لغة الماء من اللغات الحية ذات المفردات البليغة والمعبرة سواء عن الواقع أو حتى عن الحلم، وهى لغة قديمة كتبت بها يد القدرة تاريخ الحياة، ومحت بها هذا التاريخ أيضاً، حين غرق كل شىء بالطوفان الأكبر!.. وهى لغة دقيقة تدخل فى نسيج كل حى، ولا يتحدث بها الأموات!.. وهى أحياناً لغة قوية هادرة حين تتجسد فى شلال هابط أو طوفان مرعب.. وأحياناً أخرى تكون لغة رقيقة راقية فى قطرة الندى وحبات العرق وآثار الوضوء!..
ولغة الماء بحرها واسع باتساع محيطات العالم ذات المياه الباردة والدافئة، وهى لغة عميقة تتفجر منها ينابيع الخير والحكمة، فمن مفرداتها ذلك السحاب المسخر بين السماء والأرض، آية معجزة وهو يسبح فى الفضاء تحركه رياح القدرة، ليسقط هنا أو هناك منفرطاً عقده إلى حبيبات المطر، لتحيا به الأرض بعد موتها، ويشرب المشتاقون والعطشى!..
وهى لغة جميلة معطاءة كالنهر الذى يختال بين الخضرة والزروع، تلمع صفحته حين تطل عليه شمس نهار رائع أو قمر ذو وجه حسن!.. ويجرفنا التيار لنصل هنا حيث تموت لغة الماء، ويتحدث الجفاف قليلاً، ونسمع ضراعة الذين يموتون شوقاً وعطشاً.. هناك تدمع العيون وتسكب ماءها ثم نتيمم بالتراب ونصلى صلاة الجنازة، ونصلى أيضاً صلاة الشكر على نعمة الماء وقطرة الماء، عسانا أن نتوب ونقلع عن عادة استعمال الماء فى سفاهة، وأن نقتصد وإن كنا على نهر!
القاهرة