القمامة تخنق قلب المحافظة دون تدخل رسمى
من بابه الرئيسى خرجت سميرة منصور، ربة منزل، من مستشفى السويس العام، تلتفت بين تارة وأخرى فى غضب لمبانى المستشفى وهى تلعن اللحظة التى قصدته فيها، ففى كل زيارة للمستشفى كانت تحمل لها ذكرى أشد قسوة من الألم الذى أجبرها على دخولها، بسبب سوء معاملة طاقم الأطباء والتمريض ونقص الإمكانيات، رغم كونه المستشفى العام الوحيد على مستوى المحافظة.
وتتذكر سميرة، يوم جاءت بأختها الحامل فى شهرها الأخير بعد أن اشتدت عليها آلام الوضع، إلا أن الأطباء رفضوا الكشف عليها وطلبوا منها العودة فى اليوم التالى بحجة أن الجنين مازال بحاجة للوقت، عادت سميرة بأختها للمنزل وهى تسأل الله أن يخفف عنها آلامها، فجاءت استجابة قدر الموت فى اليوم التالى للأم وجنينها، ليكون بذلك أرحم من أطباء المستشفى العام.
ضيق حال سميرة يجبرها على دخول هذا المكان، تقول: «أطباء الأطفال يكشفون جراحة، والعلاج واحد لكل الأمراض والأعمار، لدرجة أن دكتور كتب لطلفة عمرها 3 سنوات كابسول مضاد حيوى، وأخرى ابنة جارتى حقنوها بحقة لعلاجها من نزلة معوية تسببت فى دخولها غيبوبة، لمدة 21 يوماً، فاقت بعدها ليومين، ثم ماتت، والحضانات فى المستشفى بالوساطة، وذات مرة طلبت من ممرضة حقنى، فسببت لى «خراج»، تطلب فتحه جراحياً».
ومثلها طارق محمد، موظف، الذى أجبره حادث انقلاب موتوسيكل على نقله للمستشفى، يقول: «تقدم الأهالى بالعديد من الشكاوى بسبب نقص إمكانيات وإهمال أطباء المستشفى، وعرفنا أن المحافظة قررت استكمال مشروع مستشفى السويس العام الجديد، الواقع بطريق القاهرة السويس، بعد توقف دام 8 سنوات، وخصصت له 150 مليون جنيه، إلا أن المستشفى مازال كما هو لم يجد عليه أى جديد».
خارج المستشفى فى منطقة سوق الأنصارى التى تعتبر نموذجاً لمناطق كثيرة فى المحافظة تعانى من سوء خدمات الصرف الصحى كجنيفة وكبريت وشندورة السادات وفيصل وكفر حودة وعتاقة، لدرجة طفحت فيها مياه الصرف مداخل العمارات وأغلقت بعض الشوارع.
إلى جوار سور مدرسة الأنصارى الابتدائية كست مياه الصرف الأرض، وهو ما ألحق بالمدرسة أضراراً بالغة يرويها لنا شاذلى محمد مدير المدرسة قائلاً: «فيه إيه أكتر من إن المحافظ جه وشاف بنفسه المنظر ده وقال هتصرف، إحنا بييجى علينا وقت ما بنعرفش ندخل الأطفال المدرسة».
زواحف وثعابين وحشرات فى قلب فصول وفناء المدرسة، كلاب وقطط وغربان تنقر الأطفال فى رؤوسهم أثناء الدخول والخروج، كما تتسبب الروائح فى حالات إغماء لنحو أربعة أطفال يومياً.
فى حين اضطر محمد السيد، أحد أبناء المنطقة لعرض شقته للبيع، بعد أن سئم والأهالى من حل مشكلتهم: «وقال أقطن فى المنطقة منذ 14 عاماً، أصبنا خلالها بأمراص الصدر والحساسية، فضلاً عن الحشرات، وجدران العمارات، التى تصدعت من المياه، وأصبحنا نشعر باهتزازها لمجرد مرور سيارة جوارها».
المهندس حسن كامل، مدير عام الإسكان فى المحافظة أكد أن المحافظة لديها حصر كامل بالمناطق التى تعانى من مشاكل فى الصرف، وتم البدء فى علاج بعضها بالإحلال والتجديد، وتم اعتماد 2.7 مليون جنيه لتغيير خمس طلمبات فى محطات رفع، وتصليح كسورات فى مناطق متفرقة بنحو 200 ألف جنيه.
أكتر من 10 آلاف صياد فى خليج السويس والبحيرات مهددون بوقف الحال، بعد أن تسبب تلوث خليج السويس فى موت 40% من الأسماك مصدر رزقهم.
معاناة صيادى الخليج يرويها نقيبهم بكرى أبو الحسن قائلا: «تلقى المراكب المارة فى الخليج والمصانع والشركات والقرى السياحية المطلة عليه مخلفاتها فيه على مرأى ومسمع من جميع الجهات المسؤولة بالمحافظة، والتى لم تتخذ حتى ولو قرار بتحذير أو للحد من تلك الظواهر، الأمر الذى تسبب فى تسمم وقتل الأسماك الكبيرة الزريعة واليرقات، الخاصة فى منطقة جونى الاتيكا».
يضاف لمصادر التلوث المحلى، غرق الحاويات الناقلة للبترول فى الخليج، والتى تترسب فى القاع وتقتل بيوت الأسماك.
وأشار إلى أن قطاع الصيد هو الوحيد غير المدعم فى الدولة، رغم أنه من الحرف الأساسية فى المحافظة.
يضيف: كما تحظر هيئة الثروة السمكية الصيد فى أماكن عدة منها ساحل الضفة المجاورة لإسرائيل، وبالقرب من شركات البترول، والقرى السياحية، وقال: «لابد من تشديد الرقابة على لانشات النزهة التى تخرج بنفس معدات الصيادين وتصطاد رزقهم، بالمخالفة للقانون».
وهو ما علق عليه طارق فتحى، رئيس منطقة السويس للثروة السمكية قائلاً: «حظر الصيد فى أماكن معينة مسألة أمن قومى فى المقام الأول، كما أن الصيادين أنفسهم سيتمنون غرق الحاويات، لأنهم وقتها يحصلون على تعويضات بمبالغ طائلة من الشركة مالكة الحاوية، وأن لانشات النزهة التى تخرج للصيد يتم تحرير محاضر لها وتحال للنيابة».
إذا كانت المشاكل السابقة تهم قطاعات بعينها من أهالى السويس إلا أن الأغلبية العظمى منهم أجمعت على معاناتها من تراكم القمامة فى الشوارع، وانتشار الباعة الجائلين والانفلات الأمنى والفوضى المرورية.
يقول سعيد جمال أحد المواطنين: «يعد ميدان الأربعين أحد أشهر ميادين الثورة الدليل الأكبر على انتشار الفوضى فى المحافظة بعد أن احتله الباعة الجائلون، كما وعدنا المحافظ بتركيب كاميرات مراقبة مرورية، لم نر واحدة منها، فضلا عن انعدام الأمن الذى يتسبب فى سرقة عشرات السيارات، وتثبيت المواطنين خاصة فى المناطق المقطوعة، والاستيلاء على كل ما لديهم، وكثير منهم فقدوا حياتهم، فى عمليات السطو».
وقال حسن عبدالعاطى، مدير عام الحدائق فى المحافظة، رئيس جهاز النظافة والتجميل إن المحافظة أنشأت الجهاز فى إبريل عام 2012 للسيطرة على مشكلة القمامة، وترفع نحو 300 طن يومياً من مختلف أرجاء المحافظة، إلا أن ورديات
عمله تأثرت فى ساعات الحظر، وفيما يتعلق بمبادرة المحافظة مع شباب بيحب مصر فمازلت المحافظة تضع خططاً بالأماكن المطلوب تشجيرها.
«البطالة» تحول أهالى «بلد الغريب» لمغتربين فوق أرضهم
يرون بأعينهم عشرات المصانع والشركات تُشيد فوق أرضهم، آبار بترول ومجرى قناة عالمى يشق أرضهم ويمرون عليه بأقدامهم، يعرفون أن محافظتهم واحدة من أغنى محافظات مصر، إلا أنهم سرعان ما يعاودون النظر لحالهم الراكد رغم حصول العديد منهم على المؤهلات العليا والخبرة، التى تؤهلهم للمشاركة فى الصروح المقامة على أرضهم، إلا أن الوساطة والرشوة والفساد ثاورا ضده مازال يسيطر على النظام الإدارى لمحافظة السويس، فنصف أبناء المحافظة عاطلون عن العمل، بعد أن بلغت نسبة البطالة بين أبنائها الـ266 ألف مواطن من إجمالى 581 ألفاً و691 مواطناً، وفقاً لإحصاءات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، أى أن نسبة البطالة تقترب من نصف عدد السكان بنحو 45.72%، رغم كونها ثالث أكبر محافظة صناعية على مستوى الجمهورية.
صنف الجهاز عدد العاطلين فى المحافظة، حسب مستويات التعليم، حيث بلغت البطالة بين الحاصلين على مؤهلات عليا بـ29.7%، أما خريجو المؤهلات فوق المتوسط والأقل من الجامعى فبلغت 3.4%، والمتوسط 31.2%، والأقل من المتوسط 13.1%، والذى يقرأ ويكتب 18.7%، والأمى 3.9%.
التناقض الشديد فى ارتفاع معدلات الاستثمار فى المحافظة ونسبة البطالة خلق حالة من الغضب بدت على ملامح سيد سمير، ذلك الشاب البالغ من العمر 28 عاماً، خريج معهد نظم المعلومات دفعة 2005، والذى فشل فى الحصول على فرصة عمل فى أى من المشروعات المقامة فوق أرض محافظة.
لم يترك سيد شركة عرف ببدء تشييدها إلا وبادر بتقديم أوراقه، والتى لم يتم قبولها لمجرد إنه: «ما عندوش واسطة».
بعزمهم الثائر مضافاً عليه ظروف معيشية صعبة أجبرته ومئات الآلاف من العاطلين على الخروج للعمل فى أى حرفة أو مهنة توفر له على الأقل مصروفه اليومى.
وقال: «مش عيب أشتغل أرزقى بس عيب قوى لما كل صاحب مصنع غير سويسى يعين على أرضنا ولاد البلد اللى جاى منها، وده طبعا لأن المحافظة مش قادرة تشترط عليه أن يعين أبناءها، فى إيه أكتر من إن واحد صاحبى صيدلى وبيشتغل طعمجى والمقاهى مليانة حكاوى ومآسى».
ورفض «أحمد محمد حجج أصحاب الشركات فى رفض تعيين السوايسة لأنهم يفتقدون الخبرة المطلوبة، وقال: «الخبرة موجودة فى كل مكان، لكنهم فقط حصرونا فى المهن والمصانع، ذات الأجور الضعيفة، وكأنهم يشفقون علينا بمنحنا فرص للعمل فيها، فأنا على سبيل المثال حصلت على وظيفتى بالوساطة بعد 17 سنة بطالة، سافرت خلالهم لعدة دول، وعملت فى المحاجر كعامل لكسر الحجارة، وأن من ساعدنى فى الحصول على وظيفتى كان من باب الشفقة بعد أن أصبحت أباً لـ3 أبناء، وكبر بى العمر، ولم أعد أحتمل الشغل فى المحاجر».
أما وائل ممدوح، الفنى الذى حصل على دبلوم الخراطة منذ عام 2006، فقد ضحك له الحظ منذ ثلاثة أشهر فقط، حيث حصل على عقد فى هيئة الصرف بـ300 جنيه شهرياً، يدفع فى المقابل لهم 400 جنيه إيجار شقة، إلا أنه يعتبره: «رزق ابنه الوحيد»، والذى يحاول تحسينه بالعمل كفرد أمن بعد الظهر.
«ما كانش فاضل غير العمال الهندية»، هكذا تعجب أيمن عياد، خريج كلية التجارة دفعة 2002 من ضياع حلمهم فى التعيين فى أى من الشركات المقامة فوق أرض محافطتى وقال: «حتى العمالة الهندية استعان بها أصحاب المصانع، متجاهين أبناء المحافظة».
من جابنه، أكد محمد عبدالفتاح، رئيس جهاز تشغيل الخريجين بمحافظة السويس، أن المحافظة يُضاف إليها كل عام نحو 5 آلاف عاطل من الخريجين، وأن أوضاع التشغيل فى المحافظة تدهورت بعد الثورة بواقع 60%، حيث لم تضف للمحافظة أى استثمارات جديدة، فضلا عن تدهور أحوال الشركات العاملة. وأشار إلى أن المحافظة قد اتخدت قراراً بالفعل فى أكتوبر لعام 2011 باشتراط تشغيل 80% من أبناء السويس فى أى شركة جديدة، وأن العمالة المغتربة تقتصر على مجال الإنشاءات.