رحل معلمى ووالدى.. رحل «أبيه مايك».. لم أناده يوماً باسمه، حيث كان يلقب في الكواليس بين أبناء فرقته بهذا اللقب، التي لا أعرف مصدره حتى الآن، لكنه كان أباً وأخاً لنا جميعاً. حاول أن يحقق أحلامه فينا ويقدم فرقة باليه عالمية تستطيع أن تنافس على مستوى عالمى.
لقد استقبلنى وأنا في السادسة عشرة بعد مجيئ من روسيا مباشرة، وعلى يده تأسست فرقة باليه «أوبرا القاهرة»، وكان يدعمنى في كل أعمالى بداية من الفوازير، وبسببه «لفيت العالم كله»، وبفضله تغيرت حياتى تماماً، وعندما قررت ترك الباليه ظل يطاردنى حتى عدت إليه من جديد، واستمرت علاقتنا لأكثر من 20 عاماً.
تعلمت منه الإصرار والطموح والقوة، فقد عاش يجرى وراء طموحه، والباليه يسيطر على وجدانه، حتى في عز المحن والمرض لم يترك حلمه وظل وراء فرقته حتى النفس الأخير.
فقد مات بعد «التحية الأخيرة»التى أصر على أن تقدم للجمهور بعد بروفة عرض باليه «بحيرة البجع»، التي كان يقدمه في الإسكندرية، فقد عاش فناناً ومات مبدعاً متألقاً حتى النهاية.
كان معلمى صاحب «كاركتر» (شخصية متميزة) لا يفهمه كثيرون، وهذا سر اختلاف الكثيرين معه، فهو جاد جداً في عمله لا يعرف الدلع، وصديق حميم وقريب في الأزمات، ومن السهل أن تتعارك معه وتتصالح بعد ثوان قليلة.
بعد وفاة أبى لم أجد أباً روحياً غيره، وتوطدت بيننا العلاقة، وكنت مؤخراً أفكر في تقديم عرض جديد للأوبرا، شرط أن يشرف عليه بنفسه، لكن بعد أن راح، أشك في أن أصعد خشبة مسرح من جديد، فوجوده يمنحنى القوة والثقة، وغيابه يعنى الفقدان.
كانت معاركه لا تنفصل عنا، وكنا نعلم أن ابتعاده عن الأوبرا هو الموت الحقيقى، وهذا ما لم نقبله، فعندما تعرض لحملة شرسة من الصحافة كنا جنوده، وليس فقط أبناءه وتلاميذه، وكنا قادرين على أن نخوض المعارك بسببه، وكانت زوجته أرمنيا كامل، خير شريكة، ساندته منذ البداية، وآمنت بأحلامه وأفكاره، وإذا تصورت أنها فقدت ظهرها فإنها لم تفقد أبناءه وتلاميذه فهم جميعاً ظهر لها. لقد توفي معلمى ثلاث مرات، لكن إصراره على الحياة كان يبعثه من جديد حتى جاءت النهاية الأفضل، وأقل تقدير له الآن أن يطلق اسمه على فرقة الباليه، فهو مؤسسها وراعيها حتى النفس الأخير.
أستاذى وأبى عبدالمنعم كامل.. لن أنساك.. لكن سأفتقدك كثيراً.