x

المبعوث الأمريكي لمصر وقت الثورة: أبلغت مبارك رغبة أوباما في التغيير السلمي (حوار)

الأحد 10-02-2013 22:28 | كتب: حنان البدري |
تصوير : other

يلقبونه في الأروقة السياسية الأمريكية بالدبلوماسي الساحر، ويلقبه بعض زملائه بـ«الباشا»، وهو اللقب الذي أطلقه عليه زميله السفير «إدوارد ديجرجيان» فالتصق به، وقد كان دوماً رجل المهام الصعبة والأزمات الطارئة التي تعترض المصالح الأمريكية، من الفلبين لبغداد لكوسوفو للقاهرة، بغض النظر عن الهوية الحزبية للجالس في البيت الأبيض.

هو السفير الذي كرَّس حياته لخدمة بلده، وتحديداً المصالح الدبلوماسية والسياسية الأمريكية، منذ تخرجه في جامعة برنستون، عام 61، وحتى الآن، وعلى الرغم من تمثيله بلاده كدبلوماسي وسفير على مدى ثلاثة عقود في الجزائر والفلبين وزامبيا والهند وغيرها، إلا أنه مازال يُكنُّ مشاعر خاصة لمصر التي عمل فيها سفيراً لبلاده لمدة خمسة أعوام «1986- 1991»، فمازال يحتفظ بذكريات البشر والأمكنة وحتى الأمثلة الشعبية وتعبيرات «ولاد البلد» لدرجة أنني سألته، خارج الحوار، عن أمر ما فما كان منه إلا أن رد بلكنة مصرية صحيحة «في المشمش» بدلاً من «غير ممكن».. وهكذا كانت تتناثر عباراته بالعامية المصرية خلال وقبل أن نبدأ حوارنا معه، إنه «فرانك وزنر»، مساعد وزراء الخارجية والدفاع الأمريكي الأسبق، إضافة لسلسلة طويلة من المناصب أهمها، بالنسبة لنا، أنه كان مبعوث الرئيس أوباما إلى مبارك في نهاية شهر يناير 2011 بعد أيام من اندلاع ثورة يناير 2011، تلك المهمة التي امتنع تماماً بعدها، وحتى لقائي معه عن الحديث عنها أو في تفاصيلها.

■ الآن وبعد عامين على ثورة يناير مازال الشارع المصري يغلي بينما تتفاقم الأوضاع وتتصاعد احتجاجاته ضد حكم الإخوان ما هو تقييمك لهذا الوضع؟

- من الصعب مراجعة الموقف كاملاً من على بُعد آلاف الأميال، ولكن ما حدث مؤخراً في مدن القناة واتساع محيط المواجهات ليشمل مناطق أخرى، جعل شخصاً مثلي يشعر بالقلق العميق، ولدىَّ الآن الأسباب التى تجعلنى قلقاً «للغاية» من المواجهات المتزايدة والقتلى وانعدام الاستقرار مع عدم قدرة مصر على بناء مؤسساتها.

وهناك طريق واحد فقط أراه قادراً على إنهاء الأزمة ويتلخص فى قرار سياسي يتخذه الإخوان والمعارضة وبمشاركة الجميع عبر توافق وطني وقومي، ليتفقوا جميعاً على الدعوة لإعادة بناء مؤسسات قوية.

■ قبل أسبوع حذر وزير دفاع مصر الفريق أول عبد الفتاح السيسي من انهيار الدولة.. هل تعتقد أن مصر على وشك الانهيار؟

- كما قلت لك، أنا بعيد عن المشهد لكن تصريحاً دراماتيكياً بهذه الدرجة مبنياً على الواقع مقلق، وأنا قلق لأننى لا أرى سوى العنف وتصاعد المواجهات السياسية، وطالما غاب التفاهم بين الحكومة والشعب، ودون توافق وإجماع، لن تحل مشاكل مصر، وهذا يؤدى إلى التخوف من انهيار البلد.

وكثيرون فى مصر الآن يرون أن واشنطن تعضد الإخوان بدعم مطلق، حتى إن بعض وسائل الإعلام الأمريكية تساءلت عما إذا كانت واشنطن تكرر الخطأ مرة أخرى، أعنى مساندتها لمبارك وترددها فى دعم الثورة، وأنا لا أرى أن هناك تأييداً أمريكياً لجهة بعينها، ذلك لأن الحكومات لابد أن تتصرف بناء على الواقع على الأرض والحقائق، وبناء على ذلك فالولايات المتحدة تتأقلم مع الحكومة فى مصر ومع الوضع، ولقد قبلت أمريكا بنهاية حقبة مبارك، وحاولت فى الشهور التى أعقبت ذلك أن تتابع الجارى فى مصر وتتأقلم مع الوضع الجديد وذلك لأن لنا مصالح طويلة المدى فى مصر وفى استقرارها لأن مصر عمود وأساس لاستقرارالمصالح الأمريكية فى كامل المنطقة.. ونحن نريد لمصر أن «تقف على رجلها تانى»، أما عن الإخوان المسلمين فالسيد مرسى فاز بالانتخابات وأمريكا لا تختار من يفوز، وليس لنا خيار سوى التعامل مع الحقائق، وفى نفس الوقت فالولايات المتحدة لديها مبادئ فنحن نؤمن بالتسامح واحترام حكم القانون والديمقراطية.

■ وبماذا تفسر أخبار انتهاكات حقوق الإنسان الممنهجة فى مصر وسقوط عشرات القتلى وحوادث السحل والتعذيب والهجوم على المتظاهرين من قبل الفصيل الحاكم؟

- لم أشاهد فى عمرى ولم أتصور مثل هذه الدرجة من التصعيد وأعتقد أن هذا المستوى من التنافر يضعنا أمام ظروف غير مسبوقة فى مصر، وحقيقة لا أدرى كيف سيكون تصرف الولايات المتحدة لو أن أحداً هنا هاجم أساس الدولة، أى هذه المبادئ.

■ فى ظل المشهد المصري الحالي هناك عدة سيناريوهات محتملة فى مصر منها الثورة العارمة، وربما الدموية طويلة الأمد على نسق الثورة الفرنسية، وسيناريو حدوث انقلاب عسكرى باستدعاء شعبى.. كيف تنظر لإمكانية تحقق مثل هذه السيناريوهات؟

- الولايات المتحدة لا تحب الاستيلاء على السلطة أو قلب أنظمة الحكم، فهذه ليست الطريقة التى تطور وتبنى بها الدول مؤسساتها، والولايات المتحدة تفضل وبدرجة قصوى وبناء على تجربتها النظام الدستورى، وبالتالى لا ترغب أمريكا فى انقلاب لا فى مصر ولا فى أى مكان آخر، وطبقا للقانون الأمريكى فحدوث انقلاب سيكون سببا فى قطع المساعدات، ونحن لا نريد حدوث ذلك.

■ ماذا عن السيناريو الفرنسى؟

-لا أستطيع القول بأن هذا السيناريو هو الحل الآخر، لكنى أرى سيناريو مغايراً، وهو أن تتحاور الحكومة الحالية مع المعارضة ويصلوا لتوافق قومى، وتبدأ فى حل مشاكل البلد مع الدعوة لاستتباب الأمن، ويجب أن يكون هناك تأييد لقوات الأمن ليعيدوا قطار الدولة مرة أخرى إلى القضبان، حقيقة هذا هو السيناريو الذى أتمناه فعلا ومن صميم قلبى لمصر.

■ ماذا عن ردود الفعل الغاضبة من تصريحات الخارجية والبيت الأبيض وأداء السفيرة الأمريكية بالقاهرة بالنسبة للأحداث فى مصر والتى رأى فيها الكثيرون تأييداً للحزب الحاكم وتدخلاً فى الشأن المصرى؟

- البيت الأبيض وكذلك الخارجية لا يريدان أن يكونا جزءاً من المشكلة ويريدان لمصر أن تستقر وأن تواجه مشاكلها بطريقة مسؤولة، وأن يتحقق حوار وطنى، وهذه هى السياسة التى نتبعها، أما بخصوص جهود السفيرة لجمع الأطراف معاً فأنا لا أعلم تفاصيل ما تفعله لكن الموقف الأمريكى المسؤول هو التشجيع على حل الخلافات والمصالحة بين القوى السياسية فى مصر والعودة على نظام مستتب بحيث يمكن لمصر مواجهة مشاكلها، لتتعامل مع الموضوعات المتعلقة بالمؤسسات الجديدة، وبالتالى تعود لدورها كقوة بناءة لاستقرار المنطقة، وهذا هو قلب المصلحة الأمريكية- على حد قوله.

■ أرسلك الرئيس أوباما مبعوثاً له للقاء مبارك أثناء الثورة.. ما الذى دار بينكما خلال هذا اللقاء؟

- أولاً، أنا ذهبت فى مهمة كلفنى بها الرئيس أوباما، وعندما عدت قدمت تقريرى عنها للرئيس، ولم أعلق بعدها أو أتحدث قط عنها أو عن تفاصيل هذه المهمة ، لكن يمكن أن أحكى لك اليوم عن هذه المهمة التى حدثت بالأمس القريب، فحينها كانت أمريكا تريد أن يعود النظام لمصر وأن تسير فى طريق الديمقراطية وهذا ما لم يكن من الممكن حدوثه لو استمر النظام القديم فى مكانه، وكنا نريد- طالما سيحدث تغيير- أن نكون إلى جانب هذا التغيير، وهذا كان صميم رسالتى لمبارك، وأيضاً أن يتم ذلك التغيير بشكل سلمى ومنظم، وهذه كانت الرؤية الأمريكية وكنا نحاول تشجيع الزعامة المصرية فى ذلك الوقت- أى مبارك- على التحرك وعلى أن يبدأ فى عملية انتقالية للانتقال من النظام القديم لنظام ديمقراطى وهذه كانت مهمتى، ودون الدخول فى تفاصيل.

■ ماذا عن رد فعل مبارك حين أبلغته؟

- أنا عرفت مبارك لفترة طويلة، عرفته لفترة كافية لدرجة أنه «مش ممكن كان يفاجئنى»، مهمتى كانت نقل وجهة النظر الأمريكية وأنا فعلت ذلك، كانت مهمة سهلة وواضحة وبسيطة، رسالة كان يجب أن أقوم بتوصيلها وقد فعلت، وبعدها كنت جاهزاً للعودة لأمريكا.

■ حسناً، إذن حدثني عن الأشخاص الثلاثة الذين تواجدوا بالغرفة لدى لقائك «مبارك» ومن بقى منهم معكما؟

- أنا لن أدخل في تفاصيل.

■ دعنى أسأل بطريقة أخرى: ما رأيك فى كل من ابنَىْ الرئيس السابق«علاء» و«جمال» و«زكريا عزمى» واللواء عمر سليمان؟

- لا أود الدخول في تفاصيل.

■ ولِمَ لا؟

- لأنها كانت مناقشات خاصة غير متاحة للعلن، وأنا أرى أنه سؤال غير مناسب، فالعائلة لم تكن على شاشتي الرسمية.

■ وماذا عن الرئيس السابق مبارك؟

- خلال عملى سفيراً بمصر كنت أتعامل مع رئيس مصر على أساس أننى أمثل حكومتى، وكان دائماً منفتحاً معى ومجاملاً، وكنا عند حدوث خلافات ندرك أنها خلافات ونتجاوزها، تذكرى هذا كان من 20 سنة وحدثت أشياء كثيرة منذ ذاك الوقت.

■ بعد أيام من عودتك لأمريكا وقبل تنحي مبارك تحدثت لمؤتمر أمني فى أوروبا قائلاً إن بقاء مبارك حاسم ولمصلحة الاستقرار في مصر، فلِمَ بدلت رأيك الآن؟

- لم أغير رأيى، ومن الواضح لى تماما ماذا قلت وماذا كنت أعنى، كنت فاهماً ومتأكداً تماماً حينها أن مبارك يقترب من نهايته- كحاكم- وكنا نعمل على انتقال منظم للسلطة، والوحيد الذى كان قادرا على تحقيق ذلك هو مبارك نفسه، وكنا فى حاجة له للتأكد من أنه سينهى عملية الانتقال ويبتعد بعدها.

■ يعنى كنتم تريدون أن يغادر بشكل سلس ويرحل؟

- لم أقل أكثر من ذلك، وهذه كانت بالضبط فحوى رسالتى له.

■ ما رأيك فى تفاوت الدعم أو القروض الدولية لمصر ذات الـ 90 مليون نسمة، والتى كان عليها فعل الكثير للحصول على 4.8 مليار دولار كقرض من صندوق النقد الدولى فى حين هرع الجميع للإغداق على اليونان ذات الـ 8 ملايين نسمة بما يتعدى 200 مليار؟

- إن ما تحصل عليه مصر من الصندوق يتم بناء على أسهمها فيه، وهذا يتوقف بالنسبة للقروض قصيرة الأجل وموقف ميزان المدفوعات، فإنه وفور انتهاء المفاوضات فمصر سيمكنها استغلال حق الاقتراض، ولكن حتى تتمكن مصر من تغطية احتياجاتها من التمويل فهناك خطوتان لابد منهما: الأولى أن تصل لتفاهم مع شركائها الأجانب حول مصدر التمويل سواء كان من المؤسسات المالية فى الولايات المتحدة أو دول الخليج وأصدقاء الولايات المتحدة فى أوروبا، أما الأمر الآخر فهو معالجة مصر لعجز الميزانية وهو ما يستلزم اتخاذ مصر قرارات صعبة ومؤلمة لسد هذا العجز.

■ ما الذى ينبغى أن نتوقعه من أوباما فى ولايته الثانية من سياسات نحو مصر والمنطقة، وما المتوقع من «كيرى» الذى يتوقع البعض فى واشنطن أنه سيكون استنساخاً لوزير الخارجية الأمريكى الأسبق جيمس بيكر؟

- هناك ثلاثة مبادئ توجّه توقعاته: الأول هو أنه يجب على أمريكا أن تدرك أن المنطقة تغيرت وأنها يجب أن تشارك فى تشكيل التوازن بالمنطقة، وأنه لا فائز منفرداً، وهى فى حاجة للتحدث مع الجميع بما فى ذلك إيران.. أما المبدأ الثانى فهو أن أمريكا ستكون بحاجة للتعامل مع الأنظمة الجديدة بالمنطقة، وبعضها قوى وبعضها ضعيف، ومن ثم يجب أن تكون جزءاً من إعادة بناء الشرق الأوسط.

والمبدأ الثالث هو أن ما يغلب على التفكير الأمريكى من وجهة نظرى هو تحقيق عملية سلام بين الفلسطينيين وإسرائيل، وحتى يحدث هذا سينظر إلى أمريكا على أنها لم تقم بدور كاف بالمنطقة.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية