x

المنيا «..4 مشاكل مزمنة في جسد المحافظة»

الثلاثاء 12-02-2013 22:05 | كتب: نيرة الشريف, محمد طارق |

الرى: حكايات الفلاحين عن آلاف الأفدنة التى تموت عطشاً لنقص الوقود

آلاف الأفدنة تموت عطشاً هنا، ويموت أمامها أصحابها حزنا عليها، فلا مياه تمكنهم من رى أراضيهم، بسبب نقص السولار والكهرباء، الأزمة مستفحلة من وجهة نظر أصحابها، ولا رافع لها سوى «يد الله»، فالأرض تموت، والبيوت تُغلق على أصحابها حزناً.

فى ملاوى وحدها يتعرض نحو ثلاثين ألف فدان للموت، ويتعرض محصولها للدمار، «إحنا مش بيوصل لنا مياه عشان نروى أرضنا رى طبيعى، اضطرينا ندق ماكينة فى الأرض لاستخراج المياه الجوفية، والعملية اتكلفت حوالى 50 ألف جنيه، وربنا هو اللى يعرف جبناهم إزاى»، هكذا بدأ الحاج رمضان محمد حسن - 48 عاما- مزارع، حديثه، قبل أن يضيف: «أنا وأخوتى لمينا كل مليم كنا شايلينه للزمن، واستلفنا من الناس عشان نعمل الماكينة دى، لغاية ما عرفنا نجيبها بالتقسيط، وإدقت فى الأرض من أكتر من عشرين سنة ولسه بنسدد فى أقساطها لغاية دلوقتى،

والأرض محصولها يادوب معيشنا أنا وولادى الخمسة». يستصلح الحاج «رمضان» نحو خمسة أفدنة فى قرية «8» غرب سمالوط، والتى يتم استصلاح نحو 4 آلاف فدان فى زمامها، أصبحت جميعها معرضة للموت عطشاً، يشرح الحاج «رمضان» الأمر قائلاً: «أنا محتاج سولار عشان ماكينة الرى تشتغل، إحنا بيوتنا بتنخرب، ده غير إن التقاوى والسماد اللى الحكومة بتصرفه لنا مبيعملش أى حاجة، أنا بحتاج كل شهر ما بين 50 و60 شيكارة سماد للفدادين الخمسة، والحكومة بتصرف لى 5 شكاير بالعافية».

يقول الحاج عبدالحليم قنديل، 42 عاما: «أنا عندى فدانين أرض، ومافيش سولار ولا حتى فى السوق السوداء يخلينى أسقيهم، الماكينة اللى بترفع مياه عشان تسقى الأرض بتحتاج حوالى 3 صفايح سولار كل 10 أيام، ودى دورة رى الأرض فى الشتاء، وأنا بقالى أكتر من 50 يوم مش لاقى سولار، والأرض مشربتش طول الفترة دى، والمحصول بقت حالته مش نافعة، ده غير إن مافيش تطهير للقنوات الفرعية، وده بيعزز مشكلة المياه أكتر، والمحافظة بتقول إن أهم إنجازات المحافظ الجديد تطهير القنوات الصغيرة، وده مش حقيقى».

أما محمد ناجح، 66 عاما، فوقف يصف مشكلته بحزن قائلا: «أنا ماعنديش أرض، بس عندى ماكينة رفع مياه، بكسب منها رزقى، وبسقى أرض الناس بتحتاج حوالى صفيحة سولار كل 4 ساعات شغل، وسعر الصفيحة وصل دلوقتى فى السوق السودا لحوالى 80 جنيه، والمفروض إن سعرها الطبيعى فى محطة البنزين لا يزيد على 22 جنيه، وياريتنا لاقيينه فى السوق السودا، المهم إن الأزمة دى خلّت الماكينة بقالها أسبوعين واقفة، وأنا من غير دخل، والناس أراضيها بتموت».

 السولار: «جمال».. وصل المحطة الثلاثاء واقترب من حلم الحصول على «جركن» مساء الخميس

فى إحدى قرى مركز أبوقرقاص بمحافظة المنيا، قبيل الفجر مباشرة، يترك جمال شحاتة سعيد زوجته وأولاده مودعا إياهم أملاً فى الحصول على السولار، الذى أصبح المشكلة الأصعب له طوال السنة الماضية، دون حل أو حتى وعود من أحد المسؤولين بالمحافظة. يصعد «جمال» إلى جراره بجلبابه الصعيدى متلفحاً الشال على رأسه وبطانية تعطيها له زوجته إتقاء لبرودة الليل، فعلى الرغم من قرب المسافة بين القرية التى يقطن بها جمال ومحطة البنزين الرئيسية لمركز أبوقرقاص على طريق الصعيد الزراعى فإن الرحلة قد تستغرق ليلة وربما ثلاث ليالى يقضيها على جراره نائما كى يحصل على السولار من المحطة، التى تمتد خلفها عشرات الجرارات وسيارات النقل الثقيل إلى مسافة عدة كيلومترات، «بقالنا سنة على الحال ده، والأزمة زادت أوى عن الأول. يومين وتلاته عشان نموّن، والشغل أبو جنيه بقى باتنين وتلاتة».

على بعد ثلاثة جرارات يجلس نادر جمال داخل سيارته للنقل الثقيل التى تنقل أدوات البناء، بدأ الوقوف فى طابور الانتظار بسيارته يوم الثلاثاء واقترب من البنزينة ليل الخميس، «سنتين فى الأزمة دى ومافيش حل لها، الأوضاع بقت صعبة والشغل قل عن الأول، ومبقتش أستفاد حاجة، أقف 3 أيام مستنى الجاز، وأشتغل يوم أو يومين يدوب أقضى بيهم الالتزامات اللى على وبعدين أجى أقف تانى هنا».

أزمة الوقود بالنسبة للشاب نادر إبراهيم تحولت إلى عائق عن الزواج، يقول نادر بهدوء: «ظروف البلد مبقتش تستحمل إنى أتجوز، مراتى ممكن تطفش منى، تيجى إزاى إنى أغيب عنها بالتلات أيام وأرجع أقولها إنى كنت واقف مستنى دورى فى الجاز، وماقدرتش أسيب العربية عشان محدش يسرق استبن ولا كاوتش». أما جرجس بشرى، الذى يعمل على إحدى سيارات النقل، فأصابته أزمة الوقود بشكل غير مباشر، إذ يعمل فى مجال نقل العمال والآلات من وإلى محاجر المنيا، يقول: «اليومين دول مافيش شغل خالص، لأن المحاجر كلها شغالة بالجاز، وهما زينا مش لاقيين الجاز ولا البنزين، دلوقتى بقت صفيحة العشرين لتر، بستين جنيه واللتر أصلا بجنيه وبريزة وإحنا بنتحاسب عليه فى البنزينة هنا بجنيه ونصف».

محاولاتهم المستميتة للحصول على الوقود دفعت جرجس للقول: «أول إمبارح قفلنا الزراعى أمام العربيات عشان يحلولنا مشكلة الجاز، لكنهم بيعاملونا وكأننا كلاب بتعوى وماحدش بيسمعنا».

الصحة: المستشفيات بلا أطباء أو إمكانيات.. فقط مرضى

على سرير متداع، بمستشفى ملوى العام، كانت تجلس آمال عبدالتواب -48 عاما- بجسد أنهكه المرض، بين جهاز تنفس صناعى متهالك، وأنبوبة أكسجين ربما يكون حالها أكثر تواضعا بكثير من تلك المستخدمة فى ورش إصلاح السيارات، تتعرض آمال لنوبات ضيق فى التنفس تقول عنها: «لما الأزمة بتيجى ببقى هموت ومش عارفه أعمل إيه، فاتحجزت هنا بعد ما الدكاترة دوخونى، ومحدش منهم بيدى علاج ينفع».

كانت القطط تتحرك بهدوء فى ممرات المستشفى وبين عنابر الجراحة والعظام، تنظر لوجوه المرضى ثم تلتفت منصرفة، «اللى تعبان وعاوز يموت بيدخل مستشفى المنيا العام، واللى معاه فلوس على قده بيروح يتعالج فى أسيوط، والمستريح ماديا بيقدر ينزل القاهرة» بهذه الكلمات عبّر محمد جمال، صاحب محل قطع غيار سيارات، عن حال المستشفيات بمحافظة المنيا، ويضيف قائلا: «ولو قلنا إن مستشفى المنيا العام مفيهاش إمكانيات، فالحال فى مستشفيات مراكز محافظة المنيا لا يُقال عنها بلا مبالغة سوى أنها مراحيض عامة».

فى مستشفى ملوى، واحد من أكبر مراكز محافظة المنيا، مرضى بلا أطباء، وبلا أى إمكانيات فى أجهزة طبية تجعل شفاءهم ممكنا، مرضى يتم طردهم من المستشفى قبل أن يكتمل شفاؤهم لأن هذا هو كل ما يمكن أن تقدمه لهم المستشفى، وهو ما حدث مع أم هاشم أحمد، الفتاة التى لا يتجاوز عمرها الاثنين وعشرين عاما، ودخلت للمستشفى بعد أن اصطدمت بآلة حادة فى منطقة البطن، تسببت لها فى نزيف كاد يودى بحياتها، لدكاترة عملوا لى عملية، وقفوا النزيف وخيطوا لى بطنى، وقالوا لى اخرجى، والدكتور كان قايل إن المفروض أستنى فى المستشفى حوالى 15 يوم».

أما ابتسام ناجى، ممرضة، 29 عاما، فتقول «أعمل هنا منذ أكثر من عشر سنوات، والناس هنا حالتها يمكن أصعب من حالة المستشفى فيه مرضى بييجوا ومبيكونش معاهم الجنيه تمن الكشف، وبتبقى حالتهم الصحية فى وضع حرج، أنا باشتغل فى قسم الحروق، لكن المستشفى بلا إمكانيات وبلا أمن، أنا ببقى مرعوبة لما بتبقى ورديتى مسائية من أى اعتداء محتمل».

عمال المحاجر: السقوط فى بطن الجبل

فى الطريق إلى قرية الزاوية كان الحاج خالد يجلس بين جنبات الدار ناظرا إلى سيارته التى توقفت عن العمل طوال الأسابيع الماضية بسبب توقف أغلب محاجر القرية، صباح الجمعة صعد إلى رضا صديقه فى محجره ليطمئن على ما آلت إليه أحوال المحاجر، فأزمة السولار لم تؤثر على أصحاب سيارات النقل الثقيل فقط، بل أدت لتوقف أغلب المحاجر التى تحرق ماكينتها كميات لا بأس بها من السولار.

أمام محجر رضا تتراص شكائر البودرة القليلة لتعبر عن قلة الإنتاج والعمل، وعلى مرمى البصر لا يوجد سواه من أصحاب المحاجر أو العاملين، فحمولة اليوم كان متفقا عليها منذ أسابيع وغدا سيجلس رضا على «دكة الاحتياطى» منتظرا إيجاد طريقة سهلة للحصول على سولار له ولزملائه: «فى الأول مكانش فيه حاجه اسمها الخميس أو الجمعة، كنا بنيجى كل يوم وبنشتغل كل يوم دلوقتى بنستنى الجاز بالأسابيع عشان نشتغل»، يضيف رضا «محدش راضى يسمعنا لو تقدم لنا المحافظة محول كهرباء سيكون أفضل من الجاز والديزل، مصانع كتير بطلت والحال وقف ومحدش قادر يقبض عمال، والعمال غلابة أوى».

يضيف: «زمان لما كانت بتيجى أزمة كانت تكون يوم أو اتنين وتختفى، وكنا ساعات بناخد جاز بعشرين وتلاتين ألف دلوقتى بنتذل عشان ألاقى جركنين

أهالى «أبجاج الحطب»: «عايشين حتى يأتى الموت»

تلمس خطوات أقدامك التى تنغرس فى الرمال بهدوء، حاول أن تمعن النظر حولك فى الظلام الدامس، لأن كلاب الصحراء العقور، التى يملأ نباحها أذنك قد تهجم عليك فى أى لحظة، ووسط ذلك قد تجد طفلا حافى القدمين، يجرى من مكان لآخر، أو امرأة عائدة إلى بيتها، هاهنا قد استقرت منازل سكان نحو 35 نجعاً، يقدر عددهم بالآلاف، هنا قرية أبجاج الحطب التى تبعد عن محافظة المنيا بنحو 70 كيلو مترا موغلة فى قلب الصحراء، ولا يصل لسكانها الخبز ولا خدمات الكهرباء والمياه، ولكن تصل إليهم فقط شركة مصر الوسطى لتوزيع الكهرباء لتغريمهم مئات الجنيهات، لأنهم يسرقون الكهرباء من الخط العمومى. لا يجدون الخبز لإطعام أبنائهم، ويُحاسبون لأن كل منهم يشعل مصباحا ضئيلا فى منزله يكتفى به فقط لكى يرى ويتحرك ليلا.

فى مدخل القرية التى وصلنا إليها مع بدايات حلول الظلام طفل لم يتجاوز عمره خمسة عشر عاما، يتسلق سلماً خشبيا ويمسك بعصا خشبية طويلة، ليصل إلى أعلى نقطة فى عمود الكهرباء بالشارع، لكى يصل الكهرباء لأهل قريته الذين سرقوا خطوط كهرباء منازلهم من هذا الخط العمومى، لا يفكر فى الخطورة المحتملة على حياته التى يكاد يفقدها فى لحظة أثناء محاولته تلك، ولكن ربما يجول بذهنه أن الموت لن يكون أبدا أصعب من الحياة بهذا الحال.

«إحنا معندناش غير لمبة جاز، هى اللى عايشين عليها، ولمبة سهارى صغيرة سارقه كهربتها من الخط العمومى عشان تنور البيت للعيال يتحركوا بالليل». هكذا بدأت فريجة فرج، أحد سكان أبجاج الحطب، فريجة، الفتاة العشرينية، لا تعرف على وجه التحديد كم بلغت سنون عمرها فى الحياة، لكنها تعرف أن زوجها الفلاح بسيط الحال قد تعدى الستين عاما، لأنها تحمل له بطاقته وتخشى عليها من الضياع، لأنهم ليس لديهم شىء يثبت أنهم مصريون على قيد الحياة غيرها، أما أطفالها الثلاثة فلا تعرف عمر أحد منهم «أهم عايشين بقالهم شوية» كما قالت عنهم، لا يصل لمنزل «فريجة» المياه ولا الكهرباء وليس لمنزلها سقف يحميها وأطفالها من المطر وقسوة البرد، ولا يوجد به سوى سرير واحد ينامون عليه جميعا، ولا توجد دورة مياه «إحنا بنشحت المياه من الجيران اللى عندهم (طرمبة) ولا جايبين موتور، والحمام عاملين له (دروة) تسترنا بره، ومشتركين فيه إحنا وكل البيوت اللى حوالينا»، وتضيف فريجة قائلة: «جوزى عشان سنه كبير يوم بيشتغل وعشرة لأ، فعشان كده بخرج أجمع المحصول مع البنات فى الأراضى القريبة منّا، باخد حوالى 15 جنيه فى اليوم، بجيب بيهم عيش حاف للعيال».

أما نجيبة نصر-40 عاما- فكل ما كانت حريصة على أن ترينا إياها فى منزلها، الذى لا يوجد به أى شىء على الإطلاق، فلا أثاث ولا حتى سرائر ينامون عليها، هو طرمبة المياه التى جمعوا ثمنها الذى وصل إلى أكثر من ألف جنيه، لكى يحصلوا على المياه من باطن الأرض، ولكنهم فوجئوا بأن ما حصلوا عليه هو مياه مالحة، لا تمكنهم من رى ظمأهم، «أنا عندى 10 عيال، محدش منهم متعلم، ولولا البنات اللى بيخرجوا يشتغلوا فى الزرع كنا مُتنا من الجوع، مفيش عيش بيوصل عندنا هنا، بييجى واحد يلف بعيش بيتى على الطريق بره، كل الناس عارفه ميعاده وبتخرج تشترى منه، إحنا سارقين كهربا من الخط العمومي، ولسه دافعين غرامة للحكومة 300 جنيه بسبب الموضوع ده».

فى الآونة الأخيرة ازدادت نسب الطلاق فى القرية بسبب ضيق المعيشة والحالة الاقتصادية السيئة، مما يجعل الزوج يهجر زوجته تاركا إياها وأولاده بحثا عن الرزق، فى مكان آخر وربما فى بلد آخر، يخبرنا الحاج عبدالستار، إمام مسجد بالقرية، أن أعداد المطلقات فى القرية ازداد بشكل كبير وأصبحت السيدات هم من يعول أغلب البيوت هنا».

أما أكثر ما يؤرق ناجح إبراهيم، وأسرته فهو عدم توافر المياه النظيفة التى يصاب منها الأطفال بأمراض مزمنة «فى الأول مكانش عندنا مياه وكان التروسيكل بيجى كل يوم يبيع لنا المياه فى جراكن زى العيش دلوقتى، ركبنا طلمبة ودقينا دينامو عشان تطلع المياه من تحت الأرض، واتكلف علينا ألف جنيه وياريت بنشرب مياه نضيفة

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية