x

بين عماد الكبير وحمادة صابر.. تغيرت الأنظمة و«الداخلية» واحدة

الثلاثاء 05-02-2013 22:27 | كتب: محمد طارق |
تصوير : other

«أخيراً حمادة صابر اعترف وارتاح النشطاء، دلوقتى مفيش مستشفى راضية تاخده، ونحن عاجزون عن الاتصال به عشان مش عايز يكلم حد، حد يقدر يوصلنا بيه»، تدوينة قصيرة كتبتها الدكتورة عايدة سيف الدولة، عضو مركز النديم للعلاج والتأهيل النفسى لضحايا العنف والتعذيب، عقب تراجع المواطن حمادة صابر محمد، الذى تم سحله على أبواب قصر الاتحادية الجمهورى، عن أقواله أمام النيابة العامة، الأحد، فى اتهامه المتظاهرين بالاعتداء عليه أمام القصر، قبل أن يتراجع مرة أخرى تحت ضغوط نفسية مارسها عليه الإعلاميون وعدد من النشطاء.

القصة برمتها أعادت المصريين سبع سنوات سابقة، وتحديدا فى 2006 مع بداية انتشار تجارب النشر الإلكترونى والتدوين، حيث تداول عدد من المدونين مقطع فيديو على موقع يوتيوب لشخص يتم تعذيبه داخل أحد الأقسام عن طريق وضع عصاة داخل مؤخرته، وهو يصرخ متوسلاً إلى الضابط أن يرحمه، «يا باشا أنا آسف، يا باشا معلش»، بعدها بعام تقريباً أحدث تلك الفيديو ضجة واسعة فى وسائل الإعلام، أجبرت المواطن «عماد الكبير» الذى تم تعذيبه بتلك الطريقة على أن يلجأ لمقاضاة الضابط، رغم الضغوط الشديدة التى تعرض لها عماد، وأولها كان وفاة والده من الحزن بجانب الفضيحة بالمنطقة التى يسكن فيها، والضغط الذى مورس عليه من قبل الضباط لمقاضاة الزميل الصحفى وائل عبدالفتاح الذى نشر الحادثة فى جريدة الفجر آنذاك، مع الزميل كمال مراد.

المدون وائل عباس، أحد المساهمين فى نشر الفيديو على نطاق واسع، يقول: «بعد حادثة عماد توصل المدون محمد خالد، دماغ ماك، لهذا المقطع، سألنى فى البداية عن كيفية نشره فنصحته بإنشاء مدونة إلكترونية ونشر الفيديو عليها، وعرضت عليه نشره فى مدونتى، مصر ديجيتال، وفعلا لاقى الفيديو وقتها انتشاراً واسعاً وأحدث ضجة كبيرة أرغمت وسائل الإعلام على عدم تجاهله، حيث كان أول فيديو وقتها يمثل الانتهاك والتعدى الجنسى».

يقول ناصر أمين مدير مركز العربى للاستقلال القضائى، الذى تولى قضية الدفاع عن عماد وقتها: «ثمة أوجه تشابه كثيرة بين قضيتى عماد الكبير وحمادة صابر أولها شراهة التعذيب والعنف الذى مورس ضدهما، كلاهما جرد من ملابسه وتم تعذيبه، وثانيها أن التعدى عليهما حدث من ذات الجهة وهى وزارة الداخلية، وثالثها أن الجريمة كانت مصورة، وشوهدت على مرأى ومسمع من الجميع، ورابعاً حجم الضغوط التى مورست عليهما من قبل وزارة الداخلية، وأخيراً موقف النظام المتشابه تماماً الذى يحاول الكذب وإنكار الحقيقة على حساب الضحية».

ويحكى «ناصر» أنه بعد الاعتداء على عماد وتعذيبه داخل قسم بولاق الدكرور، فى البداية رفض أن يأخذ أى إجراء ضد الضابط إسلام نبيه، لمدة سنة، إلى أن اكتشف الواقعة عبر المواقع الإلكترونية، فحاولت التواصل مع الضحية، واستطعت تحديد مكانه بمساعدة الكاتب الصحفى وائل عبدالفتاح، وفى البداية كان غاضباً جداً، بعد نشر موضوعه فى جريدة الفجر، وتوسل لى حينها أن أوقف الإجراءات وأسحب البلاغ، خشية على نفسه وأهله من الاعتقال، فى الوقت الذى كان يهدده فيه الضابط تليفونياً باستمرار، وأرغمه على عمل محضر ضد الصحفى وائل عبدالفتاح بنشر أخبار كاذبة عن الواقعة، فتوجهنا إليه وحاولنا إقناعه بهدوء شديد بضرورة أخذ حقه، وعدم الخوف، فاقتنع وحضر معى الجلسة الثانية للتحقيق التى استمرت سبع ساعات حكى فيها ما حدث له، بعدما اطمأن إلى النيابة التى كانت وقتها برئاسة المستشار بكر أحمد بكر، رئيس نيابة جنوب القاهرة وقتها، وبعدها مباشرة اتخذت النيابة قراراً بضبط وإحضار إسلام نبيه، ضابط الشرطة وأمين الشرطة، رضا فتحى، وأحيلا إلى محكمة الجنايات مباشرة، وصدر الحكم بالسجن 3 سنوات لكل منهما.

يضيف الأستاذ ناصر أمين: «وقتها وصل الخوف بعماد إلى انتقاله من مسكنه، بالإضافة إلى التهديدات التى تعرض لها بالاعتداء على أهله، وتعرضت لتهديدات للتنازل عن القضية، وتلقيت تهديداً بالاعتداء على ابنى من بعض عناصر الوزارة».

محاولات كثيرة حاول النظام من خلالها الانتقام من عماد، بعد حصوله على الحكم ضد الضابط «إسلام نبيه»، لأن القضية أظهرت قبح الوزارة فى ذلك الوقت، وهزت أركانها داخلياً وخارجياً، حسب الأستاذ ناصر أمين، «سعى الضباط بقدر الإمكان إلى إثبات أن عماد مجرم، وكان ذلك بين عامى 2008 و2010 عن طريق توريطه فى مشاجرة وقعت بشارع ناهيا، وتلفيق العديد من المحاضر له وتحويله إلى الجنايات، وتمت تبرئته وحصل على البراءة فى ديسمبر 2010، حتى جاءت الثورة وقابلته بميدان التحرير يوم 25 يناير، دون اتفاق بيننا».

يقول الكاتب الصحفى وائل عبدالفتاح على موقع التدوينات القصيرة تويتر: «لم نكن نعرف عماد الكبير، لكننا لم ننم عندما سمعنا صرخته من انتهاكه بعصا فى مؤخرته، عندما كتبت عن عماد الكبير كان خائفاً وتحت التهديد إلى درجة أنه قدم بلاغاً ضدى بعد ضغط رهيب وابتزاز بإعادة اعتقاله هو وعائلته، لكن المجتمع المدنى من مدونين وصحفيين وحقوقون كله قاوم أيام مبارك وعاد حق عماد الكبير، وانتهى بصرخته فى المحكمة، حين نطق القاضى بالحكم: «أنا كده استريحت، الحمد الله».

ويضيف أن «الداخلية استعادت كل أساليبها الموروثة فى سحل إنسان، وتحويله إلى كيان مهدر لا يصدق أن له حقوقاً أو وجوداً وبالتالى من السهل خضوعه الكامل، كل ما حدث مع حمادة تكرار لما حدث مع عماد الكبير الذى قاوم دفاع المجتمع عنه، حتى اكتشف من إصرارنا ومن قوة دفاعنا عنه أن هناك قوة لا تخاف السلطة»، مشيراً إلى أن عماد الكبير أخفى ما حدث له، سنة كاملة، وعندما حضر إلى مكتبى أول مرة كان عبارة عن كومة من بقايا بنى آدم تحت جلد وعظم، لكنه استرد إنسانيته، عندما حكى حكايته كاملة أمام النيابة، وساعتها تغيرت ملامحه ولمعت عينه كأنه ولد من جديد.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية