أمسك بحفنة من تراب أرضه، ونظر إليها نظرة كلها حزن، وعاين الزرع الذي بدأ يجف، بسبب نقص المياه، وعدم وجود سولار لتشغيل ماكينة الري، فحمل «چركناً» صغيراً وراح يتنقل من محطة وقود إلى أخرى، أملاً فى الحصول على بضعة لترات، لإنقاذ المحصول وإنقاذ حياته المرتبطة به.
فلاح بسيط مثله مثل آلاف الفلاحين من قرية المنشية الكبرى، التي تقع في أطراف محافظة القليوبية، يدعى ثروت عبدالرحمن، لا يعرف في الحياة غير الأرض والزراعة.
يقول بنبرة كلها غضب: «محصول الذرة تلف بسبب السولار»، أثرت أزمة السولار بشدة على الفلاحين بالقرية، حتى إنهم لم يتمكنوا من تلبية احتياجات الأرض، ومحصول الذرة تحديداً من المياه خلال الصيف الماضى، فكل الري يتم على فترات متباعدة عندما يتوفر السولار، وهو ما أدى لانخفاض إنتاجية الأرض، لأنها كانت فى حاجة ماسة للري المستمر، بسبب ارتفاع درجات الحرارة.
بطريقة الخبير في الزراعة يكمل الرجل حديثه قائلاً: «محصول الأرز خرب بيتنا بسبب الري وتضاعفت تكلفته»، يحتاج محصول الأرز للرى المستمر، اضطر عم ثروت وغيره من الفلاحين للجوء للسوق السوداء، للحصول على احتياجاتهم من السولار، فبعد أن كانت صفيحة السولار سعة 20 لتراً سعرها 22 جنيهاً بمحطات الوقود، قفزت إلى 50 جنيهاً في السوق السوداء، لتصل تكلفة ري الفدان المزروع أرز إلى 800 جنيه، في حين أنه كان يتكلف 400 جنيه فقط.
هدأ انفعال الرجل بعض الشىء وبدأ يحكي معاناته مع السولار، يشير إلى الأرض من حوله قائلاً: «اعتمادنا الأساسي في الري على السولار بعد ردم الترع، التي كانت تمر بالقرية والقرى المجاورة، تحولت القرية لنظام الرى «الارتوازى» المعتمد على الماكينات التي تتغذى على السولار.
وصلت الأزمة للقرية بعد الثورة، يستقل عم ثروت، مع مجموعة من الفلاحين، عربة نقل حاملين عدداً من «الجراكن» ويتوجهون بها إلى أقرب محطة وقود، يقضون ساعات طويلة في انتظار وصول السولار، الذي يصل في أوقات متأخرة وعلى أوقات متباعدة، بعد طول انتظار تصل عربة السولار، لتعلو الأصوات وتتصارع الأجسام، للوصول لمضخة السولار، يفاجأ الفلاحون برفض عامل محطة الوقود مدهم بالسولار، لأنهم يحملون جراكن، وهو ما يضطرهم لقطع حوالى 20 كيلو إلى مدينة بنها، للوصول إلى إحدى المحطات التابعة للجيش، للحصول على السولار بموجب الحيازة الزراعية، وفى حالة عدم حصولهم على السولار أو عدم توافره، يشترونه من السوق السوداء، وهو ما يحدث فى الغالب.
يشير الرجل إلى ماكينة الري قائلاً: «قمت بإصلاحها أكثر من مرة بسبب خلط السولار بالماء»، يقوم تجار السوق السوداء بخلط السولار بالماء وهو ما يؤدى لأعطال في ماكينة الري، تتطلب تدخل مهندس ميكانيكي لإصلاحها بين الحين والآخر، وهو ما يؤثر على مواعيد الري، وأدى في كثير من الأحيان لتلف المحاصيل.
حال ناصر عبدالعظيم، الشاب الثلاثيني، لا يختلف كثيراً عن حال عم ثروت، يشتركان في الجيرة والمعاناة نفسها بسبب الأزمة، كل ما يخاف منه ناصر هو استمرار الأزمة، حتى موعد حصاد محصول القمح خلال فصل الصيف المقبل، لأن ماكينات حرث الأرض تعتمد بشكل أساسي على السولار، وهو ما سيمثل مشكلة لأغلب المزارعين، وسيؤدى لأزمة في المحصول، ستصل إلى كل بيت في مصر