يواجه الصيادون فى بورسعيد مشاكل تهدد إنتاجية المحافظة من صيد الأسماك، التى أصبحت تكلفة صيدها أعلى من استيرادها، ما أدى إلى انخفاض عدد مراكب الصيد من 1500 إلى 700 مركب.
ورغم أن بورسعيد تحاط من جهاتها الأربع بالمسطحات المائية، حيث يقع فى شمالها البحر المتوسط، ومن الشرق قناة السويس وتفريعتها الشرقية، ومن الجنوب والغرب بحيرة المنزلة، وتحتل مهنة الصيد مرتبة متقدمة بين أبناء بورسعيد، إلا أن مشهد المعروض من الأسماك المستوردة فى أسواق وشوارع المدينة أصبح عادياً، فى الوقت الذى تراجع فيه المعروض من أسماك الصيد المحلى.
ويمثل الصيادين فى بورسعيد جمعيتان، إضافة إلى نقابة لهم تم تأسيسها عقب الثورة كأول نقابة للصيادين فى مصر، لكنها لم تستمر شهرين، وتجمد نشاطها بسبب نقص الموارد المالية، وعجز الأعضاء عن تسديد الاشتراكات، وبسبب الصراع داخل مجلس الإدارة، وفقاً للناشط السياسى طارق مبروك، الذى سعى لتأسيس النقابة.
ويفجر المحاسب عادل أبووردة، رئيس جمعية أصحاب سفن الصيد الآلية، عدة مفاجآت بشأن أوضاع الصيادين والصيد، وأصحاب المراكب بقوله: «قطاع الصيد والثروة السمكية يمكن أن يضيف للاقتصاد المصرى مورداً كبيراً، ويوفر للمستهلكين بروتيناً صحياً رخيصاً، بحكم أن مصر تمتلك شواطئ بآلاف الكيلو مترات على سواحل المتوسط والأحمر وبحيرات البردويل والمنزلة والبرلس وإدكو ومريوط وناصر، لكن الواقع الفعلى يقول إن المهنة تنهار بسبب غياب وزارة معنية بالثروة السمكية، كما فى دول العالم وتفرق المسؤولية بين عدة جهات، هى الثروة السمكية، التابعة لوزارة الزراعة، والتفتيش البحرى، التابع لوزارة النقل، وسلاح حرس الحدود، التابع للقوات المسلحة».
ويدلل «أبووردة» على انهيار قطاع الصيد بقوله: عدد مراكب الصيد لدى أعضاء الجمعية 1500 مركب، تناقص الآن ليصبح 700 مركب بسبب ما يعانيه أصحابها من معوقات وروتين وتكلفة عالية للصيد، ونقص الوقود للمراكب، وأسعار المؤن خلال الرحلة، وارتفاع أسعار الغزول، وأدوات الصيد، وكلها مستوردة، فمثلاً الوقود كمشكلة، توجد فى ميناء صيد بورسعيد محطتان حصتهما اليومية 50 برميلاً، رغم أن الاحتياج الفعلى 945 برميلاً، طبقاً لعدد المراكب وقدرات ماكيناتها، وكل يوم يشهد الميناء معركة على الوقود.
أما الغزول ومعدات الصيد، وكلها مستوردة، فقد تم إلغاء القانون الذى كان يعفيها من الجمارك، فارتفعت أسعارها، رغم أن الجمعية تستوردها، لكن المديونيات تراكمت على أصحاب المراكب ووصلت لنصف مليون جنيه، وأجبرتنا هيئة الثروة السمكية على إقامة دعاوى قانونية على الأعضاء لتحصيلها.
ويضيف «أبووردة»: متوسط طاقم المركب 10 صيادين، يجب أن يوفر لهم الطعام، خلال رحلة الصيد، التى تستغرق 20 يوماً، ونضطر مثلاً لشراء الخبز من السوق السوداء بـ4 أضعاف سعره، نتيجة أنه غير مسموح للمخابز ببيع الكمية اللازمة لكل مركب.
ويشير «أبووردة» إلى خلل وأعباء النظام الضريبى قائلاً: قانون الضرائب يعفى المركب الجديد المملوك لفرد لمدة 10 سنوات، لكنه لا يعفى المركب المملوك لأكثر من شريك، إضافة إلى التقدير الجزافى للضرائب، التى تحتسب بواقع 20٪ من إجمالى حصيلة المركب، التى يقدرها مأمور الضرائب، كما يرى، لعدم وجود فواتير لبيع السمك بحكم نظام البيع والمزادات المتبعة فى الموانئ والأسواق.
ويوضح أن تراخيص المراكب موقوفة منذ 1993، وبالتالى كل من يريد تصنيع مركب جديد يضطر لشراء رخصة مركب مكهن أو قديم من أصحابها، حتى وصل سعر الرخصة إلى 100 ألف جنيه، لافتاً إلى أن الجهات الحكومية المسؤولة عن الصيد فى العالم توجد بها وزارة واحدة للثروة السمكية، أما فى مصر فالصياد ضائع بين الثروة السمكية والتفتيش البحرى وحرس الحدود ووزارة البيئة، وفى كل الأحوال الصياد وصاحب المركب يدفعان رسوماً لهذه الجهات، دون أن تقدم له شيئاً، ولو كان لدينا وزارة للثروة السمكية سوف يكون هناك جهة محددة يتعامل معها الصياد، وتقوم بوضع السياسات وتوقيع الاتفاقيات مع الدول المجاورة، بدلاً من أن يلجأ أصحاب المراكب للمغامرة والمخالفة والصيد فى شواطئ أخرى معرضين أنفسهم للخطر.
ويشير إلى أن المراكب الحالية غير مؤهلة للصيد فى مياه المتوسط العميقة، كما أن الملاك غير مستعدين للمغامرة بإنشاء مراكب كبيرة مكلفة للصيد فى المياه العميقة، رغم أنها غنية بالأسماك، وبالتالى فحصة مصر فى المياه الدولية بالبحر المتوسط تستولى عليها إسرائيل واليونان، ويفجر قنبلة بقوله: تخصص منظمة الأغذية والزراعة لمصر حصة صيد من أسماك التونة بالبحر المتوسط، تقدر بـ50 ألف طن، ولا يقوم أحد باصطيادها، لعدم توافر الإمكانيات، ومع ذلك تسجل هيئة الثروة السمكية فى أوراقها أننا نقوم بصيد حصتنا من التونة.
وعن الإنقاذ والأحوال الجوية والأخطار التى تتعرض لها سفن الصيد يقول «أبووردة»: آخر جهة تصرح للمركب بالإبحار والصيد هى مكتب مخابرات حرس الحدود، والمفترض أن يكون لديهم نشرة بالأحوال الجوية والنوات، مؤكداً أن أى مركب معرض لعطل ما خلال رحلة الصيد، لكن لا توجد جهة أو جهاز محدد منوط به الإنقاذ والتدخل فى حالات الخطر، والأمر يتم بصورة عشوائية، لذلك حدثت كارثة المركب زمزم، ما أدى إلى إهدار دم صياديها، بين الجهات الحكومية المختلفة.
ويكشف «أبووردة» عن حالة ميناء صيد بورسعيد بقوله: هو الأفضل من حيث المداخل والمخارج، وبه 4 مجارى للسفن، لكنه أصبح نموذجاً للفوضى والعشوائية فى إدارته، وسيطر عليه البلطجية، الذين أقاموا مبانى عشوائية داخله، بل احتلوا المخزن الخاص بهيئة الثروة السمكية، والغريب أن مجلس إدارة الميناء لا يجتمع منذ 6 أشهر، وبحكم عضويتى فى المجلس كلما سألت عن سبب عدم عقد الاجتماع يكون رد الهيئة: لا توجد أموال لتكلفة الاجتماع، رغم أن الهيئة لها موارد من مراكب الصيد ومن عائد حق الانتفاع بالقزقات، ومحطات الوقود، ومصنع الثلج، لكن لا أحد يعرف أين تذهب هذه الأموال.
ويختتم «أبووردة»: للأسف حصيلة الصيد لا تزيد على 15٪ فقط من المعروض فى الأسواق، و80٪ من الإنتاج لمزارع مقامة على مياه ملوثة، وتغذى الأسماك على روث الحيوانات، وبقايا تنظيف الطيور، كما أن تكلفة صيد السمك فى مصر أصبحت أعلى من تكلفة الاستيراد، والنكتة المضحكة المبكية أن الجمارك تعفى الجمبرى والإستاكوزا المستوردة من الرسوم الجمركية.