بدأت جولتنا من أول نقاط الحظر والتى تبدأ عند «معبر كرم أبوسالم» مرورا بقرية المهدية غير المأهولة بالسكان فى المنطقة الحدودية، ولاحظنا خلال جولتنا، انتشار زراعات الخوخ والزيتون، بداية من أول نقطة حدودية وعلى طول الطريق حتى قرية نجع شبانة والقرى المجاورة لها، ولم نر أى منطقة صحراوية فى نطاق منطقة الحظرإلا فى جزء موجود برفح.
«عرفات غانم»، مرافقنا فى الرحلة من قرية «المهدية»، يؤكد أن تلك الأراضى مملوكة لأشخاص من القرية بعقود عرفية سارية ولم يتوقف أى من أصحابها عن الزراعة.
الحديث مع الأهالى عكس لغطا فى الفهم، فرغم تطمينات القوات المسلحة حول عدم المساس بهم أو وجود نية لتهجيرهم، إلا أن الصورة التى وصلتهم جعلتهم يشعرون بتهديد وجودهم، وقرب تهجيرهم من منازلهم وأراضيهم.
أول منزل مأهول بالسكان يبعد عن الشريط الحدودى بمسافة 2 كيلو ونصف الكيلو.
يقول عبدالهادى عتيق، صاحب المنزل، إنه لن يتخلى عن أرضه أو منزله لأى سبب من الأسباب، مؤكدا أن هناك أسبابا خفية وراء القرار واتفاقات غير معلنة يدفعون هم ثمنها، وأضاف أنه يعرف أن القوات المسلحة لن تقوم بتطبيق القرار فى الوقت الراهن، وأنها ستتعمد أن تمر الضجة حوله، ثم تبدأ فى تنفيذه تدريجيا، وأكمل حديثه قائلاً: «ما نخاف منه هو المستقبل لأن أبناءنا وورثتنا لن يقبلوا بترك أراضيهم تحت أى مسمى ومهما كانت الترضيات المعروضة، وهو ما سيوصلنا، عاجلاً أو آجلاً، إلى حالة من العنف المتبادل كما يحدث فى جزيرة القرصاية بالقاهرة مابين القوات المسلحة والأهالى.
تقول «أم يوسف»، من أهالى «المهدية»: الحكومة لا تعاملنا كآدميين وتريد طردنا وتشريدنا. وعن فهمها القرار ومدى علمها به قالت: «يريدون طردنا من بيوتنا وتشريدنا فى الشوارع رغم أنها مجرد عشش بسيطة تأوينا».
«عارف إبراهيم، من أبناء القرية، «رأى أن التفسير الوحيد الذى برر به القرار هو «الأمن القومى» وهو مفهوم مطاط وغير واضح فالمعروف ـ حسب قوله أن الأمن القومى هو فى تنمية الأرض والاهتمام بسكانها، وليس تفريغها من أهلها، وتركها خالية لتكون مرتعاً حقيقياً للإرهاب، مشيراً إلى أنه يعتقد، بشكل كبير، أن القرار وراءه لغز غير واضح يضاهى لغز توقف التنمية فى سيناء لصالح أطراف غير معلومة.
الناشط سعيد عتيق يرى المادة الثالثة من القرار هى نقطة الاعتراض الأساسية من جانب الأهالى، لأنها تثير القلق والشك، وقال: «صياغتها الحالية تبدو كأنها مفصلة على أشخاص بعينهم».
ويشرح عتيق وجهة نظره قائلاً: «المادة الثالثة فى القانون تتيح حق الانتفاع لغير المصريين بغرض الإقامة أو الاستثمار لمدة 50 عاما، مؤكدا أن ذلك بداية لمخطط الوطن البديل للفلسطينيين وأضاف: «رغم نفى القوات المسلحة فكرة التوطين، فإن أبناء سيناء هم أدرى بما يحدث على أرضها، واستدل على صدق شكوكه بما وصفه بـ(التحركات الغريبة)، بداية من تصريحات المسؤولين عن حق الأجانب فى الانتفاع والاستثمار، وحتى تصريحات جماعة الإخوان المسلمين عن إمكانية إقامة مخيمات دائمة للفلسطينيين فى سيناء، واعتبر القرار (203) وحظره تملك السكان الموجودين بمثابة تفريغ أمنى للمنطقة الحدودية، حماية لحدود إسرائيل، معلنا عن تخوفه من أن تكون القرارات نابعة من نصوص أو اتفاقيات «ولم يعلن عنها».
ولفت «عتيق» إلى أن ما فهمه غالبية أبناء سيناء هو أن القرار صدر ليكون سياجاً وغطاء أمنياً لإسرائيل فى المنطقة (ج)، على أن يبدأ الوطن البديل بعدها فى رفح وباقى المناطق، مشيرا إلى أن هذا القرار سبق الحديث عنه ما بين مبارك وإسرائيل من قبل، ولم يجرؤ مبارك على تنفيذه، لكن فى ظل تقارب حكومة الإخوان المسلمين مع حماس، فإن المخطط بات وشيكاً للغاية، على حد قوله.
ويؤكد «عتيق» أن المنطقة «ج» تضم أكبر عائلتين فى سيناء هما «الترابين والسواركة» وهما عائلتان ذواتا أصول عريقة ومن أكبر مجاهدى سيناء، وليس هناك أى شك فى وطنيتهما، لكى يحظر عليهما التملك، ورفض «عتيق» فكرة التخلى عن أرضه لأى سبب، قائلاً: «فكرة الأمن القومى تبدو غير منطقية بالنسبة لنا إلا إذا قدمت القوات المسلحة تبريرا صريحا، وأفصحت عن ماهية تلك المخاطر»، موضحا أن القرار لن يتم تنفيذه فى كل الأحوال مهما شكلت لجان لهذا الغرض، متمنياً ألا يدخل أهالى المنطقة فى مواجهات مع الجيش.
ويرى «عرفة غنيم»، من ساكنى قرية شبانة، أن الحظر لا يمكن تفسيره إلا أنه بمثابة شريط حدودى أمنى مثل الموجود فى لبنان، مشيراً إلى أن القرار يمنع التطور الطبيعى لسكان المنطقة، فيضطرون فى النهاية لتركها إلى مناطق مهجورة.
ويقول مصطفى سلام، من القرية نفسها، إنه يرفض التخلى عن أرضه أو منزلة حتى ولو كان على الحدود مباشرة، مشيرا إلى أن بشائر التوطين ظهرت، ومن شواهدها تصريحات رموز النظام الحالى عن حق اللجوء الى مصر فى وقت الأزمات، وأيضا الحديث عن المنطقة الحرة على أرض سيناء، كما أن الحكومة أو المسؤولين لم ينفوا ذلك كما لم تنف القيادات الفسطينية، وأضاف: «المشكلة أنهم ينظرون إلى سيناء كأنها أرض بلا شعب».
أما مصباح سليم، أحد الهاربين من حكم عسكرى لمدة 25 عاما فيقول: «الحكومة تريد التخلص منا وتتهمنا بأننا نأوى الإرهابيين رغم أنهم يعلمون أن معظم الأحكام الغيابية ضدنا صدرت ظلما، وأن أهالى القرى بسطاء، وأن الحديث عن أسلحتنا والعناصر الإرهابية بيننا كلام وهمى، وتساءل: أين نخبئها فى هذه العشش؟. فالأعمال الإرهابية وعمليات التهريب التى يتهموننا بها تتم عبر الأنفاق التى لم يشملها قرار الحظر، ولم يتحركوا لاتخاذ أى خطوة لإغلاقها كما فعلوا ضدنا.
وطالب «سليم» القوات المسلحة بتفويض لجنة من بينها للتفاوض مع المواطنين وتفسير القرار لهم، وتقديم وعود مكتوبة بعدم تهجيرهم أو تهجير أسرهم فى المستقبل وأيضاً تقديم تفسير واضح ومنطقى لمفهوم الأمن القومى من وجهة نظرها.
وفى قرية شبانة يقول «سلام سليمان»: «أهالى القرى الحدودية لن يقبلوا أن تعاملهم الدولة كما تعامل إسرائيل عرب 48، مؤكدا أن كلمة حظر التملك فى حد ذاتها توحى بأن الدول تعامل أشخاصا مختلين عقليا، ليست لهم الأهلية الكاملة وحقوق المواطنة مثل غيرهم». وأضاف: «قرار التملك نفسه، حتى خارج منطقة الحظر، يتم بشروط صعبة للغاية، وتلزم له موافقة المخابرات والقوات المسلحة، ولا يفتح الأراضى للأجانب دون قيود فهم لا يريدون أكثر من حق الانتفاع والإقامة بغض النظر عن تملك الأرض من عدمه».