x

يهود مصر.. ساهموا في بناء الوطن ثم هاجروا بسبب «الإخوان» وتفجيرات الموساد

الأربعاء 16-01-2013 22:52 | كتب: أحمد بلال |
تصوير : اخبار

 

طوال تاريخ مصر لعب المواطنون اليهود أدورًا اقتصادية وسياسية وفنية لا يمكن إغفالها، ثم بدأت موجات هجرة وتهجير، في أواسط الخمسينيات، بعد تعرضهم لهجمات يقول باحثون إن جماعة الإخوان المسلمين مسؤولة عنها ردًا على الجرائم الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، وبعد تفجيرات لعملاء الموساد في مصر ولّدت كراهية تجاه اليهود المصريين.

وقبل بدء هذا النزاع، عاش اليهود جنبًا إلى جنب مع المسلمين والمسيحيين المصريين، وبرزت شخصيات يهودية في المجتمع المصري لعبت دوراً لا يمكن أن يستهان به، ومن هؤلاء قطاوي باشا، الذي كان وزيراً للمالية، ثم للنقل والمواصلات والذي ظل عضواً في مجلس النواب حتى وفاته، بالإضافة إلى يعقوب صنوع، الشهير بـ«أبو نضارة»، وهو رائد المسرح المصري، وكان يصدر صحيفة مهتمة ومتحمسة للشأن الوطني، اسمها «أبو نضارة»، وكانت سبباً في إصدار الخديو إسماعيل أمراً بنفيه من مصر، ليواصل إصدار جريدته من فرنسا ويهربها إلى مصر.

عرضان مسرحيان مصريان، اسم كل منهما كفيل وحده، ودون أي تفاصيل أخرى، بالحديث عن حالة التسامح التي شهدتها مصر طوال تاريخها، الأول مسرحية «حسن ومرقص وكوهين»، لنجيب الريحاني، والثاني «فاطمة وماريكا وراشيل»، لعادل خيري، كل اسم من الأسماء يشير إلى ديانة، مسلم ومسيحي ويهودي، وكل اسم أيضًا بجانب الآخر يعيشون على أرض مصر ويستظلون بسمائها.

ومن بين الشخصيات اليهودية التي لمعت أيضاً في تاريخ مصر، المخرج توجو مزراحي، وليليان ليفي كوهين، الشهيرة باسم كاميليا، والموسيقار داود حسني، وراشيل إبراهام ليفي، الشهيرة باسم راقية إبراهيم، ونجمة إبراهيم، ونظيرة موسى شحاتة الشهيرة باسم نجوى إبراهيم، والتي حصلت على «درع الجهاد المقدس» لدورها أثناء حرب الاستنزاف، بالإضافة إلى المحامي اليهودي الشهير مراد فرج، كما يوجد العديد من الأسماء اليهودية التي مازالت موجودة حتى الآن مثل شيكوريل، شملا، عدس، ريكو، وبنزايون ومعناه باللغة العربية بن صهيون.

لم يعد يتبقى في مصر الآن سوى عشرات قليلة من المصريين اليهود، بعدما هاجر بمحض إرادته من هاجر، وهُجر منها رغمًا عنه من هُجر.

كان عام 1948، الذي شهد إعلان قيام إسرائيل على أرض فلسطين، عامًا فاصلًا في تاريخ المصريين اليهود، قبل هذا العام، وتحديدًا في الفترة ما بين 1917 و1947، غادر مصر 4020 يهودياً إلى فلسطين، كان جزء كبير منهم من اليمنيين والمغاربة والإشكناز الذين أقاموا في مصر بشكل مؤقت كما يقول جوئل بينين، مؤلف كتاب «شتات اليهود المصريين».

أليكس شيانين كان واحداً من هؤلاء الذين هاجروا من مصر بمحض إرادتهم في هذه المجموعات، وقد نشر مركز أبحاث تراث يهود مصر في إسرائيل، في تقرير له في 2008 مقالة لـ«شيانين» جاء فيها أن خروجه من مصر كان في الفترة من 12: 14 إبريل 1946 بعد أن تلقى تدريباً في قرية صغيرة جداً في ضواحي الإسكندرية.

يقول «شيانين»: «المجموعة كانت في التدريب حوالي 55 عضوا، كلهم عمرهم حوالي 19 سنة، تم أخذنا في ليلة لمعسكر كبير، وهناك كان 3 أعضاء من أرض إسرائيل يلبسون ملابس مدنية، أقسمنا اليمين لمنظمة «الهاجاناة» (عصابة صهيونية عملت على اغتصاب فلسطين وكانت نواة للجيش الإسرائيلي فيما بعد)، و تعهدنا بالحفاظ على الأسرار.

وفي 15 مايو 1948 أعلن بن جوريون قيام دولة إسرائيل، فقرر عدد من اليهود في مصر، خاصة الأشكناز، الهجرة للكيان الوليد عن طريق شبكات صهيونية سرية، مثل منظمة جوشين، متخصصة في تهريب الصهاينة بأموالهم، إلا أن هذا العام لم يشهد سوى هجرة 189 يهوديًا فقط من إجمالي تعداد اليهود في مصر والذي وصل في عام 1947 إلى 65639 يهوديا منهم 14808 يهود أجانب وحوالي 10 آلاف يهودي مصري، والباقي لا يحمل أي جنسية.

ومن ناحية أخرى بدأت حملة اعتقالات في صفوف اليهود في مصر والذين تم الاشتباه في نشاطهم الصهيوني، ويقول المحامي المصري اليهودي شحاتة هارون عن هذه الحملة «من أودعوا المعتقلات عرض عليهم البقاء فيها أو المغادرة النهائية فآثر العديد منهم المغادرة خلال السنتين والنصف التي امتد إليها الاعتقال»، وهو ما يفسر تزايد نسبة المهاجرين اليهود من مصر خلال الأعوام التالية، فارتفع العدد من 189 مهاجرا فقط في عام 1948 إلى 7145 في العام الذي يليه، و7187 في عام 1950، و2086 في العام الذي تلاه، فكان الإجمالي 16607 مهاجرين يهود، وهو ما يعادل ربع عدد اليهود في مصر في هذه الفترة.

لم تكن الهجرة الطوعية لليهود الصهاينة ولا موقف السلطة هما الأمران الوحيدان اللذان أديا إلى هجرة هذا العدد من اليهود خلال هذه الفترة، حيث شهد عام 1948 أيضا عددا من التفجيرات التي تورطت فيها جماعة الإخوان المسلمين ضد اليهود في مصر كرد فعل على الجرائم الصهيونية ضد العرب في فلسطين، ومنها تفجير استهدف محل شيكوريل وأريكو بشارع فؤاد أسفر عن إتلاف جانب كبير من المحلين في يوليو 1948.

كما انفجرت قنبلة في محل عدس بشارع عماد الدين، وفي أغسطس من نفس العام حدث انفجار أمام محل بنزايون بميدان مصطفى كامل ومحل جاتينيو بشارع محمد فريد أسفرا عن خسائر جسيمة بالمحلين، وفي محاولة لوقف تلك الأعمال الإرهابية ضد اليهود، وضعت الحكومة المصرية حراسة مشددة على محال اليهود وممتلكاتهم، إلا أنها لم تمنع استمرار تلك التفجيرات والتي أدى أحدها إلى قتل 20 مواطن وإصابة 61 وانهيار 4 منازل وتصدع 6 في تفجير في حارة اليهود في سبتمبر من نفس العام، كما قتل 19 يهوديًا وجرح 6 في انفجارات أخرى في نفس الشهر.

ما إن قامت ثورة يوليوحتى حاول قادتها طمأنة يهود مصر في ظل النظام الجديد، فقام اللواء محمد نجيب أول رئيس جمهورية لمصر بزيارة معبد اليهود القرائين في العباسية، مؤكدا لهم أن الدين لله ومصر لكل المصريين، وأنهم جزء لا يتجزأ من الشعب المصري، كما قامت الطائفة اليهودية في مصر بمباركة الثورة بعد عشرة أيام فقط من قيامها.

وعندما قام الشيخان أحمد حسن الباقوري وأحمد طاهر بالتهكم على اليهود من خلال الإذاعة المصرية سنة 1953، واحتج الحاخام اليهودي لدى اللواء نجيب قاما بالاعتذار رسميًا، كما تم اختيار زكي عريبي المحامي في لجنة وضع الدستور في يناير 1953 ممثلًا للطائفة اليهودية، إلا أنه كان هناك من يتربص بتلك العلاقة الطيبة بين النظام الجديد وبين الطائفة اليهودية بصفتها جزءًا من نسيج المجتمع المصري، فقد قامت إسرائيل بعدد من العمليات استخدمت فيها يهودا مصريين والتي كان من شأنها إظهار اليهود في مصر بأنهم طابور خامس.

كان على رأس تلك العمليات عملية سوزانا أو ما عرف بعد ذلك باسم «فضيحة لافون»، والتي تورط فيها بعض الشباب اليهودي المصري مثل الدكتور موسى ليتو مرزوق والمهندس صموئيل باخور عازار، وقد أسست المخابرات الإسرائيلية هذه الشبكة بفرعيها في القاهرة والإسكندرية على يد ضابط الموساد إبراهام دار والذي عرف باسم جون دارلنج، وتم نقل أعضاء الشبكة إلى إسرائيل عن طريق فرنسا لتلقي التدريب اللازم هناك، وبعدها بدأت الشبكة الجاسوسية عملها في مصر عن طريق تصوير بعض المواقع العسكرية المصرية ونقل بعض المعلومات والخرائط عنها وتفجير بعض المنشآت.

كانت عملية سوزانا نقطة تحول كبيرة في حياة اليهود في مصر، يقول إيمانويل ماركس، مدير المركز الأكاديمي الإسرائيلي الأسبق في القاهرة، إنه لولا عملية سوزانا لما كانت الطائفة اليهودية بالقاهرة قد تم تدميرها، وقال «إن هؤلاء المسؤولين عن الأعمال القذرة قد استغلوا اليهود في مصر لأسباب غير ذات أهمية، و قد تسبب ذلك في التمزق (في العلاقات بين اليهود وغيرهم من المصريين)».

عدد كبير ممن هاجر إسرائيل من اليهود المصريين في هذه الفترة سواء رغبة منه في الهجرة أو إجباراً عليها، كانوا في غالبيتهم من اليهود الأشكناز الذين كانت مصر بالنسبة لهم مجرد محطة لفلسطين، بالإضافة إلى عدد من الفقراء الذين لن يستطيعوا العيش في أي مكان آخر سوى إسرائيل لما توفره للمهاجرين إليها من سبل للمعيشة والراحة.

لم يتبق في مصر سوى بضعة آلاف فقط من يهودها، واستمروا في التناقص بعد ذلك خاصة بعد نكسة 1967، وعن أسباب هذه الهجرة يقول د. محمد أبو الغار: «كان من الأسباب المهمة قيام دولة إسرائيل، لكنه لم يكن السبب الرئيسي، فقد هاجر إلى الخارج 20% فقط من اليهود المصريين وذهب أقل من نصفهم إلى إسرائيل، خلال السنوات من 1946 حتى عام 1956 لأنه تم إلغاء الامتيازات الأجنبية».

ويضيف «أبو الغار» أنه «ومع منح أفضلية للمصريين في قوانين العمل، وحيث إن معظم اليهود كانوا يحملون جنسيات أجنبية أو بدون، فقد وجدوا صعوبة في العثور على وظائف، أما الأغنياء من اليهود فقد لاحظوا أن الدولة تحد من سلطة رأس المال الخاص، وخلال تلك السنوات ضغطت إسرائيل على اليهود المصريين، ليهاجروا من وطنهم عن طريق القوة الهائلة للصهيونية العالمية، وعن طريق إثارة الفتنة والكراهية ضدهم من الشعب المصري، بأحداث مثل فضيحة لافون».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية