فى يوم شتوى من عام 2011، كنت فى طريقى إلى عملى فى جريدة «المصرى اليوم»، سرت على رصيف شارع المبتديان، وعندما وصلت عند المدرسة التى تقع قبل مقر الجريدة بمبنيين، فوجئت بشخص يرتدى بدلة كاملة، دون رابطة عنق، منحنيا وبيده جريدة مطوية يسندها على حرف سور المدرسة، لم أتبين الشخص لأنه كان يعطينى ظهره، لكننى كنت حريصاً على معرفة شخصيته وما يفعله، وعندما اقتربت منه، وقفت وأنا مذهول، فقد كان «عم جلال عامر» يكتب مقالة على الحرف الأبيض من الجريدة، كان القلم لا يقف، بل يتحرك كأنه ينفذ أوامر بلا تفكير، قلم يتضح من انسيابه أن صاحبه يهضم بلداً كاملاً، يعرف حواريه، وفقراءه، وأرامله، ونخبته، وأمنه وانفلاته. قلت له: «إنت بتكتب فى الشارع يا عم جلال، تعالى فوق اكتب براحتك»، فرد: «لا أنا قربت أخلص»، فسألته: «إنت بتكتب مقالاتك كده على طول يا عم جلال؟»، فرد دون أن يرفع عينه عن الجريدة أو حتى يقف قلمه عن الكتابة: «يا ابنى أنا ما بكتبش حاجه، كل حاجه مكتوبة جوايا..المزيد..».
لكننى صعلوك عابر سبيل ابن الحارة المصرية، ليس لى صاحب، لذلك كما ظهرت فجأة سوف أختفى فجأة، فحاول تفتكرنى». لا يوجد تعريف لـ«جلال عامر» أفضل من هذا، كلمات كتبها الراحل عن نفسه فلخص سيرته وحياته ومماته. ولد فى «بحرى» بالإسكندرية فى ٢٥ سبتمبر ١٩٥٢ وعاش بها ابن بلد صعلوكا يتنقل بين حاراتها وشوارعها، يقول عن نفسه «بلا صاحب»، ولكن العديدين كانوا بالقرب منه يتعلمون ويضحكون، ثم تركهم ورحل فجأة من وسط مظاهرة ومازال الناس يتذكرونه ..المزيد...
يقبع مقهى «النيل» فى منطقة المنشية منذ عام ١٨٨٦، تغيرت الأشياء من حوله ولم يتغير اسم المقهى، يتغير البنك السلطانى العثمانى المجاور له إلى الشهر العقارى ولا يتغير من المقهى سوى تساقط طبقات الدهان وأشكال الزبائن، يأتى بشر ويرحلون ويخلفون وراءهم ذكرى. هناك كان يجلس الراحل جلال عامر لفترات طويلة، وهناك التقينا بأصدقائه ..المزيد...
رامى جلال عامر يكتب: صديقى العجوز
حضور جلال عامر فى ذكراه الأولى أكثر قوة وطغياناً من حضور كثيرين يحتفلون بعيد ميلادهم الستين أو السبعين، الرجل موجود بيننا ومؤثر وفاعل، جلال عامر يدير الأمور من خلف الستار، يعلق علينا ويضحك، يلقى بحكمه على أمل أن نتعلم يوماً ما، أنا لا يضايقنى غيابه، بل يسعدنى وجوده.. الشىء الوحيد الذى يؤلمنى، وسيظل معى إلى أن يحتضن جثمانى جثمانه يوماً هو غيابه عن اللحظة التى خططنا لها سوياً؛ يقول المسرحى الإغريقى الشهير سوفوكليس: «ليس هناك فرح أعظم من فرح الابن بمجد أبيه، ولا أعظم من فرح الأب بنجاح ابنه ..المزيد..».
ريهام جلال عامر تكتب: إللى فكر ماماتش
عزيزى جلجل... على مدار عام مضى تكفلت جموع محبيك بمشاركتى أنا وإخوتى حزننا... وتعرضت على مدار العام لمواقف حب مدهشة وكثيرة فقط لأنى ابنتك... سمعت كثيراً كلمة «خدى بالك إنتى مش بنته لوحده»، كما لمست فى تعاملهم الغيرة منى على محبوبهم جلال عامر الذى أتناسى نفسى أحياناً وأتحدث باسمه فأثير غيرتهم وأسعد كثيراً بتلك الغيرة ..المزيد...
من شباب الثورة إلى حكيمها: «أين أنت يا عم جلجل؟»
وصل عدد أعضاء صفحة «الساخر جلال عامر» 472 ألف محب، التفوا جميعا حول سخرية عامر اللاذعة التى لم ينل منها الزمن، وحول طفولة قلبه ونضج عقله، وتجربته الحياتية العميقة، والتفوا أيضا حول رحيله الموجع، يسألونه فى تهافت «لماذا رحلت يا عم جلال؟ كيف نحيا فى مرحلة عبثية دون وجودك بيننا؟!». لكن لماذا رغم اختلاف المرحلة العمرية الكبيرة توجه الشباب نحو كتابات جلال عامر؟ ..المزيد..
مازلت أبحث فى «المصرى اليوم» عن كلمات الكاتب الساحر والساخر والمبدع والنبيل جلال عامر، رغم غيابه منذ عام مضى. لا أصدق أن جلال عامر كف عن تشريح المجتمع والخروج بتشخيص الداء واقتراح الدواء، حتى لو لم يأخذ الحكام بنصائحه لعلاج أمراضنا الاجتماعية والسياسية والبدنية.. وقد حاولت «علاج» حنينى إليه وإلى كلماته الرائعة الثرية لا للجوء إلى إعادة قراءة مقالاته القديمة والتى اكتشفت دون اندهاش، أنها مقالات جديدة!.. بل حديثة جداً ولا أعتقد مثلاً أن أحداً سيعترض على أنه «أشياء كثيرة تنقصنا، هى الحرية والديمقراطية والعدل والشفافية والمساواة واحترام العلم والاهتمام بالتعليم ومكافحة الفساد وإلغاء التعذيب»؟ ..المزيد..!
18 رقم لازمه بـ«الميرى» فى حرب أكتوبر وبـ«الملكى» فى ثورة يناير
الحياة حافلة بالأحداث، والصدف لا تلقى عبثاً فى طريق من يتأخذ الحياة بجدية، الدهشة طريقتنا المعتادة فى المفاجآت، لأننا لا نعتاد أن نقرأ ما نظن أنه مهم، علينا أن نقرأ فى كل حادثة وأن نصدق حدسنا، حتى نجد فى الطريق أصدقاء، وفى العلامات أقفال تفتح لنا أبوابها، علينا أن نصدق أن الحياة قبل أن تكون قدراً هى اختيار، والاختيار ليس بصعب، الاختيار قوة الإرادة فى التغيير، وعزيمته فى الاستمرار، والرفض لما هو باطل، والتشبث بالحق، فقط هو الحق الذى يجعل من أعمارنا قيمة إنسانية ..المزيد...
الآلاف وربما الملايين الذين عرفوا جلال عامر كاتبا ولكن القليل منهم من عرفه إنسانا وقد أسعدنى الحظ أن أكون واحدا من هؤلاء الذين عرفوه كاتبا وإنسانا. كان جلال عامر مغرما بمطاردة القبح الذى ينغص علينا حياتنا ليقتفى أثره حتى جحوره الكامنة فيخرجه من التناقضات التى تختبى وراء كل ما هو عادى ومألوف. لم يكن هناك أحد من كتاب هذا الجيل قادراً على اكتشاف القبح والعوج فيما هو مألوف وعادى أكثر مهارة من جلال عامر الذى يفاجئك باقتناصه والإمساك فيشعرك بالخجل من نفسك لأنك كنت غافلا عن اكتشافاته العجيبة التى كانت تخفى على أكثر أهل النظر والاعتبار، فى كلماته الكثير من الحكمة المغلفة بالسخرية وهل هناك حكمة أكثر من الحقيقة؟ ..المزيد...
راجي جلال عامر يكتب: حكمة الرحيل
الموت لا يؤذى الموتى بقدر ما يؤلم الأحياء، وبقدر ما تألمت على رحيل أبى إلا أننى أدركت الآن الحكمة فى اختيار موعد الرحيل، فالرجل الذى نشأ مع ثورة «يوليو» وحارب من أجلها فى «أكتوبر» رأى ثمارهما «الثورة والحرب» تذهب لمن لا يستحق، وعندما جاءت ثورة «يناير» لتجدد الأمل بداخله رأى نتائجها مغايرة لمطالبها ورأى انتشار الجماعات المتطرفة التى لا ترحم أحداً من «التكفير» إلا إذا حرم نفسه من «التفكير» وأصبح «حسن بن البنا» أقرب إلى قلبه من «الحسن بن على»، و«محمد بن عبدالوهاب» أقرب إلى عقله من «محمد بن عبدالله»، فرحل بعد أن وصل له معنى كلمة «محمود درويش ..المزيد..»
رانيا جلال عامر تكتب :صباحك جميل
على أنغام الأغانى المفضلة لنا وفى نفس المكان الذى شهد أحاديثنا وامتلأ من صوتك العذب وعلى ضوء أفكارك وكلماتك أكتب إليك.. فى البدء كان يجب أن أقرأ كل كتب العشق لأتحدث عنك ولكن حتى تلك الكتب لا تكفى. حبيبى مر عام على رحلتك الطويلة التى بدأت مبكراً ودون سابق إنذار مازلنا معا رغم اختلاف المكان.. أيدينا متشابكة ومصيرنا واحد وحياتنا واحدة.. فالموت لا يقوى على الحياة فالموت حلقة تفصل بين حياة وحياة والحب عنوانك والموت لا يعرف للحب طريقاً.. ما أجمل قلبك النقى وقيمك الإنسانية النبيلة فالذين يزرعون بالدموع الابتهاج يحصدون وكم رأيت يا أبى من عيون أحباء لك ولفكرك وسمعت دعواتهم لك.. فأحباؤك يستمدون الحب منك لتكتمل حياتهم دون ألم ..المزيد...
فى تبادل جثث أكتوبر.. عمل جثة «تجميع» ليسلم 19 تابوتاً
لا نعرف شيئا عن عالم «جلال» فى القوات المسلحة إلا ما يحكيه أصدقاؤه، فينقل لنا صديقه د. «حسن محمد مصطفى»، استشارى الأنف والأذن والحنجرة، ما حكاه له الراحل عندما طلب منه القيام بعملية تبادل جثث قتلى من الجنود الإسرائيليين بأسرى مصريين، فبعد أن خرج الرئيس الراحل محمد أنور السادات ليعلن فى خطاب له أن مصر لديها 19 جثة للجنود القتلى فتقوم إسرائيل بتسجيل العدد وتطالب به كاملا فى عملية التسليم التى عهد بها إلى جلال عامر، ليكتشف أن هناك جثة ناقصة، «راح جاب صندوق فاضى، ودراع من هنا على حوض من هنا (من الجثث الإسرائيلية) وعملهم جثة» يكمل بها أعداد الصناديق ..المزيد...
كما البرق يمرون لكن بريقهم النابع من حبهم للوطن يبقى ليتحول من ضوء خاطف إلى أشعة مضيئة مستمرة، تذهب أجسادهم سريعاً لكنهم يبقون للإنسانية ولشعبنا، هكذا كان رفاعة الطهطاوى، قاسم أمين، طه حسين، سلامة موسى، العقاد، توفيق الحكيم، النديم، عبدالصبور، أمل دنقل، بيرم التونسى، صلاح جاهين، لكن جلال عامر اختلف، فما إن اكتشفه قراؤه واكتشف هو نفسه وانتقاه ضمير الموجعين بوطنهم ليفاجأوا ويسعدوا بنهر من الاستنارة بأحوال العالم ومثقفيه وكتابه وأدبائه وساخريه ومقاتليه متجسدة فى كلمات بالغة الاختصار هائلة الدلالة محددة للآلام صانعة للآمال يجيدها ساخر يسرق أذنك وذهنك بقدر ما يجسد ويطرح عليك الهموم بقدر ما يلحقها بمفاتيح الحرية والتحرر والنصر ..المزيد...
وفى الليلة الظلماء يُفتقد البدر
هل حقاً قضينا عاما كاملا دون أن نطالع «تخاريف» «جلال عامر»، قطعا كانت استجابتنا للأحداث السوداء التى توالت عبر العام ستكون مختلفة لو قدر أن يعيش، ورغم أننا لا نختار موتنا فقد خُيل إلى أن «جلال» قد اختار موته لأنه لم يحتمل أن يكون شاهداً على ما ينذر بنشوب حرب أهلية تفتح أيام الهوان التى نعيشها الآن.. فلم يحتمل ..المزيد...
بلال فضل يتحدث عن صديقه«عم جلال»
علاقة نوعية ومتميزة وحميمة ربطت بين الكاتب الراحل جلال عامر والكاتب بلال فضل وقد طلبنا من بلال أن يكتب لنا شهادة عن هذه العلاقة وتفاصيلها خاصة أن ذلك سيدفع بلال فضل لرصد تفاصيل كثيرة عن جلال شخصا ونصا لا يعرفها كثيرون غير أن بلال اتصل بنا فى اليوم التالى ليطلعنا على مالاقاه من صعوبة فى الكتابة عن إنسان حميم له وصديق مقرب، وفضل بلال أن يدلى بشهادة حية فإن ذلك يساعده على مزيد من التدفق والتذكر ونزلنا على رغبته؟ ..المزيد..
التقيته منذ أيام حزب التجمع الأولى هادئاً، كان وديعاً وقليل الكلام لكنه يبتسم دائماً، لكنه فاجأنا عندما ترشح لمجلس الشعب عن دائرة الجمرك والمنشية بالإسكندرية بمنشورات انتخابية فريدة من نوعها بدأها بمقارنة مهمة بين «أضرار الحزب الوطنى وأضرار القنبلة الذرية».. وشعارات مثل «هناك فرق بين بين الذين عبروا والذين هبروا».. «لا تنتخبوا جلال عامر فهو مجرد ضابط جيش عبر فى حرب أكتوبر وجرح فى محاربة العدوان».. «لا تنتخبوا جلال عامر فهو فقير وغلبان ولا يستطيع أن يقدم رشاوى انتخابية».. «لا تنتخبوا جلال عامر فهو لا يمتلك مرسيدس ولا حتى بسكليته وحيوقف أى واحد فيكم ويطلب منه توصيلة».. أوقفت طبع البيانات واتصلت به أسأله «أنت بتتكلم جد»، فرد ضاحكاً «هو فى حاجه جد فى الانتخابات؟ ..المزيد..»..
«مصر على كف عفريت»..بحث حالة وطن كان يملك «غطاء ذهب»
فى مجموعة من أقوى المقالات الساخرة للكاتب الراحل جلال عامر، التى نشرتها الصحف المصرية، يجىء كتاب «مصر على كف عفريت»، الذى جمعها الكاتب الراحل وأصدرها عن «دار العين للنشر»، وقد جمعها «عامر» فى سياق قراءة لآخر الأوضاع عبر صور ورؤى متجاورة تصب فى هم عام واحد وأصيل، هو الهم الوطنى وما تعيشه مصر فى لحظة مفصلية وحرجة وفارقة من تاريخها عبر حس ساخر يمكن تصنيفه بأنه كوميديا سوداء يجعل ضحكنا أشبه بالبكاء على ما وصلت إليه مصر من أحوال، وما آلت إليه الأمور فيها من مصائب وكوارث هى أقرب إلى المساخر ..المزيد..،
قراءة :«إعادة إنتاج الطغاة» و«حصاد الثورة المرير
لم يدع جلال عامر هما من هموم هذا الوطن إلا وكان أقوى المعارضين له فى حس ساخر تميزت به روح المصريين فى خطاب سريع الوصول للقارئ البسيط دونما تسطيح ولكن بكل العمق، مسفها أحلام الطغاة والطامحين للسلطة، فاضحا زيف الشعارات ومنظومة الاستبداد المتوارثة، كان جلال عامر شاهداً على مخاض الثورة وشاهدا عليها وقارئا ومتابعا لتداعياتها، خاصة بعد أن اختطفها الانتهازيون وساروا بها عكس اتجاهها وأهدافها وزيفوا الحقائق لصالح حصد المغانم، ولأن شر البلية ما يضحك وما يستحق السخرية فقد كانت كتابات عامر الساخرة تليق بما نعيشه من مساخر ناهبى الثورة وسارقى نارها المقدسة فيما يعد إعادة لانتاج منظمة الفساد والاستبداد والقمع والزيف، وفى مقالاته الأربع المتعاقبة والتى جاءت تحت عنوان «إعادة إنتاج الطغاة» يقول جلال عامر يا بخت الحمير فى هذا البلد، فعندنا «80» مليون إنسان نزرع لهم مليون فدان قمح و«2» مليون حمار نزرع لهم «2» مليون فدان برسيم.. وعايز مواطن حر خلّص جيشه ودفع ضرايبه ..المزيد..