x

«بسبس».. خرج للبحر بحثاً عن لقمة العيش وعاد مشلولاً

الجمعة 18-01-2013 22:37 | كتب: اخبار |
تصوير : اخبار

لسنا فى أحد مشاهد أفلام المافيا والعصابات المسلحة، وهذه الأزقة ليست بالمكسيك أو بضواحى الهند، وهذه الجدران ليست أسواراً فاصلة إنما هى حجرات، والحجرات ليست خنادق عسكرية خلفتها الحروب إنما منازل تعيش بها أسر بأكملها، تلك الممرات ليست لترك فسحة من الهواء بين الحجرات بل شوارع، أو بالأدق أزقة يمر بها السكان للخروج والدخول لمنازلهم يومياً، صعوداً وهبوطاً.. تدب أقدامنا فى مياه المجارى، نستدير لنمر بأكتافنا وعلى أطراف أصابعنا من ضيق الأزقة، وتصدمنا الصور المخزية التى تعرضها سينما «الحياة تحت خط الفقر» فى فيلم «موت الصياد الذى دهسه البحث عن الرزق».

فى حى المكس بالإسكندرية التقينا «بسبس» الذى حوّلته حرفة الصيد من أب يعول 5 أطفال إلى عاجز ينتظر من يعوله من فقراء المكس.. كانت مشاهد الأطفال الحفاة العراة والحجرات المملوءة بمياه الصرف والجدران التى لونتها الطحالب والبرك باللون الأخضر كفيلة بأن نعود إلى حيث أتينا محملين بهم وغم.

كان رجلاً عجوزاً حين اقتربنا منه صاح الريس «السيد أحمد» قائلاً: «أهو ده بسبس، الصياد اللى كان يسرح بالشهر فى البحر ويرجع مايشتكيش ويشيل أجدعها مركب شغل وشقا وصيد»، وقبل أن نحاول البحث عن يده التى لم تصب بالشلل لنصافحها سبقتنا دموع زوجته وصرخاتها: «جوزى أكل عضمه البحر، والحكومة دهسته علشان خرج يصطاد لأجل ما يجيبلنا اللقمة بعد أيام النوة اللى جوعنا فيها زى كل أهل المكس، واليوم يكلف علاجه 1800 جنيه شهرياً فمن أين لنا بهذا المبلغ؟».

لم نملك إجابة نقدمها للسيدة التى بدت نظراتها لنا كغريق وجد طوق النجاة، فارتفع صوت بكائها بعد صمتنا وكأنها علمت أن «ما باليد حيلة».

«بسبس» أو «عبدالمنعم على عبده» الذى لقبه الريس السيد أحمد باللقب الأول لأنه كان دائماً يداعب القطط فى صغره، يقول: أنا خرجت للصيد بمركبى فى عرض البحر ليلاً وكانت أيام النوة انتهت وتركت منزلى بلا طعام لأعود ولو بوجبة أو مال، خرجت مرغماً أبحث كالمجنون عن الإفطار لأسرتى، والأزمة أننى كأغلب صيادى المكس لا أملك تصريحاً بالصيد لأن الحكومة منعت استصدار تصاريح صيد للصيادين وهو ما يعرضنا للمساءلة القانونية، رغم طلباتنا المتكررة وتأكيدنا على استعدادنا لتحمل أى نفقات أو تكاليف لاستصدار التصاريح»، قاطعناه بعد أن بدت عليه علامات التعب من الحديث: «وكيف عدت إلى منزلك مصاباً؟»،

بدأت دموعه تتجلى فى أفق عينيه اللتين غلفهما ملح البحر بالغموض ليقول: «لانش البحرية أدار الموتور على أعلى سرعة ودهس مركبى ودهسنى تحته، وقبضوا علىّ وأنا مصاب وفاقد الوعى وأعانى نزيفاً، ثم ألقوا بى فى قسم شرطة الجمرك لمدة 3 أيام متواصلة بلا علاج أو حتى توقيع كشف طبى ما أدى لإصابتى بشلل نصفى، وصادروا مركبى أو بالأدق ما تبقى منه».

سألناه هل يتقاضى معاشاً؟ فابتسم بحسرة وقال: «ليس لى معاش وكل ما أملكه الآن أن أقول حسبى الله ونعم الوكيل، وأرجوكم توصلوا رسالتى لأى إنسان عنده قلب وضمير مسؤول فى البلد دى، وقولوله بسبس مش حرامى ولا مهرب، بسبس شقيان وصياد جدع وراجل ومالهوش فى المشى البطال وبيحب البلد دى، لكن لما عجز مالقاش تمن الدوا ولا لقمة تسد جوع ولاده، أتمنى الدولة اللى بتعالج ولاد البيه والباشا على حسابها تبص للناس اللى لو تعبت تموت وتعالجهم».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية