قليلون فى مصر هم الذين يعرفون قيمة وقامة الدكتور محمود حافظ رئيس مجمع اللغة العربية.. فالرجل أمد الله فى عمره، وبعيداً عن «العربية» ومجمعها الخالد، ينقصه عام واحد ليكمل المائة عام.. وهو رائد علم الحشرات فى مصر فعلياً، أى أنه أول مصرى يحصل على شهادات الدكتوراه فى هذا العلم قبل ما يزيد على ٧٠ عاماً، وهو ثانى مصرى يجمع بين رئاسة مجمع اللغة العربية والمجمع العلمى بعد عميد الأدب العربى طه حسين.
لكن الأهم فى مسيرة هذا الرجل، الذى استفزتنى ذاكرته وحُسن تذكره للأسماء والأرقام والسنوات وأبيات الشعر التى قرأها من قبل فى مناسبات عديدة، هذه الملحمة الشعبية والسياسية التى عاشها طفلاً فى بلدة فارسكور حين قاد والده حافظ دنيا ثورة عارمة ضد الاحتلال الإنجليزى ولنصرة سعد زغلول فى ١٩١٩.. وهى ثورة انتهت بالحكم بإعدام الوالد قبل أن يتم إخلاء سبيله بضغط شعبى.. لدى هذا الرجل نادر الوجود حكايات عديدة ونصائح مهمة فى مجالات عديدة نقدم الجزء الأول منها اليوم:
■ نبدأ بفارسكور حيث مولدك فى ١٩١٢.. قرأت فى كتاب صادر عن مسيرتك العلمية واللغوية أن أباك قاد ثورة ضد الاحتلال الإنجليزى؟
- بالفعل.. ونصب من نفسه ملكاً على دمياط، وعين ٢٦ وزيراً، وكانت آثار ثورته هذه أشد تأثيراً وأهمية من جمهورية زفتى، وعندما قامت ثورة ١٩١٩، كان لأبى حافظ دنيا دور كبير فى محيط بلدنا فارسكور والمناطق المجاورة، وكان هدفه محاربة المستعمر والتصدى له، فكون فى بداية الأمر خلية صغيرة تشكلت منه ومن بعض أقرانه الوطنيين، الذين يثق فيهم، وكان هدف الخلية مقاومة الاحتلال البريطانى بجميع صور القتال، ولقيت هذه الخلية قبولاً طيباً من فئات كثيرة من أبناء الإقليم، فالتفوا حول حافظ دنيا يؤيدونه فى قيادته لمناهضة الإنجليز واعوانهم، وكانت شرارة العمل المسلح بمهاجمة المجموعة لمركز شرطة فارسكور، واستولوا عليه، بما فيه من أسلحة وطردوا المأمور وأعلنوا العصيان.. وكان اللافت بعد هذه الحادثة هو انضمام الكثير من العساكر إلى هذه الحركة، التى لاقت التأييد الواسع.. وامتد صداها حتى وصل مشارف المنصورة والمناطق المحيطة بها، وبالطبع كان امتدادها أكثر فى دمياط عاصمة المديرية آنذاك، واتخذت الحركة هيئة الثورة ضد الإنجليز.
■ هل نادى والدك بالزعامة منذ بداية ثورته؟
- لا، بعد انطلاق العمليات اجتمع أعضاء الحركة، وقرروا بالإجماع اختيار المناضل حافظ إبراهيم دنيا قائداً وزعيماً لها، وتدخل المحتل البريطانى بقوته، وأصدر أوامره إلى مدير دمياط- المحافظ- آنذاك لقمع هذه الحركة بكل السبل، فأرسل حامية كبيرة من الجنود الإنجليز بمرافقيهم ومعداتهم، وتمكنوا من اعتقال حوالى ٨٠ من أعضاء الحركة، وإزاء ذلك هددت الحركة بقطع إمداد المياه الواصلة من ترعة الشرقاوية، التى تغذى مديرية دمياط إذا لم يتم الإفراج عن الأسرى، وتفاقمت الأمور وازدادت شعبية حافظ دنيا إلى حد الزعامة القومية، فنصبه الثوار المحيطون به ملكاً على فارسكور وشمال الدلتا، واستمر والدى ملكاً لمدة ٣ أشهر وعشرة أيام.
■ أى أن الثورة فى فارسكور اندلعت بعد رفض الإنجليز مطالب سعد زغلول وفريقه بالتفاوض من أجل المطالبة الوطنية.. وهى بالتالى تواكبت مع ثورة يوسف الجندى فى زفتى؟
- بالفعل الثورتان كانتا متزامنتين.. ولكن دون تنسيق، فالروح الوطنية كانت مشتعلة فى أنحاء البلاد، والمثقفون الوطنيون هم الذين قادوا الحركة فى بلادهم.. وعندما أيقن المحتل الإنجليزى أن ثورة حافظ دنيا وتنصيبه ملكاً على شمال الدلتا بدأت تنتشر مثل النار فى الهشيم كان لابد له من الإمساك برأس الثورة واعتقاله، وتم له ما أراد باستخدام الغدر والوشاية.
فالإنجليز جاءوا إلى منزلنا ووضعوا المدافع أمام بابه، بحثاً عن الوالد، بصفته ثائراً ضد السلطة، وانزعجت وقتها والدتى انزعاجاً شديداً، وكان زوج أخت الوالد نائباً للعمدة فى ذلك الوقت، وهو الذى بلغ الإنجليز عن مكان أبى، حيث كان يختبئ فى منزله، وأرسل الاحتلال ضابطاً صغيراً لإلقاء القبض على والدى، إلا أنه رفض ووكز الضابط بعصاه، وقال له «اذهب وأحضر قائدك إلى هنا»، وبالفعل ذهب الضابط وأحضر قائم المقام وألقى القبض على والدى، وتم ترحيله إلى المنصورة، وهناك تم الحكم عليه بالإعدام، ولحسن الحظ صدر عفو له.. وذلك بعد اشتعال الثورة الداعية للإفراج عنه والتهديد بإشعال دمياط كلها.
■ كيف استقبل أهالى فارسكور هذا العفو؟
- استقبل أهالى فارسكور والدى استقبال الفاتحين بعد عودته من المنصورة، وللعلم فإن والدى تصرف فى جميع أراضيه، التى بلغت ٣٥ فداناً خلال ثورته، رغم أن والدتى نصحته بأن يراعى حقوق أولاده الصغار، إلا أنه لم ينصت لها، ومع ذلك فقدنا كل الأطيان ومرت بنا ظروف صعبة جداً.
■ هل كنت مدركاً لهذه الوقائع؟
- نعم كان عمرى ٧ سنوات مع بداية الأحداث.. وكان عقلى مستوعباً لكل ما يدور حولى، لذلك ترانى أسترجعه بسهولة رغم تقدمى فى السن، وبالطبع سمعته من أبى وأمى بالتفصيل فيما بعد.
■ ما المحطة التالية فى حياتك؟
- فى عام ١٩٢٠ نصح أعمامى، الذين كانوا يعملون قضاه شرعيين، والدى بضرورة إلحاقى بالتعليم الأزهرى، وبالفعل التحقت بمعهد دمياط الدينى، لدراسة علوم الدين، وحفظت جزءاً كبيراً من القرآن الكريم، واكتسبت منه قيماً عظيمة أهمها استقامة اللسان.
■ أعود لثورة والدك.. هل التقى به سعد زغلول بعد العفو عنه وهدوء الأمور فى القاهرة؟
- بالفعل قابل والدى سعد زغلول فى القاهرة، وقال له سعد «يا ابنى لو كانت ثورتك نجحت وكذلك ثورتى، لكان لنا شأن آخر فى مواجهة قوة الاحتلال، ولكن الحمد لله على كل شىء سنعمل بكل جهدنا للقضاء على هذا الاحتلال وإزاحة الغمة»، ومنحه ٥٠ جنيهاً أواخر سنة ١٩١٩.. ولكى تعرف قيمة المبلغ فإن «البيضة» كانت فى سنة ١٩٣٨ بمليم، واليوم سعرها ٥٠ قرشاً، يعنى ٥٠٠ ضعف.. ولا أتذكر بدقة ثمن «البيضة» فى ١٩١٩.. ولكنها بالطبع كانت أقل من المليم.
■ هل قابلت سعد زغلول؟
- مباشرة لا.. لكن فى «السعيدية» أقامت المدرسة حفل تأبين له سنة ١٩٢٧، وكنت طالباً فى الصف الثانى الثانوى، ونظراً لأنى كنت أحفظ جزءاً كبيراً من القرآن الكريم وكنت الإمام للمصلين، فطلب منى مدير المدرسة أن أقرأ القرآن الكريم، وحضر حفل التأبين على الشمسى باشا، وزير المعارف فى ذلك الوقت، وكانت الآية القرآنية التى افتتحت بها الحفل «وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زلفاً».
■ لو عاد والدك مرة أخرى وعاش وسط الظروف الحالية، هل يفكر فى شن ثورة جديدة؟
- لا أعتقد أنه كان سيقوم بثورة، لأن الجو حالياً مختلف تماماً، ففى سنة ١٩١٩ كان هناك محتل أجنبى يكتم على صدر مصر، فكان هذا مثار الحماسة والحمية ضد المستعمر، أما حالياً سيثور ضد من؟، ولكنه لو بعث ثانية، فإنه سيدعو إلى إصلاح الحال، من خلال مجموعة المقالات، مستغلاً إلمامه بالعمل فى المجال الصحفى.
■ وهل سيكون الإصلاح بكتابة المقالات فقط؟
- ما الذى يمكن أن تقوم به الآن، خاصة أن الصحافة فى الوقت الحالى تعج بالكثير من المقالات، كلها تدعو أن تكون مصر بلد رخاء ورفعة ومجد.
■ لماذا اشتهرت جمهورية زفتى فى نظرك أكثر من «مملكة والدك»؟
- أعتقد أن يوسف الجندى كتب بنفسه عن مسيرته وثورته، وكذلك فإن الكثيرين من الكتاب والأدباء وثقوا وقائعها.. لكن، وللأمانة فإن بعض الكتاب الدمايطة نشروا مقالات عن مملكة فارسكور ومنها ما نشره عباس الطرابيلى فى الوفد فى ١٩٨٩ على مدار ثلاث حلقات وكذلك محمود الزلاقى فى ٢٠٠٢ عن نفس «المملكة» فى جريدة العربى.
■ عاصرت التعليم فى ثلاثة عهود: الملكية والثورة.. والوقت الحالى، فما ملاحظاتك على كل منها؟
- فى العصر الملكى، كان العلم متواضعاً جداً، لكن التعليم كان أفضل لأن عدد الطلاب فى الفصل الواحد كان لا يزيد على ١٥ طالباً، وكانت العلاقة بين الطالب والمدرس حميمية جدا، والجو فى هذا الزمان كانت تسوده القيم والمثل العليا ومكارم الأخلاق والتمسك بمبادئ الدين الحنيف، وكل ذلك من شأنه أن يساعد على استيعاب العلم، بالإضافة إلى وجود القدوة الصالحة المتمثلة فى الأب والأم.
■ هل غيرت الثورة فى سير العملية التعليمية؟
- العلم تقدم فى الـ٥٠ سنة الماضية بقدر ما تقدم فى قرنين أو ثلاثة قرون إلى الأمام، اليوم الطالب فى الجامعات والمدارس يتلقى علماً متطوراً إلى أبعد الحدود ،الطفل اليوم يلعب الكمبيوتر ويدخل على الإنترنت، حتى الفلاح الذى كانوا يعتبرونه أجيراً، اختلف كثيراً، أما استيعاب العلم فهو الذى تأثر إلى حد كبير، نتيجة تكدس الطلاب فى الفصول والجامعات، بالإضافة إلى الدروس الخصوصية التى أصبحت نكبة الآن، رغم محاولات الحكومة ووزارة التربية والتعليم الوصول إلى حل جذرى لها.
■ هل تلقيت دروساً خصوصية أثناء دراستك؟
- لم آخذ دروساً خصوصية على الإطلاق، حتى فى مرحلة الثانوية العامة، لأن الطلاب كانوا منضبطين وكانوا يعرفون قيمة الوقت، وكان الآباء والآمهات يساعدونهم فى تحصيل دروسهم.
■ ماذا عن قيم المدرسة السعيدية أيام دراستك فيها؟
- عندما حصلت على الشهادة الابتدائية فى فارسكور بتفوق، صممت الوالدة على إلحاقى بالمدرسة السعيدية، حتى أكون قريباً من سكن خالتى، وكانت السعيدية والخديوية أكبر المدارس الموجودة فى مصر فى ذلك الوقت، وكتبت والدتى طلباً للالتحاق بالسعيدية الداخلية مجاناً، نظراً لضيق اليد، وكان الالتحاق بالسعيدية وقتها صعباً جداً، إلا أننا فوجئنا بساعى البريد يطرق الباب ويخبر والدى بقبولى فى المدرسة السعيدية.
ذهبت ووالدى للسعيدية فى سنة ١٩٢٦، وكان الوضع جديدا بالنسبة لى، وكنت أرتدى وقتها بنطالاً قصيراً وبدلة بنية، وبدأت حياتى فى السعيدية، وكانت مدرسة غريبة، وكانت فيها طبقية واضحة جداً، والطلبة كانوا موزعين فى مجموعات حسب وضعهم الاجتماعى، فكانت هناك مجموعات لأولاد وأحفاد الوزراء وأخرى للباشوات، وثالثة للبهوات ورابعة للأفندية.
وكان يجلس معى على تختة واحدة فى الفصل أحمد محرم، الذى تولى بعد ذلك منصب وزير الإسكان، وعلى يسارى عبدالوهاب البلشى الذى تولى وزارة الإنتاج الحربى، وكان معنا فى نفس الوقت محمد محرم ابن عثمان محرم، ونصيف مرقص حنا ابن مرقص باشا حنا، وماهر دوس ابن عزيز باشا دوس، وماهر صدقى ابن عزيز صدقى باشا.
عندما التحقت بالسعيدية ووجدونى حافظاً لجزء كبير من القرآن الكريم، تبنانى مدرس اللغة العربية واسمه أمين راجى عبد الشافى، وكان منقولاً من مدرسة الناصرية الابتدائية، وسأل مرة إذا كان أحد الطلاب يعرف محفوظات، ووقتها رفعت يدى وألقيت ٤ أبيات لأمير الشعراء أحمد شوقى هى «ما بال الطالب واصل اجتهاده حتى حصل على الشهادة، فلما كحل بأحرفها عينيه وبطرت بزخرفها كلتا يديه، هجر العلم وربوعه ودعا إلى معاهده بأقطوعه، هجر المكاتب وترك المحابر وذهب يخال ويفاخر كأنه يدعى علم الأول والآخر».
فذهل المعلم وسألنى أين تعلمت، فقلت له فى مدرسة فارسكور الابتدائية، على يد الشيخ محمد توفيق.
■ وماذا عن المواقف التى تعرضت لها داخل السعيدية مع هذه «الطبقية» التى تحدثت عنها؟
- فى الصف الثانى الثانوى جاءت الأميرة عين الحياة أخت الملك فؤاد والسلطان حسين وأحضرت ولديها إلى داخلية المدرسة السعيدية وطلبت من الناظر ألا يضعهما فى عنابر مثلنا، فأقام لهما شقة داخل المدرسة، وفى أحد الأيام وأثناء توجهنا إلى الفصل، دخل علينا الولدان، وكانا يتمتعان بملامح شركسية، دخلا وأحدهما لا يرتدى الطربوش، فقال له المدرس «أين طربوشك ياولد؟»، فنظر إليه الولد نظرة غير لائقة، فرفع المدرس الحصة وذهب إلى الناظر، طالباً منه معاقبة الولد، فقال له الناظر إن معاقبته ستسبب لنا مشكلة لأنه ابن الأميرة عين الحياة، فرهن المدرس استقالته بتأديب الطالب.
وبعد تفاقم المشكلة اتصل الطالب بوالدته، التى حضرت إلى المدرسة، وكانت غاضبة لأنهم أخبروها بأن المدرس أهان ابنها، وتم استدعاء المدرس فى غرفة الناظر لمقابلة الأميرة، وقال لها «يا سيدتى الأميرة إذا كنت تريدين أن تعلمى ابنك تعليماً خاصاً، فليكن ذلك فى بيتك أو فى قصرك، أما هنا فالكل سواسية مادامت تجمعهم جدران الفصل»، فتركت المدرس وتوجهت لمقابلة على الشمسى باشا وزير المعارف فى ذلك الوقت.
وما كان من الشمسى باشا إلا أن نصر المدرس على ابن الأميرة، مستشهدا ببيت الشعر «قم للمعلم وفه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا»، وطلب من الأميرة أن يذهب ابنها ويعتذر للمدرس.
■ لو حدثت هذه الواقعة الآن؟
- فين.. دلوقتى.. دول بيضربوا المدرس، للأسف لم يعد هناك احترام للمدرس.
■ هل يمكن لوزير التعليم فى الوقت الحالى إنصاف المدرس على ابن الرئيس أو ابن الوزير زميله كما فعل على الشمسى؟
- يعتمد هذا الأمر فى الأساس على الموقف المبدئى للمدرس.
■ وماذا عن الوزير؟
- فى اعتقادى الشخصى، أن كل وزير يقدر الظروف التى يعيش فيها، فهل يوجد احترام للمدرس حالياً، ده المدرس بينضرب، وهذا يرجع إلى انعدام القدوة والقيم والمثل العليا.
■ كيف ترى المدرسة السعيدية بعد زيارتك لها فى ٢٠٠٧ أى بعد ٨١ عاماً من تركها؟
- ذهبت إليها فى إطار الندوة التى نظمتها جمعية حماية اللغة العربية، والتى أشرف بالعضوية الفخرية فيها، وكانت فى إحدى قاعات المدرسة، وكان من ضمن الموجودين مدير وناظر المدرسة، جاءا للتعرف علىّ فأخبرتهما بأنى خريج المدرسة السعيدية، فعرضا على اصطحابى فى جولة داخل المدرسة، وبمجرد دخولى فيها قلت «تطأ قدماى هذه الأرض المباركة أرض السعيدية بعد ٨١ عاماً أى منذ عام ١٩٢٦ ونحن الآن فى ٢٠٠٧»، فقبل كل من مدير وناظر المدرسة يدى واحتضنانى، وأصابهما هما والمدرسين ذهول لأنهم أمام أحد خريجى المدرسة منذ ٨١ عاما، واصطحبونى إلى مكتب مدير المدرسة، ومنه إلى فصلى فى ٢-١، الذى استرجعت الذكريات فيه.
وتذكرت نظراء المدرسة عبدالحميد الشربينى وبعده محمد رفعت باشا، الذى أصبح بعد ذلك وزيراً للمعارف وعضواً لمجمع البحوث العربية، وأمين سامى حسونة، وتذكرت أيضاً عندما كنت رئيس لجنتى الثقافة والخطابة بالمدرسة.
■ إذن ما الفرق بين السعيدية قديماً وحديثاً؟
- أول ما شفتها قلت «ياخبر أبيض» فين الحديقة العظيمة، على أيامنا كنت تلمح البريق فى كل مكان، أما حاليا فأصبحت شيئاً عادياً، وتم إلغاء النظام الداخلى بالمدرسة، وعندما سألت قالوا لى «أغلقناها لعدم وجود التمويل اللازم» ضاعت الروعة والفن اللذان كانا تتمتع بهما السعيدية قديماً.
■ فى رأيك لماذا وصلت السعيدية وغيرها من المدارس العريقة إلى هذا الوضع؟
- توجد عوامل كثيرة منها انعدام القيم والقدوة، فقديماً كانت توزع علينا الكشاكيل والكراسات، ومدون عليها حكم عن النظافة وقص الأظافر وغيرها من الحكم التى تعلى من قيم الطلاب، وتدعو إلى التمسك بمكارم الأخلاق والدين، وهذه الاشياء تم إلغاؤها فى الوقت الحالى.
■ هل السبب فى السياسة التى تتبعها الدولة فى مجال التعليم أم بسبب انتشار المدارس الأجنبية؟
- أولا المدارس الأجنبية تمثل مصيبة وكارثة كبيرة، فاليوم اللغة العربية تتعرض لهجمة شديدة واعتداء صارخ عليها من قوى عديدة، والله أعلم هل هى قوى تحتية أو قوى مثل العولمة، فمصر بها ٢٥٠ مدرسة أجنبية تعلم لغتها لأولادنا فى غيبة من تعليم اللغة العربية، وحالياً توجد ١٨ جامعة أجنبية وخاصة، وأعتقد أنه بعد عشرات السنوات ستجد آلاف الاجيال من خريجى تلك الجامعات، الذين ينتمون إلى لغة هذه الجامعات دون الانتماء إلى مصر ولغتها العربية.
لابد من تنظيم وقفة صارمة لإصلاح التعليم العالى والجامعى فى مصر، لتضييق الهوة بين التعليم الأجنبى والتعليم الحكومى، ولكن ليس معنى هذا الكلام أننى ضد تعلم اللغة الأجنبية.. تعلمها ضرورة وواجب لكى تتيح لنا إطلالة نيرة على ثقافات الغير وعلى التقدم العلمى العالمى.