x

مهرجان طنجة.. بيت السينما المغربية

الأربعاء 06-02-2013 23:29 | كتب: رامي عبد الرازق |
تصوير : other

المهرجانات بأنواعها الوطني والدولي والإقليمي، هي بحق بيوت السينما التي تجتمع فيها خلاصة خبرات المشتغلين والمبدعين في هذا الفن أمام جمهور المهتمين والمتابعين لما يقدمه الفيلم من خبرات حياتية ونفسية وذهنية ومعلوماتية، تُشعر المتلقي بأنه جزء من كل، وأن حياته التي تبدو عادية جدًا ومغمورة لأقصى حد ربما تتواصل وتتصل عبر الشاشة مع حيوات بشر آخرين في أطراف الدنيا أو في مساحات الزمن الماضي والحاضر والمستقبل.

يعتبر مهرجان طنجة الوطني أحد أهم بيوت السينما القومية في الوطن العربي, وحتى وقت قريب كان يعتبر ثاني أكبر مهرجان قومي بعد المهرجان القومي في مصر, ولكن توقف المهرجان القومي المصري عقب ثورة يناير- ناهينا عن انحدار مستواه خلال السنوات التي سبقت توقفه – إضافة إلى إقامة بيت جديد من بيوت السينما القومية في الشرق، ونعني به «مهرجان الخليج السينمائي» الذي أعاد ترتيب الأهمية بين قوائم المهرجانات القومية العربية, ليصبح المهرجان الوطني في المغرب رقم واحد بحكم أقدميته التي وصلت هذا العام إلى 14 دورة يليه مهرجان الخليج السينمائي، الذي تقام دورته السادسة في إبريل المقبل - وقد وصل عدد الأفلام التي استقبلها هذا العام إلى 1200فيلم - وليشكل كلا المهرجانين نافذة حقيقية على إنتاجات السينما المغربية والخليجية، ومساحة للتواصل بين صناع السينما العربية ومتلقيها من ناحية، وبين صناع هذه السينما ونقادها ومتابعيها ومؤرخيها من ناحية أخرى.

21 فيلمًا طويلًا و14 فيلمًا قصيرًا تتنافس هذا العام على جوائز تصل إلى أكثر من نصف مليون درهم مغربي, تمنح عبر 15 جائزة في مسابقتين أساسيتين، هما مسابقة الأفلام الطويلة، التي تضم الروائي والتسجيلي, وهي حصيلة إنتاج السينما المغربية على مدار عام كامل, ومسابقة الأفلام القصيرة، التي يتم اختيار أفلامها من بين أكثر من 50 فيلمًا قصيرًا تنتجها المغرب سنويا لتضخ بها دماء جديدة في شرايين السينما الأكثر تنوعًا في الشرق الأوسط.

واعتبار السينما المغربية هي السينما رقم واحد في تنوع الإنتاجات الفيلمية هو محصلة منطقية لمتابعة إنتاج هذه السينما خلال السنوات الأخيرة, صحيح أن السينما المصرية لا تزال تتربع على رأس قائمة الأكثر إنتاجًا إلا أن السينما المغربية تنافس بقوة على هذه المقارنة العددية ففي مقابل 24 فيلمًا مصريًا تم انتاجها خلال 2012 ــ حسب ما أوردته غرفة صناعة السينما ــ لدينا 21 فيلمًا سوف يتابع الجمهور المغربي عروضها خلال فعاليات المهرجان الوطني والممتدة في الفترة من 1إلى 9 فبراير الجاري.

أما من حيث كونها الأولى في التنوع ونعني به تنوع الموضوعات والتيمات والأشكال السينمائية والأساليب السردية، فقد استطاعت السينما المغربية أن تكسر حاجز الأنواع القليلة المسيطرة على السينما المصرية والتي لا تخرج عن كونها كوميديا هزلية أو أكشن كوميدي أو أكشن بوليسي، وأحيانا ميلودرامي, في حين تقدم السينما المغربية أفلامًا تنتمي إلى أنواع سينمائية متعددة، ولا تحصر نفسها في قالب واحد، حتى مع مشكلات التوزيع والعرض التي تواجهها في أنماط وأنواع سينمائية بعينها فلا يزال الفيلم الكوميدي هو المسيطر في التوزيع محليًا.

هذا العام يعرض المهرجان الوطني أفلامًا تنتمي إلى الكوميديا الفانتازية «فيها الملح والسكر» من إخراج الأخوين نوري, والأفلام السياسية «يا خيل الله» إخراج نبيل عيوش، و«طنجاوي» للمخرج مؤمن سميحي، والكوميديا الاجتماعية «البايرة» إخراج عبد الرحمن التازي، والميلودراما الاجتماعية «خارج التغطية» لنور الدين دوجاني، و«ملاكك» لعبد السلام الكلاعي، و«حياة الآخرين» لبشرى بلواد, وفيلم «القمر الأحمر» المستوحى من حياة الموسيقار المغربي الكفيف عبد السلام عامر، للمخرج حسن بن جلون, والفيلم الفلسفي «خويا» للمخرج كمال الماحوط في أول تجاربه الإخراجية, والفيلم الرومانسي «محاولة فاشلة لتعريف الحب» للمخرج حكيم بلعباس, إضافة إلى التجارب الاستثنائية في قيمتها السينمائية المهمة وعلى رأسها «زيرو» للمخرج نور الدين لخماري، صاحب التجربة الرائعة «كازانيجرا».

لا شك أن هذا التنوع الدرامي يعكس التطور الحقيقي للسينما المغربية، ولولا حاجز اللهجة ومشاكل التوزيع، لأصبحت تلك السينما إحدى أهم السينمات الجماهيرية في الوطن العربي, ورغم مشكلات الإقبال على دور العرض في المغرب إلا أن المهرجان الوطني يشهد اقبالًا كبيرًا على سينما «روكسي» خلال أسبوع عرض الأفلام سواء من قبل جمهور المدينة أو المدن المجاورة أو من المشتغلين بالسينما المغربية، سواء ممثلين أو كتابا ومخرجين وتقنيين، مما يرسم بحق صورة البيت السينمائي كما تحدثنا عنها.

وبالإضافة إلى مسألة التنوع الأسلوبي والشكلي والدرامي الذي نلمحه هذا العام في أفلام المهرجان، ثمة ملاحظة أساسية هي أن 11 فيلمًا من بين الـ 21 فيلمًا الطويلة المشاركة هي أعمال أولى لمخرجين أغلبهم ينتمي لجيل الشباب في السينما المغربية, أي أن أكثر من نصف أفلام المسابقة تعرض لأول مرة وتمثل نافذة عريضة للتعرف على حجم التطور الفكري والأسلوبي لهذه السينما وطبيعة القضايا والموضوعات التي تشغل بال صناع السينما أو الجمهور من خلال هذه الدماء الجديدة التي سوف تسري في شرايين السينما المغربية والعربية على حد سواء.

إن سينما تقدم في دورة مهرجانية واحدة 11مخرجًا جديدًا لهي سينما جديرة بالتوقف أمامها واستشراف آفاق تطورها وسعيها الدوؤب نحو أن تصبح كيانا فنيا وثقافيا معبرا عن حاضر بلده ومستقبلها, ولا ننسى أن للمغرب مشاركات سنوية في مهرجان «كان» وهو أكبر بيوت السينما في العالم وكان آخرها «يا خيل الله» لنبيل عيوش في الدورة الماضية.

صحيح أن الكم لا يعني أن كل التجارب على قدر كبير من النضج والقوة، لكنه في النهاية يعكس استمرارية عجلة الإنتاج وكسرها لكل ما هو نمطي وثابت، فالمخرج الجديد هو في النهاية عقل جديد وموهبة جديدة تضاف لقائمة العقول والمواهب، الأزمة لإبقاء الروح في الجسد وشحن الطاقة للحركة والتقدم.

ولا شك أن الرغبة في التطور وحسن التقييم للتجارب المعروضة، سبب رئيسي في تلك الصبغة الدولية التي تشكل من خلالها إدارة المهرجان برئاسة الناقد السينمائي المغربي نور الدين الصايل، ومن خلال لجان التحكيم وقوائم الصحافة الدولية التي تأتي من تونس ومصر ولبنان وأوربا وليس فقط نقاد وصحفيي المغرب.

 وتحرص إدارة المهرجان سنويا على أن تكون لجنة تحكيم الأفلام الوطنية لجنة دولية تضم توجهات فرانكفونية وأفريقية وعربية ومغربية، وكانت مصر قد شاركت من قبل أكثر من مرة في رئاسة وعضوية لجان تحكيم المهرجان، آخرها العام الماضي، حيث شارك كاتب هذه السطور كعضو لجنة التحكيم الدولية للأفلام القصيرة ومن قبله المخرج أحمد عاطف، ورأس الناقد سمير فريد اللجنة في دورة سابقة, ولكن تغيب مصر عن لجان هذا العام كما يغيب عنها الحضور الأفريقي المعتاد، في حين تشهد اللجان حضورا مغربيا أوروبيا مكثفا يتمثل في رئاسة لجنة الأفلام الطويلة من قبل المخرج وكاتب السيناريو الفرنسي جاك دورفمان، وعضوية تانيا خالي، مديرة اقتناء البرامج في مجموعة تليفزيون فرانس، والناقدة الدنماركية لالي هوفمان، والمخرج التونسي الناصر القطاري، إلى جانب ثلاثة محكمين مغاربة هم الكاتب الشاب رشيد ابن الزين، والمفكرة المغربية غيثة خياط، والمخرج عبد القادر لقطع، وباسثتناء الناقدة الأمريكية سالي شافتو في لجنة تحكيم الفيلم القصير، تأتي اللجنة وطنية بامتياز هذا العام برئاسة خبير التواصل أحمد أخشيشن، وعضوية الباحث خالد السلمي، والكاتبة والمخرجة الشابة مريم التوزاني والممثلة الايقونية لطيفة أحرار.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية