصر، والرئيس محمد مرسى سفير جماعة الإخوان، ومكتب الإرشاد فى قصر الاتحادية، ولكن الثورة مستمرة ولن تنتهى، وأقول لحزب الحرية والعدالة إن الحكمة تقتضى العمل على اكتمال قاعدة المشاركة، والتعقل فى قيادة المركب وسط ظروف صعبة، وأمواج متلاطمة، وعليكم أن تعملوا على إيجاد أجندة سياسية واقتصادية واضحة، وعليكم أيضاً معالجة الأوضاع المتدهورة، وحل مشاكل المواطنين العاديين وتأمين متطلباتهم اليومية.
■ ما قراءتك للأحداث الأخيرة؟
- كل شىء أصبح على المكشوف، وكل طرف تم تحديد حجمه وقدراته وإمكانياته، وكل تيار أعلن مواقفه، وارتكب ما يكفى من أخطاء، وباتت الكرة الآن فى ملعب الشعب، والتاريخ لن يرحم الشعوب المتواكلة أو المستسلمة، فالفرصة أمام الشعب ليكسر قيوده، ويبنى مستقبله، ومستقبل أولاده، ويشارك فى بناء نظام عادل لا هيمنة فيه ولا فساد ولا إقصاء، فالجميع شركاء فى الوطن، ولا يجب الاحتفاظ بالسلطة للأبد، وأرى أن العصيان المدنى سيولد استجابة للمطالب الاقتصادية والاجتماعية وربما السياسية، وعلى المعارضة أن تقدم مشروعا سياسيا واجتماعيا بديلا للإخوان، وكان المأمول من المعارضة لو قررت خوض الانتخابات البرلمانية أن تحصل على نسبة من 35% إلى 40% من عدد مقاعد البرلمان المقبل، ومن ثم يمكنها تعديل المواد المعيبة فى الدستور، وأتمنى أن يكون الصراع فى الانتخابات المقبلة صراع برامج وأفكار لا صراع شتائم ولا يكون سبا وتخوينا.