فى مسكنه بحى الشيخ زايد يفتح الداعية عمرو خالد صدره لـ«المصرى اليوم»، وكأن الرغبة أو الحاجة أو كليهما يدفعانه للحديث إلى الإعلام مرة أخرى، لم يتساءل عن محاور الحوار قبل أن يجريه كما اعتاد دائما أن يفعل خاصة عندما يتعلق الأمر بحالة الجدل التى تصاحبه متى ابتعد عن مصر، أو عاد إليها.
عودة عمرو خالد هذه المرة حملت الكثير من الأسئلة، وآلاف الانتقادات عبر الإنترنت الذى يجيد الداعية استخدامه، فمنذ أن بث الفيديو الذى يعلم فيه جمهوره بأنه عاد بعد 8 سنوات من منع الأمن له من إلقاء المحاضرات الجماهيرية والجدل على الإنترنت مستمر، فضلاً عما ردده منتقدوه عن وجود أهداف سياسية لعودته تتعلق بالترويج لمرشح الحزب الوطنى بالإسكندرية عبدالسلام المحجوب الذى يترأس جمعية الإسكندرية للتنمية التى نظمت ندوة أحياها عمرو خالد قبل أيام.
ورغم عدم حضور المحجوب الندوة وعدم وجود لافتات انتخابية فى السرادق، فإن مؤيدى المحجوب استغلوا الحدث لتوزيع منشورات للدعاية له، وشهدت الندوة حضوراً جماهيرياً يقارب 15 ألف مواطن ما يؤكد شعبية وقدرة الداعية على حشد الجماهير، وهى القدرة التى يعاقب عليها فى كثير من الأحيان بالمنع والتضييق.
خالد أكد فى حواره لـ«المصرى اليوم» قبل أن يطير إلى اليمن أن رسالته هى الوصول للناس واستشهد بقول النبى -صلى الله عليه وسلم- «خلوا بينى وبين الناس».. وإلى نص الحوار:
■ كيف كانت مشاعرك لدى دخولك إلى الندوة بعد منعك من إلقاء المحاضرات لمدة 8 سنوات لتجد العدد يتجاوز 15 ألفاً من جمهورك؟
- وجدتنى أستعيد عددا من الصور والذكريات والشخوص فتذكرت مسجد الحصرى، والدكة التى كنت أجلس عليها، ورأيت صورة الحاجة ياسمين الحصرى أمامى، وكأنه نوع من التواعد على الخير والإصلاح والأخلاق، فقد كنت محروما من رؤية الابتسامات، أو الدموع لأن الكاميرا صماء، والأرواح أهم من أى آلة، وكثرة الارتباط بالآلة تجعل الروح تصدأ، وكنت أخشى أن أكون ممن صدئت نفوسهم، لكننى اكتشفت أننى أحمل نفس الروح التى ظهرت بها قبل منعى منذ 8 سنوات، وعندما صعدت إلى المنصة خشيت ألا أستطيع التكلم، فطلبت من الحضور الصمت قليلا لمدة ثوان للتسبيح، وساعدنى على الحديث أننى لم أجد أى لافتة حزبية أو أى مرشحين داخل السرادق.
■ ماذا قالت لك الزوجة والأصدقاء المقربون وسط هذه الحالة من الانتقاد الشديد لدى ذهابك إلى الإسكندرية؟
- حرصت على أن تحضر معى زوجتى، وكان من المفترض أن يأتى ولداى على وعمر لولا ارتباطهما بالمدرسة فى اليوم التالى، ومنذ خرجت من مصر قبل 8 سنوات كنت أشاور أبى وعمى وزوجتى فى أى قرار، وكانت ردود الأفعال متوقعة حين شاورت المقربين منى لذلك عندما هممت بالذهاب لم أسمع إلا كلمات الدعاء.
■ لكنك فى الثالثة عصراً أذعت بياناً على موقعك بأنك قد لا تذهب إلى المحاضرة.. فما المعايير التى اتخذت على أساسها قرارك بالذهاب؟
- الموضوع بأكمله كان إدارياً، لأن المكان تغير قبل إتمام الندوة بيوم، فالموقع الأول كان سرادقاً فى شارع يتسع إلى 4 آلاف لكننا عرفنا بعدها أن هناك أعداداً ضخمة ستأتى لذلك قررنا تغيير المكان، ووقتها كنا أمام احتمال من اثنين، تأجيل الندوة أو إيجاد مكان أكبر فى وقت قليل، لذلك كتب بعض الصحفيين أن هناك مشكلات فعلية فى التنظيم وهو أمر ربما يكون صحيحاً لأن الزحام والضغط كانا كبيرين جدا.
■ تتحدث عن إيجاد موقع بديل فى الثالثة عصراً رغم إعلان الجمعية عن تغيير موقع الندوة إلى مركز شباب السيوف فى الحادية عشرة صباحا؟
- الجمعية لم تستقر على المكان عندما أعلنت عن تغييره فى الحادية عشرة صباحا لأننا وجدنا وقتها بديلاً ثالثاً، وعندما جاءت الساعة الثالثة وجدت أن الأمر يحتاج إلى تفكير حول إمكانية إقامة الندوة فى المكانين البديلين.
■ لكن الجمعية صرحت بأن عملية نقل المكان جاءت كإجراء أمنى على خلفية المصادمات بين الإخوان والشرطة فى الليلة السابقة للندوة؟
- كل عملية نقل لها عدة أبعاد من ضمنها البعد الأمنى بالتأكيد، لكن القرار تم اتخاذه بناء على عدد الحضور ومدى استيعاب المكان لهم، وسيولة المرور.
■ أقصد بالإجراء الأمنى تجنب المصادمات مع الإخوان مرة أخرى؟
- قد يكون ذلك صحيحاً، ولست طرفاً فى هذه التفاصيل فأنا أهتم بالمكان وسعته فقط.
■ هل طلبت من الوزير عبدالسلام المحجوب عدم الحضور بشكل واضح؟
- عبدالسلام المحجوب شخصية لها تاريخ وإنجازات مشهود بها، وهو شخص يُشرّف أى مكان يذهب إليه، لكن الندوة كانت للمجتمع المدنى، ومن أول لحظة اتفقنا على أن الندوة بعيدة عن الأحزاب والمرشحين، لكن البعض تخيل أشياء عن أننى أروج لحزب، وهذا عيب.
■ كان المحجوب فى معرض التوظيف الخاص بالجمعية التى يرأسها والتى تبعد عدة أمتار عن سرادق الندوة، وصرح أتباعه فى الحادية عشرة صباحا بأنه سيكون موجوداً، فلماذا لم يحضر؟
- اتفقنا على عدم حضور المحجوب قبل أن أسجل الكلمة التى أعلن فيها عن الندوة، وما أقدرش أقول ده كان طلبى ولّا طلبه لأن هناك نوعاً من الاتفاق الراقى بيننا، وأتحدى أن يشير أحد لوجود لافتة انتخابية أو هتاف لمرشح داخل السرادق.
■ لكن «المصرى اليوم» رصدت توزيع منشورات تأييد من أنصار المحجوب؟
- سألت الجمعية لكنها أقسمت أنه لم يجر توزيع أى منشورات من قبل اللواء المحجوب، وقد يكون صحيحاً ما نشرتموه وهو أمر عانيت منه كثيراً منذ بدأت الدعوة فى مسجد الحصرى، حيث كان البعض يستغل الندوات الخاصة بى لتوزيع منشورات دون علمى، ودائما ما كنت أعلن أننى غير مسؤول عن توزيعها، وقد بدأت الندوة بقولى أننى مش مع حد ولا ضد حد وقضيتى هى لقاء الناس، فلا أعرف على وجه التحديد لماذا يمنعنى الأمن طوال 8 سنوات، ومن سألنى «اشمعنى الندوة دى» أجيبه بأننى لبيت دعوات كثيرة طوال 8 سنوات ماضية فى جامعات وأندية وغيرها وكان الأمن يلغى المحاضرة قبلها بساعات، وأعتقد أن تأثير لقاء الناس أكبر من تأثير الإعلام لأننى لست إعلامياً لكننى داعية، والنبى كان يقول «خلوا بينى وبين الناس».
■ لكن الرسول أيضا فى موضع آخر قال «اتقوا مواطن الشبهات».. والندوة كانت بها شبهة فلماذا لم تتجنبها؟
- مادمت ذكرت الرسول فأنا أحيلك إلى حلقة «على خطى الحبيب» التى تحدثت فيها عن صلح الحديبية، وقلت وقتها إن هناك ثوابت لا يمكن التفريط فيها، وهناك متغيرات تجرى مع الزمن، وقلت أيضا إن الناس تحوّل المتغيرات إلى ثوابت وهو ما يضيق العالم علينا، لكننى لم أتخل عن الثوابت، فأنا لم أدع لحزب أو جهة سياسية.
■ على ذكر المتغيرات.. كيف أجاب عمرو خالد عندما سأل نفسه لماذا يعيدنى الأمن الآن بعد منعنى 8 سنوات؟
- الدنيا لا تثبت على شكل واحد، ومادمت وجدت مساحة أتحرك فيها دون أن أتنازل عن مبدئى فلا مانع، والثابت أننى لم أتفق مع الأمن، ولو حصلت أى جمعية على موافقات أمنية لإقامة ندوة لى سأوافق فوراً على حضورها، ولا تشغلنى أجندة الآخر أبداً، وكل أفعالى كانت بمبادرة شخصية منى.
■ لكن هناك مبادرات أخرى كنت فيها مضطراً للانسحاب بسبب تحجيمها أمنيا مثل مبادرة «إنسان» الخاصة بالقرى الفقيرة فى مصر؟
- أتفق معك، فأنا أبادر، أما الموافقة أو الرفض فليست قضيتى، وربما أتساءل أحيانا لماذا سُمح لحملة «حماية» ولم يسمح لحملة «إنسان»، والإجابة بسيطة أن الطرف الآخر الذى يمتلك قوة المنع الدنيا مش ماشية عنده على خط واحد.
■ وبم تفسر خروج المحجوب بعد الانتقادات وقوله «لم أسع لعمرو خالد وهو الذى من طلب منى أن يقيم الندوة»؟
- كلامه صحيح لأننى لم أتواصل مع المحجوب شخصياً بل مع جمعية الإسكندرية للتنمية، أما عن العرض فالجمعية هى من عرضت إقامة الندوة ولست أنا.
■ كيف وافقت على الاشتراك فى ندوة مع جمعية وليدة تأسست منذ عدة أيام فقط؟
- لست مطالبا بالبحث فى كشوفات الجمعية أو قراءة تاريخها، لكننى أوافق على دعوة أى مؤسسة مجتمع مدنى تأتينى اليوم.
■ وهل تعتقد أن تلك الدعوات ستأتى؟
- ليس فى يدى شىء إلى الآن، لكننى أهتم بفكرة «خد خطوة»، فعندما آخذها فعلى الله الباقى، وقد طرقت الأبواب كثيرا.
■ لكنك أعلنت فى الفيديو أن ندوة الإسكندرية جزء من سلسلة ندوات ستقام فى مصر؟
- لأننى موقن أنها ستأتى عاجلاً أو آجلاً، وأن الحياة والمواقف ستختلف.
■ أغلب الدول العربية والإسلامية ترحب بإقامة ندوات لك.. لماذا الإصرار على مصر؟
- وطنى أولا، كما أن لمصر الأثر الأكبر فى رسالتى، وحرصى على رسالتى ينعكس بقوة على مصر، وليس لى غرض آخر.
■ هل تعتبر أن جزءاً من وهج عمرو خالد يخفت بالابتعاد عن مصر؟
- طوال 8 سنوات لم أكن موجوداً فى مصر، والعام القادم لن أتواجد بشكل كبير، فلدى سلسلة محاضرات فى إندونيسيا، أكبر بلد إسلامى يضم 280 مليون مسلم، وعندما زرته فوجئت بأنهم يعرفوننى ويترجمون كتبى، وأقمت ندوة حضرها 50 ألف إندونيسى، وطلبوا منى أن أعود إليها مرة أخرى لعمل سلسلة ندوات، وأنا أعتبر ذلك فتحاً كبيراً ولدى مشروع آخر فى أوروبا لعمل ندوات «المسلمون بين الاندماج والانعزال»، وأقيم سلسلة ندوات فى إيطاليا وإسبانيا وإنجلترا وفرنسا.
■ وأين ستقضى بقية العام؟
- فى مصر، لأن أولادى ومدارسهم فى مصر، وربما أصطحب أولادى لإندونيسيا، و«مجددون» تم تصويره فى مصر وأنت تذكر ذلك.
■ لكن فريق العمل جرى إلقاء القبض عليه لعدم وجود تصريح أكثر من مرة؟
- المهم أن الناس شافت الحلقات فى مصر، أما مسألة القبض على فريق العمل فهى مسألة إدارية مختلفة تتعلق بعدم وجود تصريح يومها.
■ ولماذا لم يجر تجهيز الجزء الثانى من «مجددون»؟
- نستعد له حاليا وسنصوره فى غضون شهرين لكننا لم نستقر بعد على الفكرة، ولم نحدد هل سيجرى تصويره فى مصر أم لا.
■ وهل عوض الموقع الإلكترونى غيابك عن مصر؟
- لا يوجد تعويض عن لقاء الناس وجهاً لوجه، ورغم أن صفحتى على الفيس بوك تضم نحو 2 مليون مشترك، فإن لقاء الأعين والأرواح أفضل ألف مرة.
■ وما تعليقك على انتقادات الكثيرين حول وجود أفكار وموضوعات فى موقعك الإلكترونى هدفها رفع ترتيبه على مستوى العالم وزيادة زواره فقط.. مثل المنتدى الرياضى الذى يحلل المباريات.. فما علاقة صحة هدف الزمالك أو الأهلى بالتنمية بالإيمان الذى تعلنه على الموقع؟
- لدينا تصور فى الموقع الإلكترونى مقتضاه أن ترتبط النهضة والتنمية بالمتعة والترفيه، لأن الإيمان لا يجب أن يكون جافاً، وإنما ترفيهى وبه فن ورياضة وخلافه، هذا بالإضافة إلى كونى رياضياً ومحباً لكرة القدم.
■ هل ترى أن عدم استخدام دعوتك الدينية فى أى أغراض سياسية مبدأ شخصى لعمرو خالد أم مبدأ عام يجب أن تطبقه الأحزاب والجماعات السياسية فى مصر؟
- لا يمكن الفصل بين الدين والسياسة، لأن السياسة تتدخل فى الاقتصاد والرياضة والحياة الاجتماعية والدين، والقرآن واضح فى هذه المسألة، لكن استغلال الدين من أجل الترويج لأفكار سياسية يضر بالدين والمتدينين.
■ تصرح دائما بأن أهدافك التنمية والتغيير دون أن تقيدها مظلة سياسية أو حزبية.. وهو ما يشبه دعوة البرادعى مع الفارق فى الوسيلة.. لكن تلك الأفكار دائما ما تصطدم بالأمن والوضع الراهن.. فما تعليقك؟
- هناك خلط بين التنمية والتغيير، فالتغيير مشروع سياسى وهو بعيد الأجل فى مصر، والتنمية ضرورة آنية ومتأخرة 50 عاما، والتغيير لا يجب أن يعتمد على الحكومة، لأنها لن تنجح أبدا دون مشاركة المجتمع المدنى، أما التنمية فلابد أن تحدث بمعزل عن القيود والتيارات السياسية.
■ بعد 12 سنة من الدعوة كيف ترى تلاميذك من شباب الدعاة؟
- أراهم يؤدون دوراً مهماً جدا، ويبذلون جهداً كبيراً فى التطوير، وأنصحهم دائما بعدم الاهتمام بالشكل فقط.
■ وأين يرى عمرو خالد نفسه فى مجال الدعوة فى مصر؟
- فى مصر لا أرى سوى قول النبى (خلوا بينى وبين الناس)، ولم أفكر يوماً فى التنازل، واخترت دائما الاختيارات الصعبة ومازلت فخوراً بها.
■ هل أصبحت الساحة الدينية خالية للدعاة الجدد بعد إغلاق القنوات الدينية السلفية؟
- هناك قنوات دينية محترمة مازالت قائمة مثل «اقرأ» و«الرسالة» والقنوات العامة حريصة على وجود برامج دينية، والمجال مفتوح أمام الجميع، ومستقبل الإنترنت أكبر فى الفترة القادمة.
■ وما تعليقك على إغلاق القنوات الدينية؟
- لم أكن موجوداً فى مصر وقتها، ولا أعرف الملابسات التى تسببت فى ذلك، وإن كانت مشكلات إدارية فعلا أم لا.
■ هل ستصوت فى انتخابات مجلس الشعب والرئاسة المقبلتين؟
- طبعا، ده ألف باء إيجابية، وأدعو جميع الشباب للذهاب إلى الانتخابات والتصويت.
■ ولمن ستعطى صوتك؟
- (يضحك) ده موضوع يخصنى.
■ لكن العالم بأكمله يتعرف على طريقة تفكير رموز الفكر والمجتمع من خلال اختياراتهم الانتخابية؟
- فى مصر والوطن العربى، لا يصح أن أفعل ذلك، لذلك سأبقى الأمر بينى وبين نفسى.
■ هل ستكون هناك حملات أخرى مثل «إنسان» «وحماية»؟
- إذا أتيح لى ذلك.
■ وهل توقفت حملة «إنسان» لاصطدامها ببرنامج الحزب الوطنى للقرى الأكثر فقرا؟
- هذا أمر قديم ومر عليه عامان.
■ لكنك لم تجب عن هذا التساؤل طوال تلك الفترة؟
- (يضحك) هو أنا لازم أجيب عن كل الأسئلة.. الإجابة المثلى لا تعليق.
■ وهل تتحفظ على الإجابة لأسباب سياسية أم أمنية أم كليهما؟
- لا تعليق أيضا، لكننا يجب أن نتفق على أن هناك حكمة فى اختيار الزمان والمكان الذى نتحدث فيه.
■ وماذا تحضّر لرمضان القادم؟
- برنامج دينى وإيمانى بحت.
■ وهل يندرج ذلك تحت «حكمة اختيار الزمان والمكان» والابتعاد عن الأجواء المشحونة فى مصر؟
- لا، لكننى وجدت أن هناك فجوة بين اهتمام المسلم بالعبادات واهتمامه بالأخلاق، لذلك سأركز على الأخلاق فى الفترة القادمة.