كانت «رصاصات نحاسية» فصارت «مطلية بالذهب»، هكذا كان حال منتخب زامبيا الذي بين عشية وضحاها غير بيانات بطاقة هويته من منتخب مغمور يكتفي بالتمثيل المشرف إلى بطل لأفريقيا، وها قد واتته الفرصة بعد عام واحد من إنجازه التاريخي لتأكيد جدارته بترسيخ اسمه بين عمالقة القارة السمراء.
في 2012 كتبت زامبيا شهادة ميلاد منتخبها الذي دخل أخيرًا بين زمرة الكبار بعد عقود طويلة من التهميش، فـ«الرصاصات» انطلقت في أحراش القارة، وباتت تبث الرعب بين الأسود و النسور والثعالب.
وينسب الفضل للمدرب الفرنسي الشاب إيرفي رونار، الذي جمع شتات منتخب فقد أفضل لاعبيه في حادث طائرة أليم قبل عقدين من الزمان، ليصنع من أبنائهم جيلًا انحنى له العالم، ووضعه على رأس المفاجآت السعيدة التي شهدتها ملاعب الساحرة المستديرة في العام المنقضي.
ولحسن الحظ تدخل زامبيا نسخة جنوب أفريقيا متمتعة بنفس قوام جيلها الذهبي، وتحت إمرة المدرب ذاته، فضلًا عن أن معنوياتها تناطح عنان السماء بعد اقتراب حلم التأهل لمونديال البرازيل 2014 للمرة الأولى في التاريخ.
وإذا كانت زامبيا قد حققت الإعجاز في 2012، فهي في مشاركتها الـ16 بأمم أفريقيا، وفي النسخة الـ29 من العرس القاري لن تقبل بالتنازل عن لقبها، خاصة مع استمرار غياب العملاقين مصر والكاميرون، ومع اكتسابها خبرة في التفوق على المرشحين الآخرين للقب غانا وكوت ديفوار.
وحتى قبل إنجاز 2012 كانت زامبيا تتمتع بتاريخ مشرف في النهائيات، وكثيرا ما لقب منتخبها بـ«الحصان الأسود»، فقد خسر نهائي بطولتي 1974 أمام الكونغو الديمقراطية و1994 أمام نيجيريا، واحتل المركز الثالث أعوام 1982 و1990 و1996.
وستخوض زامبيا غمار البطولة على أرض المونديال الأخير، وهي على رأس المجموعة الثالثة التي تضم أيضا نيجيريا وبوركينا فاسو وإثيوبيا، وتبدو فرص حاملة اللقب شبه مؤكدة للتأهل للدور الثاني برفقة النسور الخضر، ومن ثم الاصطدام في ربع النهائي بأحد فرق مجموعة الموت الرابعة، التي تضم وصيف البطولة السابقة كوت ديفوار بجانب تونس والجزائر وتوجو.
وأطاحت زامبيا بأبرز ثلاثة منتخبات مرشحة للقب (كوت ديفوار- غانا- السنغال) في النهائيات الماضية، حيث يتمتع لاعبوها بقدر كبير من المهارات الفردية والسرعة.
ففي البطولة الأخيرة نجح في تصدر المجموعة بالفوز على السنغال والتعادل مع ليبيا، ثم الفوز على غينيا الاستوائية، وفي ربع النهائي أطاح بالسودان قبل أن يتخطى غانا في نصف النهائي.
وأصبح يوم 12 من فبراير عيدا قوميا للزامبيين، ففيه توج منتخبهم للمرة الأولى بكأس الأمم بعد الفوز الملحمي في المباراة النهائية على المرشح الأول للقب كوت ديفوار 8-7 بركلات الترجيح في مفاجأة مدوية، بعد أن انتهى الوقتان الأصلي والإضافي بالتعادل السلبي في العاصمة الجابونية ليبرفيل.
كانت ليبرفيل مصدر إلهام وشحن للمعنويات لنجوم زامبيا، فهي نفس الأرض التي تحطمت عليها الطائرة العسكرية عام 1993 التي كانت تقل منتخبهم إلى السنغال لخوض مباراة في تصفيات مونديال الولايات المتحدة 1994، وهي الكارثة التي راح ضحيتها 30 شخصا، من بينهم 18 لاعبا، بالإضافة للمدربين والمرافقين، ونجا منها فقط الهداف التاريخي كالوشا بواليا الذي كان محترفا آنذاك في أيندهوفن الهولندي.
وبدأت الجماهير تحفظ أسماء مثل القائد كريستوفر كاتونجو، المحترف بهينان الصيني، وشقيقه فيليكس، لاعب بترو أتلتيكو الأنجولي، ورينفورد كالابا، لاعب مازيمبي الكونغولي، وإيمانويل مايوكا، لاعب ساوثهمبتون الإنجليزي، الذين باتوا أبطالًا شعبيين في بلادهم.
وفاز كاتونجو (30 عاما) بجائزة (بي بي سي) لأفضل لاعب أفريقي عام 2012 بعد تفوقه على نجمي كوت ديفوار ديديه دروجبا ويايا توريه، والمغربي يونس بلهندة والسنغالي ديمبا با، ليصبح أول لاعب من دول جنوب القارة الأفريقية يفوز بهذه الجائزة، تكليلًا لما قدمه في الـ«كان» الأخيرة، فضلا عن فوز المدرب الفرنسي بجائزة أفضل مدرب في القارة من قبل كاف.
ويبرز في خط الهجوم جيمس تشامانجا، المحترف بلياونينج الصيني، كما عاد جاكوب مولينجا، مهاجم أوتريخت الهولندي، إلى المنتخب بعد أن حرمته الإصابة من اللعب في البطولة الأخيرة، أما في خط الدفاع فالأضواء ستكون مسلطة على الصاعد إيمانويل مبولا، الذي يرغب أرسنال الإنجليزي في التعاقد معه.
كما ضم رونار لاعب الوسط المحلي موكوكا مولينجا، نجم باور ديناموز، الذي اختير كأفضل لاعب في زامبيا عام 2012، حيث يرى المدرب الفرنسي أن اللاعبين المحليين أكثر تعطشا للمشاركة، والتألق في جنوب أفريقيا والاحتفاظ بالكأس.