ارتبط اسم حارة اليهود فى الإسكندرية، بتجارة المخدرات لفترة طويلة، وضمت «الحارة» الموجودة بحى «بحرى» الشهير بين جنباتها العديد من تجار المخدرات على مدى عقود طويلة، عقب جلاء اليهود عن مصر، وكانت هناك عائلات بأكملها تتاجر بالمخدرات واتخذت من هذه المنطقة مركزا لها.
تجولت «إسكندرية اليوم» بين أزقة الحارة. وقال الحاج «محمد» صاحب محل بقالة: «أنا مولود فى هذه الحارة منذ أكثر من 60 سنة وكانت والدتى تحكى لى عنهم وكانت حارة اليهود شهيرة منذ خمس سنوات بتجارة المواد المخدرة لكن الأمن حاليا سيطر على المنطقة».
وقال السيد عبدالعال «صياد»: «كنت ألعب مع أطفال زملائى من اليهود بنات وولاد وكانت أمى تحب تروح عند جارتنا اليهودية وكانوا يقعدوا يشربوا القهوة والشاى مع بعض وكانت تقول عنهم إنهم مصريين يهود ولما خرجوا من مصر كانت زعلانة جداً وبكت أثناء فراق جارتها التى أتذكر اسمها حتى الآن (راشيل) وكان زوجها يبيع الملابس الجاهزة وكان بيجيبلنا ملابس العيد وكان يقول لأمى: «ادفعى براحتك.. المهم تعيدوا مع بعض».
وقالت فاطمة الصاوى، من أهالى «بحرى»: «سمعنا عن اليهود الذين كانوا يعيشون هنا وكان والدى رحمه الله يحكى لنا أنهم كانوا يشاركون المصريين أفراحهم وأحزانهم» وأكدت أنها لا تتذكر منهم أحداً ولم يبق منهم سوى منازلهم.
وعن سبب اشتهار الحارة بتجارة المخدرات، أوضح مصدر أمنى، أن تجارة المخدرات بدأت فى الحارة منذ جلاء الجاليات اليهودية عن مصر فى خمسينيات القرن الماضى، عقب قيام الثورة ورغم ذلك ظل المكان محتفظا باسم «حارة اليهود»، ويبدأ الشارع أو الحارة من حى الجمرك إلى حى المنشية ويضم العديد من الأزقة والحارات، موضحا أن يهود الإسكندرية أقاموا المخيمات والأكواخ على نفس الطراز اليهودى المعروف عنهم وشكلوا مدينة صغيرة داخل المحافظة، ببناء المعابد والمستشفيات والمدارس وعاشت الجاليات اليهودية جنباً إلى جنب مع الشعب السكندرى فى ظل وجود ما يزيد على 10 معابد يهودية كانوا يؤدون فيها العبادات.
وتابع: «ظلت هذه الجاليات تعيش دون تفرقة أو إحساس بالغربة مع أهالى الإسكندرية واشتهر رجالهم ونساؤهم بالاشتغال بالتجارة وزاد عددهم على10 آلاف يهودى معظمهم من الطبقات الدنيا وتبقى منهم جالية صغيرة». وأضاف: «إن التكوين الجغرافى للحارة جعل منها مطمعا لتجار المخدرات والخارجين على القانون فاستوطنوا بها عقب خروج اليهود منها ولكن تكثيف الحملات الأمنية قضى على العائلات الشهيرة من تجار الممنوعات ولم يبق غير القليل من المحاولات الفردية التى لا تمثل ظاهرة».
وقال الدكتور أشرف فراج، عميد كلية الآداب، إن المحافظة اشتهرت بضم الجاليات المختلفة من جنسيات عدة ومنهم اليهود الذين اتخذوا مكاناً لأنفسهم يعيشون فيه بما عرف باسم حارة اليهود التى تضم الأزقة والحارات وتم بناء البيوت فيها فقسمتها إلى حارات وأزقة ضيقة لها مداخل ومخارج عديدة تساعد على الاختفاء السريع والجرى من المطاردات وهو ما ساعد تجار المخدرات على اتخاذ هذه الشوارع مكاناً لترويج المخدرات ومعظم هذه الحارات كان يقف بها «ناضورجى» يراقب مداخلها ومخارجها وإذا ما حضرت قوة من الشرطة وهاجمت الحارة فر التجار هاربين، وهو ما يتطلب أن يكون الشخص المُطارد حافظاً لجميع المداخل والمخارج حتى ينجح فى الاختفاء عن الأنظار فى ثوان معدودة، وهذا أهم أسباب اتخاذ تجار المخدرات من الحارة وكرا للاختفاء، وهو المقصود من كلمة «وكر» بحيث تتركز فيه تجارة المخدرات.
وأكد الدكتور محمود دويدار، أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب، أن تجار المخدرات يتخذون من الأماكن التى تكثر بها الأزقة والحارات والمداخل والمخارج لممارسة أنشطتهم الإجرامية، بحيث تكون أماكن آمنة يسهل من خلالها التعامل مع حملات الشرطة التى تهاجمهم. وأضاف: «هذا هو ما يسمى الذكاء الإجرامى، نظراً لما يعتقده صاحبه بأنه من الصعب أن يقع فريسة للشرطة بحيث تكون هذه الأماكن الدرع الواقية له»