انهمك فى عمله بشدة، لتلبية احتياجات الصفوف الطويلة، التي امتدت لمسافات كبيرة أمام الفرن للحصول على الخبز، وقد وضع خلفه برميلاً كبيراً مملوءاً بالسولار.. يحضر أحد العمال بين الحين والآخر، ليغترف منه بضعة لترات لتشغيل الماكينة.
شاب أربعينى يدعى ربيع السيد، يعمل على سير فرن آلى مدعم فئة 5 قروش، بمنطقة دار السلام، يقول: «توقفت أفران كثيرة بسبب أزمة السولار، وأفران أخرى تعمل بنصف طاقتها».
ينظر «ربيع» خلفه ويشير إلى برميل كبير مملوء بالسولار، ويقول وقد ارتسمت ابتسامة ساخرة على وجهه: «أضطر لشراء السولار من السوق السوداء ليستمر الفرن فى العمل». قضى «ربيع» بصحبة عدد من العمال، عدة أيام بمحطة الوقود للحصول على حصة الفرن من السولار، ولكن بعد طول انتظار لم يحصل على شىء، بعد أن تكالب سائقو النقل على المحطة، وأشهر أحد البلطجية السلاح الأبيض، وأطلق آخر النار فى الهواء، فهرب هو ومن معه.
يضطر «ربيع» منذ هذه الواقعة لشراء السولار من السوق السوداء بسعر 50 جنيهاً للصفيحة، ويتحمل الفرن فارق سعر السولار المدعم، الذى تمنحه وزارة التموين للأفران بسعر مخفض عن السوق.
كانت الأفران تحصل على هذه الحصة من محطات الوقود، بموجب خطاب رسمي بحصة محددة، تتفق مع ما يحصل عليه كل فرن من حصة دقيق وما ينتجه من خبز يومياً، أما الآن فتضطر الأفران لشراء السولار من السوق السوداء، أو التوقف التام، أو العمل بنصف طاقتها.
في منطقة شبرا الخيمة في القليوبية، لم يختلف الوضع كثيراً، فداخل أحد الأفران التي تنتج الخبز السياحى، يقول أحد العاملين: «نضطر لخلط السولار بزيت السيارات لتوفير الوقود»، وهو ما يؤدي لأضرار كبيرة بماكينة الفرن، التي تنسد مواسيرها بين الحين والآخر».
صاحب الفرن شاب ثلاثينى، يدعى صابر عبدالرحمن العوفى، يقول وهو يلوح بيده: «لو الأزمة استمرت حتى شهر رمضان الدنيا هتخرب»، الذى يزيد خلاله الإقبال على الأفران، بعد أن أغلقت عدد من الأفران أبوابها، وأصبحت هناك مناطق بالكامل محرومة من العيش المدعم أو السياحى.
بدأ «صابر» يحكي ما يتعرض له نتيجة الأزمة، وهو في قمة انفعاله وغضبه، فيومياً يرسل أحد العاملين للحصول على السولار من محطة الوقود، وفي الغالب يعود العامل بعد ساعات طويلة فارغ اليد، فيضطر لشرائه من السوق السوداء، بسعر 50 جنيهاً للصفيحة سعة 20 لتراً، والتى تكفى لإنتاج 2000 رغيف فقط، وقد تعطل فرنه أكثر من مرة بسبب عدم وجود السولار بالسوق من الأساس.
بالقرب من ميدان المؤسسة بمنطقة شبرا الخيمة، تجمع عدد من العاملين بفرن عيش «فينو» حول مجموعة من الصيجان، امتلأت بأشكال مختلفة من العجين، وفى طريقها للتلف بسبب عدم وجود سولار لتشغيل الفرن الذي يعمل بالكهرباء والسولار معاً.
صاحب الفرن رجل خمسينى، يدعى أحمد أبوهارون، يشير بيده ويقول: «هذا هو حالنا منذ بداية الأزمة، وتكرر تلف العجين أكثر من مرة»، يستهلك الفرن 5 صفائح يومياً لإنتاج الخبز الفينو.. بعد أزمة السولار يضطر صاحب الفرن لشراء السولار من السوق السوداء، وفى أحيان كثيرة لا يجده، وهو ما يؤدى لتلف العجين وقد تكررت هذه الأزمة معه أكثر من مرة، حال هذا الفرن لا يختلف كثيراً عن غيره.. تركنا صاحبه والعاملين به وهم يجرون اتصالات بزميل لهم أرسلوه لإحضار السولار، وهم في قمة غضبهم.