تنبأ الكاتب البريطانى والمحلل المتخصص فى شؤون مصر والشرق الأوسط جون برادلى، بحدوث تغير دراماتيكى فى مصر والمنطقة. وقال فى حوار لـ«المصرى اليوم» فى مايو 2007: «مصر تتجه إلى هاوية، لقد قضيت فيها 18 شهراً، وسافرت إلى السعودية، ثم عدت لأقضى عاماً آخر، وخلال تلك الفترة لاحظت التدهور السريع فى كل القطاعات، فالغنى يزداد ثراء، والفقير يزداد فقراً، والهوة بين الشعب والنظام تزداد اتساعاً، وهناك شىء ما لا تستطيع تحديده، مزيج من الإحباط والغضب واليأس، منتشر فى كل مكان، مصر الآن قريبة من حدوث تغير دراماتيكى، والمصريون الآن يعيشون فترة مثل تلك التى سبقت ثورة 1952».
ويرى «برادلى» فى حواره التالى أن مصر تتجه إلى عصر ظلامى، من الشمولية الدينية، فى ظل حكم فاشى يتعامل بقسوة مع معارضيه، وأن التجربة الإيرانية التى جنى ثمارها الإسلاميون فقط، رغم أنهم كانوا مجرد فصيل فى الثورة ضد الشاه، تتكرر فى مصر الآن، ويؤكد أن الإسلاميين لم يشتركوا فى الثورة من البداية، لذا ليس من حقهم الدفاع عن مبادئها فقد وصلوا إلى الحكم بصفقة سرية مع العسكر وواشنطن.
■ توقعت فى حوارك الأول مع «المصرى اليوم» وقوع ثورة فى مصر.. لكن هل تخيلت أن تنطلق شرارتها من الطبقة الغنية والمتوسطة؟
- فى البداية، دعنى أوضح أننى تنبأت بوقوع تحول حاد فى مصر، يطيح بنظام مبارك، وكان واضحاً لى بناء على قراءتى لتاريخ مصر الحديث، أن هذا التحول سيؤدى إلى فوضى اجتماعية، وتدهور حاد فى الاقتصاد، وكما تخيلت سيطر العسكر لفترة ثم ملأ الإخوان المسلمون الفراغ السياسى، كما توقعت تماماً، وأشرحه فى كتابى الأخير «بعد الربيع العربى.. كيف اختطف الإسلاميون ثورات الشرق الأوسط».
على أى حال، حدث التحول الحاد فى مصر لكنى أجزم بكل جدية أن الثورة لم تتحقق بالكامل، لأن المؤسسات الداعمة للنظام السابق، لم تسقط إطلاقاً مثل وزارة الداخلية التى لم تشهد إعادة هيكلة ومازالت عناصرها التى كانت خارج السيطرة وارتكبت جرائم فى وظائفها حتى الآن كما هى ومازالت المؤسسة العسكرية تسيطر على 30 إلى 50٪ من اقتصاد الدولة، وميزانيتها لا تخضع لرقابة برلمانية أو تدقيق.
لقد حل الإخوان المسلمون مكان نظام مبارك، لكنهم لا يختلفون عنه فى القسوة، ولا يخدمون سوى جماعتهم فقط، وخضوعهم الشديد للغرب، كما أن إسرائيل مازالت الحليف الرئيس.
وفى الوقت الذى مازال فيه الناس يشكون من اختفاء الأموال، التى نهبها نظام مبارك، لا أحد يعرف من أين يحصل «الإخوان» على تمويلاتهم الضخمة رغم أنها معلومات أساسية، يجب الكشف عنها، إذا أراد نظام الإخوان التعامل بصدق وشفافية مع شعبه.
■ كيف تقيّم صعود الإسلاميين فى مصر؟
- لم يلعب الإسلاميون دوراً فى الثورة من البداية، لكنهم دخلوها بالتبعية، لذا ليس من حقهم الدفاع عن مبادئها، فهناك صفقة دبرت بليل بين المؤسسة العسكرية و«الإخوان» والولايات المتحدة، لتحقيق هدف رئيس، هو تهميش دور الثوار، وتعميق مصالح هذه الأطراف مجتمعة.
وتأسس اتفاق عميق الجذور بين الأطراف الثلاثة حتى اليوم، وفى إطار ما نشاهده حالياً، فإنها لم تعد ثورة، لكنها لعبة كراسى موسيقية سخيفة، لعبت للأسف بكل قسوة وغرور، من جانب الإخوان والأمريكيين وجنرالات الجيش.
لكن على أية حال، سواء كنت تعجب بهم أو تحتقرهم فمن الواجب الاعتراف بذكاء الإسلاميين، فقد مارسوا لعبة الديمقراطية بشكل مبهر، فهم منظمون وملتزمون ومطيعون ولديهم طاقة لا نهائية.
■ ذكرت فى حوارك الأول معى أن سوء الأوضاع الاقتصادية سيؤدى إلى ثورة، فهل ترى نفس الظروف الآن؟
- الاقتصاد فى مصر أسوأ بمراحل من حاله قبل الثورة، ويصاحب ذلك تزايد فى معدلات البطالة والتضخم والجريمة والفقر وهروب رؤوس الأموال الأجنبية، وكل هذه المساوئ مرشحة للتزايد يزيد عليها ارتفاع حاد فى الأسعار.
لقد ارتفعت أسعار القمح والذرة، فى أسوأ موجة جفاف شهدتها الولايات المتحدة الأمريكية أخيراً، ولمن لا يدرك العلاقة، فإن المجتمع المصرى مقبل على كارثة إنسانية، مع قدوم الربيع، حين ترتفع أسعار القمح عالمياً وتطبق على الجميع.
ومن الوهلة الأولى يمكن تخيل أن قرارات «نظام مرسى» بترشيد نفقات الحكومة، استجابة لاشتراطات البنك الدولى، تبدو انتحاراً سياسياً، لكن على أية حال من يقول إن هؤلاء الإسلاميين يهتمون بالاقتصاد، إن كل ما يهمهم هو منح مزيد من النفوذ على المؤسسات لحلفائهم السلفيين، لفرض فاشيتهم الدينية، وإعطاء مشايخهم سلطة التحكم فى صناعة القرار.
■ مؤشر تأييد الشارع للإسلاميين فى الانتخابات يتراجع.. فهل تعتقد أن ما يحدث يعكس تحولاً ضدهم فى الشارع؟
- مع احترامى جداً لتقييمك، إلا أنك ترتكب خطأ كلاسيكياً، رغم صحة الأرقام التى تستند إليها، لأنه وإن كان هناك انخفاض واضح فى نسبة تأييد الإسلاميين، إلا أن هناك انخفاضاً مقابلاً فى نسبة المشاركين عموماً من أول استفتاء، حتى الأخير.
لكن هذا يثير لدينا نقطة مهمة تتمثل فى أن الإسلاميين يحظون دائماً بنسبة تقدر من 20 إلى 25٪ من الشعب المصرى، ولو قدرنا بالاستناد إلى الواقع أن 30٪ من الناخبين المسجلين سوف يشاركون فى الانتخابات البرلمانية المقبلة، فإن الإسلاميين سيحتاجون فقط إلى حشد 20٪ من أعوانهم، للفوز بنسبة 70٪ من المشاركين.
أؤكد: لا يعمل الإسلاميون على الفوز بتأييد غالبية الشعب، فذلك لا يهمهم إطلاقاً، لكنهم يعملون على الفوز بغالبية الأقلية، التى تحرص دائماً على التصويت.
المشكلة الحقيقية، ليست فى وجود جماهير لديها نزعة دينية متطرفة، أحمق من يدعى ذلك، لكنها تكمن فى حالة عدم المبالاة لدى الكثيرين، عند الحديث عن السياسة أو المشاركة فى الانتخابات.
■ كثير من المصريين خصوصاً الشباب، الذين قادوا الثورة، يشعرون بخيبة أمل كبيرة من النتائج التى تحققت حتى الآن.. هل تعتقد أن هؤلاء فقدوا الحماسة لتكرار تجربة التغيير التى خاضوها؟
- الثورات لا تحدث كل يوم، والمظاهرات تنقطع مثل المطر تماماً، ولا يمكن أن يضحى العامة بكل حياتهم فى ميدان التحرير، فلديهم عمل وأسر يجب عليهم الاهتمام بهم.
وفى ظل المواجهات، التى حدثت أخيراً، هناك من يريد أن يضرب أو يعذب أو يقتل بقايا النظام السابق، أو الميليشيات الإسلامية الجديدة.
لا شك أن الشباب الذين قاموا بالثورة يعانون من حالة يأس وإحباط وقلة حيلة، ربما أكثر من قبل الثورة، لأن حلم الديمقراطية والعدالة تحول إلى كابوس مؤلم، وهذا هو حال مصر اليوم للأسف.
وحال الشعب الآن يشبه فترة ما بعد نكسة 1967، حين أفاق المصريون من المثالية الناصرية، وعاد الإسلاميون إلى الظهور، ممثلين ظاهرة ثقافية طفت على السطح تحت حكم «السادات».
لكن أقول للشباب المصريين، لو أنكم لا تريدون الخضوع للشمولية الدينية فعليكم التخلص من الكسل والمشاركة بفاعلية فى الانتخابات البرلمانية المقبلة وعدم اليأس حتى لو تطلب الأمر الوقوف 10 ساعات للوصول إلى مقر التصويت.
عليكم التأكد من أن قراراتكم الشخصية هى التى تتحكم فى مستقبلكم ولو أن الشباب ليس لديهم إرادة التضحية ليوم واحد فلا يلومون إلا أنفسهم بعد ذلك.
■ ما تقييمك لأداء الرئيس محمد مرسى حتى الآن؟
- بالرغم من أن الرئيس «مرسى» مسؤول دستورياً عن كل ما يحدث على المستوى السياسى فى الدولة، إلا أننى أرى أنه ليس من الإنصاف أن أنتقد عجزه عن حل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التى تفاقمت خلال الفترة القصيرة من حكمه.
وأرى أنه من الغباء والسذاجة أن يعد الشعب بحل كل هذه المشكلات خلال مائة يوم، لأنه بدا كمهرج يتلاعب بـ15 كرة فى التوقيت نفسه، وهى مهمة مستحيلة بالتأكيد، وسببت خيبة أمل كبيرة فى كل دقيقة تمر بعد المائة يوم.
وفى البداية قام بتثبيت قواعده الإسلامية من خلال تعيين كثير من الوزراء الإسلاميين فى الحكومة ما أثار حفيظة المعارضة، بالرغم من أن هذا يبدو طبيعياً فى ظل فوز الإسلاميين بأغلبية واضحة فى جميع الانتخابات والاستفتاءات.
وفى الوقت ذاته، قام «مرسى» بتأمين جانب المؤسسة العسكرية التى تحصل على معونة 1.4 مليار دولار سنوياً من أمريكا ولا تريد خسارتها، ما يستدعى بالضرورة الحفاظ على معاهدة السلام مع إسرائيل.
فى النهاية هو يقع الآن أسير القروض التى ينتظرها من صندوق النقد والبنك الدوليين، والتى بدونها ستعانى البلاد اقتصادياً لدرجة كبيرة، لكن فى الوقت ذاته تفرض اشتراطات قاسية سيعانى الشعب المصرى فى تحملها.
■ ما سر صمت الغرب عما يحدث فى مصر خصوصاً فيما يتعلق بقتل المتظاهرين وسحلهم وتعذيبهم.. هل يأتى هذا فى إطار الصفقة التى أشرت إليها؟
- بالتأكيد هناك صفقة بين الغرب و«الإخوان»، هذا ليس جديداً، والكل يعلم ويدرك العلاقة التاريخية السرية بين الغرب والجماعة.
التاريخ يؤكد أن «الإخوان» تلقوا تمويلاً من البريطانيين خلال الأربعينيات من القرن الماضى، لمواجهة المد القومى المناهض للملك فاروق، الذى كان دمية فى يد الاستعمار.
هناك أسطورة يروجها اليمين الأمريكى، بأن جماعة الإخوان المسلمين، هى نواة الجهاد العالمى، لكن هذا غير حقيقى فى جماعة نفعية منافقة، لا يهمها سوى تطبيق أهدافها أياً كانت الوسيلة حتى لو كان التحالف مع الشيطان نفسه.
■ إذن إلى أين تسير مصر؟
- الأمور تسير من سيئ إلى أسوأ، ولا أمل فى تحسن قريب على جميع الأصعدة الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية، ولو فاز الإسلاميون فى الانتخابات البرلمانية المقبلة ستغرق البلاد فى عصر من الشمولية الدينية.
وما نراه الآن هو إعادة للثورة الإيرانية 1979، إذ يسير الإسلاميون فى مصر على خطى الإيرانيين، من خلال السعى لضمان أن تكون كل القوانين وأشكال التعبير الثقافى مطابقة لتفسيرهم المتشدد للإسلام، ما سيؤدى إلى إنتاج قوانين تضمن أن يكون أى مرشح قادم للرئاسة خارجاً من عباءتهم كما حدث فى إيران.