x

المعبر الغربى لتجارة مصر: مأوى الهاربين من جحيم المعارك الليبية

الجمعة 22-02-2013 19:24 | كتب: محمد أبو العينين |
تصوير : محمود طه

«مدينة للاجئين» فى السلوم، على الحدود المشتركة مع ليبيا، هاجس بات يسيطر على المدينة بأجهزتها الأمنية والشعبية، فبعد أن كان عددهم فى البداية 60 فقط، تجاوزوا الـ2000، من مختلف الجنسيات الأفريقية، وأصبحوا يتمتعون بحصانة خاصة من المفوضية السامية العليا التابعة للأمم المتحدة، بعد أن نزحوا من ليبيا على خلفية الحرب بين «قوات التحرير» المدعومة بحلف الناتو ضد «جيش القذافى» التى انتهت بانتصار الثورة الليبية والإطاحة بنظام العقيد.

5 كيلومترات فقط تفصل الحدود الليبية، عن مخيم اللاجئين فى السلوم، الواقع على مساحة تقرب من 80 ألف متر، أعلى الهضبة، التى تضم المنفذ البرى وجمرك السلوم، الذى يتحكم فى حركة التجارة البرية الصادرة والواردة من وإلى مصر، تلك الحركة التى باتت مهددة بالتوقف بسبب قيام اللاجئين بقطع الطريق من وقت لآخر للمطالبة بما يسمونه «حقوقهم فى التوطين فى مصر أو فى دول أخرى غير دولهم الأصلية».

مخاوف عديدة تناقلها أهالى السلوم، بعد تسريب مقترح بإنشاء مدينة للاجئين على هضبة السلوم بنفس المساحة المقام عليها «معسكر اللاجئين»، على أن تضم كل الخدمات لهم، وهو ما رفضته الأجهزة الأمنية فى وثائق صادرة من جهات سيادية، تحذر من خطورة «اقتطاع» جزء من أرض مصر أعلى هضبة السلوم، وإنشاء مدينة للاجئين عليها بإشراف من الأمم المتحدة، واعتبرت تلك الخطوة بداية لتشكيل «بؤرة للاجئين» فى حرم المعبر البرى الحدودى لمصر مع ليبيا يصعب السيطرة عليه مستقبلاً.

أعلى هضبة السلوم، وبالقرب من المنفذ الحدودى للجمرك المصرى، نقلت الحكومة مخيم اللاجئين نهاية 2012 الماضى من مكانه القديم إلى المكان الجديد المجاور للمنفذ، ليأوى مئات اللاجئين، ويتم تخطيطه وتحديد منافذ دخول خاصة به، وتقسيمه إلى 8 «بلوكات» وتوصيل كل المرافق والكهرباء والمياه إليه، بالإضافة إلى عيادة صحية تعمل 24 ساعة.

المخيم الجديد الذى أشرفت على بنائه محافظة مطروح بمشاركة المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، يضم 370 خيمة، تم تخطيطه ليسع نحو 3 آلاف لاجئ بتكلفة نحو 6 ملايين جنيه، ويضم خياماً منفصلة تسع كل واحدة منها 5 أشخاص، مع تأمين المخيم من الكوارث وتوفير دورات مياه متطورة من خلال 10 عيون لكل 100 فرد.

بداية توافد اللاجئين يرويها لـ«المصرى اليوم»، مصدر أمنى، بالمنفذ الحدودى، فضل عدم ذكر اسمه، موضحا أن عدد اللاجئين كان لا يزيد على 60 شخصاً أغلبهم من السودان وبعض الدول الأفريقية، نزحوا إلى مصر بعد اندلاع الثورة فى ليبيا، خوفاً من القصف المتواصل من قوات الناتو على بعض المدن التى كان يسيطر عليها القذافى وأتباعه وقتها، وتوافدوا إلى مصر، وسمحت لهم الجهات الأمنية بعمل عدد محدود من الخيام لإقامتهم «مؤقتاً» لحين انتهاء أعمال العنف فى ليبيا أو إعادتهم إلى بلدانهم الأصلية.

وأضاف: «مع استمرار الأوضاع السيئة فى ليبيا وطول فترة الحرب هناك، استمر اللاجئون هنا على الحدود وزاد عددهم بمرور الوقت من 60 لاجئاً إلى نحو 2000، وأصبحوا عبئاً على المكان بسبب قيامهم من وقت إلى آخر بأعمال عنف أو قطع الطريق أو التشاجر مع التجار ورغبة بعضهم فى الاستمرار هنا أو النزول من الهضبة والمعيشة فى السلوم».

ورفض المصدر الحديث عن «مدينة للاجئين» أعلى الهضبة، واعتبرها «خرافة غير قابلة للتنفيذ»، بسبب صعوبة المكان وكون المعبر منفذاً برياً ولا يمكن السماح بـ«اقتطاع جزء من سيادة مصر وإقامة مدينة بإشراف الأمم المتحدة عليه»، متوقعاً أن يتم حل مشكلة اللاجئين فى أقرب وقت بنهاية العام الحالى، وإعادة توطينهم فى دول أخرى، خاصة الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية.

«طريقة تصميم المدينة لا توحى بأن اللاجئين ستتم إعادتهم لبلادهم، غالبا سيبقون هنا لأن الوضع مريح لهم»، هكذا تحدث معنا «على» سائق النقل الذى اصطحبنا للصعود أعلى الهضبة، لافتاً إلى أن «على» اسم حركى له، فهنا كل شخص له اسمان، الأول «تجارى» والثانى فى بطاقة الهوية لا يعلمه سوى أهله، هكذا يقول، بعد أن اصطحبنا فى رحلة بداية من أسفل الهضبة نحو مخيم اللاجئين.

وقال: «اللاجئون فى البداية تمركزوا عند أول الهضبة بعد زيادة القصف على ليبيا، وبدأوا بأعداد قليلة جداً، وكان أهالى السلوم يقدمون الطعام والوجبات لهم يومياً، وبنت الحكومة عددا قليلا من الخيام لهم للمبيت لحين انتهاء الحرب فى ليبيا وإعادة توطينهم، لكن بدأ عدد من السودانيين فى دعوة أقارب لهم وزملائهم للمجىء إلى مصر والحصول على صفة لاجئ، بهدف أخذ معونات من الجمعيات الخيرية والأمم المتحدة حتى وصل العدد إلى الآلاف وأصبحت السيطرة عليهم صعبة».

وتابع: «أنا سائق أعمل على المنفذ البرى منذ سنوات، وننقل بعض المعدات والطعام للاجئين فى أحيان كثيرة للمخيم، ونرى أشياء سيئة تتم فى المخيمات تخالف عاداتنا وتقاليد أهالى السلوم، منها انتشار المخدرات والاختلاط غير الرسمى فى المخيمات بين اللاجئين من الجنسين».

بعد مسيرة استمرت 10 دقائق أعلى الهضبة الخالية تماماً من أى تواجد أمنى أسفلها نظراً لعدم وجود حركة عليها بعد إغلاق المعبر من الجانب الليبى، توقفنا أمام أول كمين لقوات الجيش المنتشرة أعلى الهضبة، والتى رفضت دخولنا إلى مقر المخيمات الخاصة باللاجئين «لاعتبارات أمنية»، وطالبتنا بالحصول على تصاريح من «المخابرات الحربية» فى المقر الرئيسى بالقاهرة، بالإضافة إلى موافقة مفوضية شؤون اللاجئين على الدخول للمخيم.

الإحصائيات الرسمية تشير إلى وجود 1765 لاجئاً من دول أفريقيا مقيدين فى السجلات الرسمية للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، منهم 1654 لاجئا سودانيا و35 لاجئا من إريتريا و2 من غانا و6 من ساحل العاج و8 من نيجيريا و18 من تشاد و61 من إثيوبيا و12 من العراق ومواطن واحد من الجزائر وآخر من ليبيريا، بالإضافة إلى لاجئين من الصومال والعراق وباكستان وبنجلاديش.

وروى، محمد عبدالفضيل، أحد العاملين بالجمرك المصرى على الشريط الحدودى فى السلوم ما يسميه «الأيام السوداء» التى يعيشها العاملون فى المنفذ والتجار بسبب وجود اللاجئين، مشيراً إلى أن عدداً منهم هاجموا مكاتب الأمن أكثر من مرة، بالإضافة إلى استيلائهم على عدد كبير من بضائع التجار الوافدين من وإلى ليبيا.

«عبدالفضيل» يرى أن حماية الأمم المتحدة ومفوضية شؤون اللاجئين للمخيم هى «أكبر ما يمنحهم قوة لفعل ما يشاؤون»، بحسب قوله، مضيفا: «فى إحدى المرات خرج عدد من اللاجئين على التجار وهاجموهم وسرقوا عدداً من الشحنات التى تحملها سيارات النقل وفروا داخل المخيم لأنه ليس من حق أحد دخول المخيم لأنه متمتع بحصانة من الأمم المتحدة».

مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية «أوتشا» رصد فى تقريره، الذى حصلت «المصرى اليوم» على نسخة منه، ما سماه «الأوضاع الإنسانية السيئة»، التى يمر بها المخيم، مشيراً إلى أن المخيم به ما يقرب من ألفى شخص ما بين لاجئين وطالبى لجوء غير مقبولين ورعايا دول ثالثة فروا من ليبيا فى عام 2011 ولا يمكنهم العودة إلى بلدانهم الأصلية.

واستند التقرير، إلى روايات من قبل بعض اللاجئين ومنهم «الحسن جابر»، وهو مهندس من شمال دارفور، كان يعمل فى ليبيا لمدة 25 عاماً قبل أن يهرب إلى السلوم مع زوجته وطفليه الصغيرين فى مايو 2011، يقول: «الوضع هنا بائس جداً، ولكن البقاء هنا أفضل من العودة إلى الوطن».

ونقل التقرير مخاوف بعض اللاجئين من وجود ما سموه «تهديدات» أمنية من الليبيين القادمين عبر الحدود إلى مصر، مستنداً إلى وجود حالات وقعت فيها اشتباكات بين ليبيين ولاجئين هددوا بحرق الخيام.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية