1 ـ البداية فى مصر
قبل أسبوعين فقط، دعت إحدى الصفحات على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك» لإطلاق حركة الـ«بلاك بلوك» أو «الكتلة السوداء» فى مصر، وتجاوز عدد المشاركين فى فترة قصيرة عشرة آلاف، واقتصر عمل صفحة الكتلة السوداء على الدعاية للمشاركة فى مظاهرات، أمس، الخامس والعشرين من يناير، معتمدة على إنكار الذات مؤكدين، أن أى شخص يخرج للإدلاء بتصريح صحفى أو يكشف عن نفسه لا ينتمى للمجموعة، وأن القناع الأسود يهدف إلى عدم التعريف بعضو المجموعة حتى يبقى مجهولا.
لكن خطة الصفحة تغيرت، أمس الأول الخميس، فبدلا من اقتصار الدعاية على مظاهرات الثورة قررت المجموعة النزول يوم 24 بمجرد بدء الاشتباكات التى وقعت فى شارع قصر العينى للتضامن مع المعتصمين، وأعلنت أنها ستكون أول عملية من عمليات «البلاك بلوك» فى مصر.
وتعتمد المجموعة فى تنظيم نفسها على بقاء أفرادها مجهولى الهوية، بمجرد تكوين مجموعة صعيرة يتراوح عددها بين 5 و50 شخصاً يبقى على الأعضاء الانتظار لتحديد ساعة الصفر، التى تم تحديدها فى ميدان طلعت حرب الخميس الماضى.
2 ـ القصاص بأيدينا
فى ميدان طلعت حرب، وقف مئات الشباب، أمس الأول، بملابس سوداء وأقنعة أخفت وجوههم، أمسك أحدهم بطبلة وبدأ الثانى يدق، وانتحت مجموعة جانباً وأدت الصلاة فى جماعة، وعندما صعد أحد أعضاء المجموعة إلى تمثال طلعت حرب الذى يتوسط الميدان وبدأ يلوح بعلم أسود كتب عليه BB Revolution، وعينه صوب ميدان التحرير، معها بدأ المئات يتحركون، بينما كانت ترمقهم نظرات الارتياب والقلق من على الرصيفين، وشخص يسأل آخر: «هو فيه إيه؟».
تحركت المسيرة على دق الطبول والتصفيق بطول شارع طلعت حرب إلى ميدان التحرير، كانت أياديهم ترتفع وتلوح فى الأفق، وذهبوا إلى شارع قصر العينى، حيث الاشتباكات الواقعة بين الأمن والمتظاهرين، الذين هللوا عندما وجدوهم يقتربون بالأقنعة السوداء.
وفى لحظة، هجموا على شارع قصر العينى وألقوا عدداً من قنابل المولوتوف، وألقوا إطارات السيارات بعد حرقها على قوات الأمن خلف الجدار الخرسانى بشارع قصر العينى، وأشعلوا النار فى إحدى اللوحات الكهربائية لمجمع التحرير بعد وصول مسيرة لـ«البلاك بلوك» من ميدان طلعت حرب، مرتدين الملابس السوداء والأقنعة السوداء للمطالبة بالقصاص العادل من قتلة شهداء مجزرة بورسعيد، والتى رفع فيها البلاك بلوك لافتات مكتوباً عليها «القصاص بأيدينا» و«الانتقام» و«دم.. دم» ورفعوا أعلاماً سوداء مكتوباً عليها «BB Revolution».
3 ـ حريق «مؤمن» و«إخوان أون لاين»
يشار إلى أن حركة الكتلة السوداء المصرية الـ«بلاك بلوك»، أو القناع الأسود، أعلنت مسؤوليتها عن حرق فرع مطعم «مؤمن» بوسط البلد، بزعم أنه ينتمى للإخوان، كما أعلنت أيضاً على صفحتها على «فيس بوك» مسؤوليتها عن الحريق الذى نشب فى مقر الموقع الرسمى لجماعة الإخوان المسلمين «إخوان أون لاين» بالتوفيقية. وقالت الحركة إنها لم تدع لحرق أو تخريب أو تكسير أو اقتحام أى مؤسسة حكومية أو غير حكومية يوم 25 يناير وما تلاه من أيام، وأضافت الحركة فى بيان لها عبر صفحتها الشخصية على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك»: «نحذر أى شخص تسول له نفسه الاعتداء علينا أو على المتظاهرين، فسنتصدى لهم ولو دفعنا حياتنا ثمناً لذلك». وقال البيان: «فى كل حدث يجذبونا إلى الاعتداء عليهم مما يثير الرأى العام ضدنا، لكن لن نقع فى الفخ مرتين، فلن نكون طرف الاعتداء هذه المرة، لكننا سنكون الطرف المدافع». وأكدت الحركة أنهم ليسوا تابعين لأى مجموعة أخرى فى مصر، وأنهم مجموعة منعزلة ليس لها قائد وإنما يجمعهم حب مصر.
وأضافت أنهم ليسوا حركة أو تنظيماً سياسياً أو ثورياً، لكنهم فكرة، لابد أن تعبر نافذة كل بيت فى مصر وتمر فى كل شارع. وقال البيان إن أعضاء الـ«بلاك بلوك» هم شعب مصر الثورى وليس نحن، فمن يدير الصفحة هو فقط مجمع لأفكار الناس فى مكان، مضيفاً: «إن من سيقود المسيرة هو أنتم شباب مصر، من قاموا بثورة 25 يناير 2011، ومن سينتفض ضد الإخوان»، واختتمت الحركة بيانها قائلة: «فى النهاية، نحن لسنا بلطجية ولا مخربين، وإنما نحن ندافع عن مصر من إجرام الإخوان».
4 ـ من هم؟
حركات الـBlack Block أو المجموعات الثورية السوداء حول العالم تعتبر نوعا من أنواع الاحتجاج عن طريق التظاهر بشكل مختلف، حيث تعتمد على تكتلات صغيرة لا تعرف بعضها ولا توجد بينها صلة، تلتقى فى نقاط تجمع محددة، وتهدف تظاهراتها إلى تدابير هجومية على الممتلكات الرأسمالية والشركات الاقتصادية الكبرى، مثل البنوك العالمية، ومنافذ الشركات متعددة الجنسيات ومحطات البنزين وكاميرات فيديو المراقبة فى الشارع. وتمتد تحركات البلاك بلوك، حسب تحركاتهم السابقة فى عدد من دول العالم، إلى مساعدة المتظاهرين وتقديم الإسعافات الأولية للأشخاص المتضررين من الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطى ومحاربة الشرطة عن طريق بناء المتاريس.
عالمياً، نشأت أول حركة للبلاك بلوك منتصف الثمانينيات فى ألمانيا الغربية فى عدد من مقاطعات مدينتى برلين وهامبورج، بغرض التصدى لمحاولات الإخلاء المتكررة من قبل الشرطة الألمانية للسكان واضعى اليد لعدد من من أحياء برلين وهامبورج، من أجل إنشاء محطة للطاقة النووية، حيث قامت الشرطة حينذاك باستخدام العنف المفرط ضد متظاهرى بلدية بروك دورف الألمانية، الرافضين إنشاء محطة للطاقة النووية، وتم الهجوم عليهم أثناء اعتصامهم السلمى بأرض المشروع، واعتقل الآلاف.
لم تخرج الكتلة السوداء من ألمانيا فى البداية إلا للولايات المتحدة الأمريكية عام 1989 فى مظاهرات أمام البنتاجون فى يوم الأرض وضد سياسات حرب الخليج، وقد أدخلها نشطاء اللاسلطوية الأناركية بأمريكا الشمالية، ونظموا عددا من الاحتجاجات وأحدثوا تلفيات فى عدد كبير من المنشآت الخاصة لأشهر العلامات التجارية مثل جاب للملابس، وستاربكس للمقاهى، وعدد من المحال التجارية الضخمة بمدينة سياتل، وذلك خلال المظاهرات المناهضة لمنظمة التجارة العالمية عام 1999.
وعقب ذلك وصلت حركة الكتلة السوداء إلى أماكن عديدة فى العالم، أبرزها لندن، حيث تظاهر عدد من أعضاء البلاك بلوك فى لندن عام 2000 ضد سياسة التقشف، حتى وصلت القاهرة قبل أقل من شهر، منتظرة انطلاقة جديدة فى دول عربية أخرى.