دعا «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى» إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى «تعيين مبعوث خاص لاستكشاف قضايا محددة تتصل بأجندة مصر المحلية مثل: الانتخابات (البرلمانية والرئاسية) القادمة أو حقوق الأقليات». كما دعا إلى «ألا تتوقف الاجتماعات مع المنشقين المصريين على جميع المستويات بل يتم تسريعها وزيادتها»، كي يكون للولايات المتحدة «تأثير إيجابي على التغيير» السياسي في مصر.
وفي مقال للباحثة من أصل مصري، دينا جرجس وهي زميلة أبحاث كيستون فاميلي في معهد واشنطن وتعمل ضمن مشروع فكرة: هزيمة التطرف من خلال قوة الأفكار، دعا المعهد أيضا إلى وضع «استراتيجية متماسكة لمراقبة الانتقال السياسي المحلي في مصر والتأثير عليه في السنوات المقبلة».
وفي الجزء الثالث والأخير من سلسلة مقالات للباحثة عن مستقبل مصر السياسي، حددت دينا جرجس أبرز بنود هذه الاستراتيجية في مقال بعنوان «التغيير السياسي في مصر: هل من دور للولايات المتحدة؟».
وقالت موضحة: «على وجه التحديد، ينبغي على الإدارة الأمريكية أن تأخذ زمام المبادرة من أجل استهداف منتهكي حقوق الإنسان المصريين المعروفين، بنفس القدر الذي تدعم به العقوبات المستهدفة في لائحة قانون العقوبات على إيران».
وأضافت أنه ينبغي على الإدارة الأمريكية أن تفكر في إسقاط معارضتها لقرار مجلس الشيوخ التطلعي الرقم 586 دعماً للحرية في مصر. وينص القرار على جملة تدابير من شأنها تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات المدنية في مصر. وتقدم بمشروع القرار اثنان من أعضاء المجلس للجنة الشؤون الخارجية في يوليو 2010.
وينص مشروع القرار- من بين أمور أخرى- على أن إجراء إصلاح سياسي في مصر سيساعدها على مواجهة التطرف ويعزز آفاق الاستقرار والرخاء فيها. كما أنه يدعو الحكومة المصرية إلى الوفاء بتعهدها بوقف العمل بقانون الطوارئ الذي يقف عائقا مهما أمام تعزيز حكم القانون في مصر. كما أنه يدعو الحكومة المصرية إلى اتخاذ كل الخطوات الضرورية لضمان نزاهة وشفافية الانتخابات المقبلة وأن تكون ذات مصداقية عن طريق منح مراقبين دوليين مستقلين ومراقبين محليين تصاريح غير مقيدة بالوصول إلى مراكز الاقتراع وفرز الأصوات وإصدار تعليمات إلى قوات الأمن بعدم الاشتراك في أعمال عنف. كما دعا الحكومة المصرية إلى إنهاء كل أشكال الاعتقال التعسفي والتعذيب وغير ذلك من أشكال التحرش بالإعلاميين والصحفيين وناشطي حقوق الإنسان والمعارضين واحترام حرية التعبير والرأي والإفراج عن المعتقلين الذين عبروا عن آرائهم بشكل سلمي.
واعتبرت دينا جرجس إن «استئناف الحوار الاستراتيجي بين مصر والولايات المتحدة يوفر نقطة انطلاق جيدة لإجراء مناقشة حول الوضع السياسي المصري. كما أن التقارير التي تفيد بأن الإدارة تعتزم توسيع نطاق هذا الحوار ليشمل وزارة الداخلية المصرية وممثلين عن المجتمع المدني قد يكون تطوراً إيجابياً».
وأضافت أنه «في حين أن الحوار هو وسيلة مهمة للتعبير عن قلق الولايات المتحدة إزاء الموقف الداخلي المقلق في مصر إلا أنه ينبغي أيضاً فحص أدوات أخرى، مثل التأثير الخلاق للمساعدات السنوية التي تقدمها واشنطن للقاهرة وقدرها 1.3 مليار دولار».
وقالت: «وبالإضافة إلى ذلك، ربما ترغب واشنطن النظر في تعيين مبعوث خاص لاستكشاف قضايا محددة تتصل بأجندة مصر المحلية مثل الانتخابات القادمة أو حقوق الأقليات. وينبغي ألا تتوقف الاجتماعات مع المنشقين المصريين على جميع المستويات بل يتم تسريعها وزيادتها».
وتابعت أنه «خلال كل واحد من تلك الإجراءات، يتعين على الولايات المتحدة الإستفادة من جميع أدواتها الدبلوماسية العامة في توصيل رسالتها ومواقفها باستمرار إلى الشعب المصري، بما في ذلك عبر وسائل الإعلام المصرية».
ورأت الباحثة أن «الإصلاح الدستوري في مصر خلال السنوات الخمس الماضية لم يساهم في توسيع قاعدة التعددية بل في تعزيز سلطة النظام».
واعتبرت أن «النتيجة هي قيام نظام يهدف إلى رفع جمال مبارك إلى منصب الرئيس مع ترك الباب مفتوحاً لاختيارات أقل وضوحاً للحزب الوطني الديمقراطي من خلال اتباع مسار يتم خلاله تقديم مرشح مستقل عن طريق التعديلات».
ورأت أنه «تم تصميم هذه العملية، فضلاً عن المناورات التنفيذية الإضافية، من أجل خلق انطباع عن سيادة القانون وفي الوقت نفسه تجاهل متطلبات هذا القانون».
واعتبرت أن «التحدي الذي يواجه الولايات المتحدة يكمن في كيفية الرد بأفضل السبل على العملية التي ربما تبدو في الظاهر قانونية لكن يُنظر إليها من قبل الشعب المصري بأنها غير شرعية على الإطلاق».
ولفتت الباحثة إلى أنه «في وقت متأخر، بدأت إدارة أوباما إرساء نموذج أمني جديد يُدرك أن التحالفات مع النظم الديمقراطية المستقرة والتعددية توفر أفضل الضمانات للمصالح الأمريكية».
وقالت إن «من المفارقات أن هذا التحول في السياسة يحدث، وفقاً لمؤسسة (فريدام هاوس)، في الوقت الذي ينخفض فيه عدد الدول الحرة حول العالم».
ولفتت إلى ما وصفته باعتراف الرئيس أوباما في خطابه الأخير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، باستمرار القادة في إلغاء حدود الفترات الرئاسية، وفرض إجراءات صارمة على المجتمع المدني، وإخماد روح المبادرة التي يقوم بها رجال الأعمال وخنق الحكم الرشيد من خلال ممارسات فاسدة، بينما يتم تأجيل الاصلاحات الديمقراطية إلى أجل غير مسمى.
واعتبرت أن «مصر تقدم مثالاً قوياً على الحريات المؤجلة كما توفر فرصة للولايات المتحدة ليكون لها تأثير ايجابي على التغيير».
وقالت إنه «في حين استجاب 13 عضواً في مجلس الشيوخ الأمريكي لقرار المجلس الرقم 586، أثبتت السلطة التنفيذية حتى الآن أنها غير مستعدة لتحريك المياه الراكدة في مصر من أجل ما يُسمى بالمصالح الإقليمية، وفشلت أن تُدرك بأن مشاكل مصر الداخلية تقوض نفوذها الإقليمي».
وأشارت إلى أنه «في الأشهر الستة الماضية أو نحو ذلك، كثفت الإدارة الأمريكية من لهجتها بشأن انتهاكات حقوق الإنسان مما يجعلها تستحق الثناء الواجب».
لكنها رأت أنه «لا يمكن أن تكون البيانات المتفرقة وذات الأثر الرجعي البحت بديلاً عن [وجود] استراتيجية متماسكة لمراقبة الانتقال السياسي المحلي في مصر والتأثير عليه في السنوات المقبلة».
وقالت الباحثة: إن ما يقرب من مليون مصري انضموا إلى الحملة التي يتزعمها الرئيس السابق لـ«الوكالة الدولية للطاقة الذرية» محمد البرادعي، الداعية إلى إجراء إصلاح دستوري وسياسي قبل الانتخابات الرئاسية في العام القادم، «حيث يدرك هؤلاء المصريون أن النظام المصري قد أعد المسرح لانتقال غير ديمقراطي للحكم من الأب إلى الابن».
وأضافت أن مفيد شهاب وزير الشؤون البرلمانية استبعد إجراء أية تعديلات دستورية أخرى موضحاً أنها «ليست محتملة الآن لسبب بسيط وهو أن التعديلات الدستورية الأخيرة قد تم تنفيذها قبل ثلاث سنوات فقط وحيث إن الدساتير تنعم بالاستقرار فإنه سيكون من غير المتخيل تعديل الدستور كل عامين أو ثلاثة».
وانضم كذلك أمين الإعلام بـالحزب الوطني الديمقراطي، الدكتور علي الدين هلال إلى هذه الجوقة مؤكداً أن: «أية دولة تغير دستورها من أجل شخص واحد هي دولة هُزؤ».
واعتبرت أن حس الفكاهة والسخرية لم يغِب عن الشعب المصري من إشارة علي الدين هلال إلى دعوة البرادعي للتغيير، حيث يدرك هذا الشعب أنه قد تم في الواقع تعديل الدستور فقط من أجل شخص واحد، في مناسبات متعاقبة وفي غضون بضع سنوات.
وقالت إن «الإطار الدستوري المنحرف لمصر الذي تم التلاعب به لصالح الحزب الحاكم، هو فقط جزء في سلسلة عوائق نتجت عنها قيود سياسية».
ورأت أن العديد من البيانات التي صدرت من قبل «المجلس القومي لحقوق الإنسان» في مصر وزعيم لجنة الانتخابات في مصر التي ترفض صراحة حضور مراقبين دوليين خلال الانتخابات البرلمانية القادمة، بالإضافة إلى تجربة الانتخابَين الأخيرين لمجلس الشورى -- التي وضعت فيهما قيود كبيرة على مجموعات المراقبة المحلية -- تعتبر نذير شؤم حول نزاهة الانتخابات في مصر.
وأشارت إلى أنه في الوقت نفسه، كانت هناك زيادة لافتة في الإجراءات الصارمة التي فرضتها الحكومة على وسائل الإعلام -- وهي آخر معاقل الاستقلال المحتملة أثناء موسم الانتخابات -- بما في ذلك إغلاق العديد من المحطات التلفزيونية ذات الشعبية، وإلغاء بعض البرامج الحوارية، وفصل إبراهيم عيسى رئيس تحرير جريدة «الدستور» -- الصحيفة المستقلة التي تُقرأ على نطاق واسع.
وفي غضون ذلك، تلاحظ المعارضة المصرية مناخاً يزداد تقييداً في الداخل ومناخاً دولياً متغيراً لم تعد فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون يدعمون أجندة إصلاح قوية في مصر. وبناء على ذلك، يقود البرادعي الدعوة إلى مقاطعة عامة للانتخابات البرلمانية.
ولفتت إلى أنه من خلال الفهم بأنه من المحتمل أن هناك القليل الذي يمكن كسبه في نظام «حُسبت فيه الحسابات» لتحقيق أجندة الحزب الحاكم، انضمت بعض جماعات وأحزاب المعارضة رسمياً إلى دعوة البرادعي لمقاطعة عامة للانتخابات. لكنها اعتبرت أن قرار «الإخوان المسلمين» و«حزب الوفد» بعدم دعم المقاطعة قد قوض من أثر هذه الدعوة.
وأضافت أنه لذلك تجد المعارضة المصرية نفسها في مأزق حقيقي يتطلب منها الاختيار بين أحد خيارين شديدي التقييد. فمن ناحية يمكنها أن تشارك في نظام غير مكتمل حيث المكاسب الكاسحة للحزب الحاكم هي شبه مؤكدة. وفي حين أن مشاركتها يُحتمل أن تضفي شرعية على النظام إلا أنها ستوفر على الأقل فرصة ضيقة للمعارضة لإثبات وجودها في العملية السياسية والوصول إلى الناخبين.
ومن ناحية ثانية يمكنها أن تشارك في مقاطعة منقسمة ومحل شقاق قد تكون غير فعالة، نظراً للمعدل الإجمالي الكئيب للمشاركة العامة في هذه العملية الانتخابية.
ورأت الباحثة أن النظام الدستوري الحالي في مصر يضمن قيام عملية انتخابية معيبة بشكل محزن. فـ «قانون الطوارئ» وجهاز الأمن الداخلي الضخم -- الذي وظيفته تأمين مصالح النظام خلال مرحلة انتقالية وتاريخه في الانتخابات مشين -- لهما تأثير مضاعف في الحفاظ على النظام السلطوي، على حد وصفها.
ورأت الباحثة أن «المصريين استيقظوا منتبهين لهذه الحقيقة وأظهروا منافذ خلاقة للمقاومة. وبإدراكهم أنه لن يقوم أحد بإحداث تغيير في مصر سوى المصريون أنفسهم، يعمل كثير من خصوم النظام من أجل التغيير مُخاطرين بأنفسهم إلى حد كبير».
وقالت: « تكتلت العديد من جماعات المعارضة حول رفض خلافة الابن للأب خشية أن يؤدي هذا الانتقال غير الديمقراطي للسلطة إلى المزيد من تعميق السلطوية في مصر وإضعاف البلاد محلياً ودولياً».
وقالت: «لقد وُضعت البنية التحتية المهترئة لمصر ومؤسساتها وقيادتها الهرمة أمام إعلام يزداد جرأة، واتصال غير مسبوق بين الشباب من خلال وسائل إعلام جديدة، وتوقعات متصاعدة حفزها النمو الاقتصادي، وكلها تخلق فرصاً للتغيير، لكنها من المحتمل أن تؤدي أيضاً إلى زعزعة الاستقرار».
ولفتت الباحثة إلى تقرير نشر في وقت سابق من هذا العام عن نشاط العمالة المتنامي في مصر ذكر فيه «مركز التضامن» الذي يدعم حقوق العمال في جميع أنحاء العالم أن «احتجاجات العمال والإضرابات والاعتصامات وأنواع مختلفة من الإجراءات قد وصلت أوجها، فأصبحت تحدث يومياً وأسبوعياً وشهرياً، مهددة استقرار الاقتصاد والبنية الاجتماعية المصرية، ومحدثة تأثير لا شك فيه على النظام السياسي».