x

فى المشاعر المقدسة

الإثنين 07-11-2011 08:00 |

هناك سؤال طرحه يوماً «فرانسوا بيرنارد ويج» على مجموعة من المؤمنين فى كل الأديان، وهو: «هل من الممكن - بواسطة تكنولوجيا تصوير الحقيقة - إذا ارتدى الناس أجهزة فوق رؤوسهم مرتبطة بكمبيوتر أن يزوروا الأماكن المقدسة بأورشليم والسعودية؟ أو يزوروا «بازيليكان كلونى فى فرنسا»، أو نهر الجانج الذى يقدسه الهندوس، أو زيتون أثينا، رغم أنهم قد يكونون على بعد مئات الأميال منها، فإنهم يمكنهم أن «يروا» نظرياً مكان العبادة؟

وهل يمكن اعتبارهم قد أدوا فريضة الحج بهذه الطريقة؟ فكانت الإجابة بالإجماع هى النفى، بل اعتبروا أن هذا السؤال استفزاى، إذ لا يمكن أن يكون هناك حج بالمعنى الشامل والدقيق، دون وجود جسد من اللحم والدم، ولا طريق للحجيج دون طريق مترب، ولا عبادة فعالة دون مكان حقيقى لا دخل للتكنولوجيا الحديثة أو المتقدمة فيه إطلاقاً، فالجسد يجب أن يتعب حتى تسمو الروح، والأقدام يجب أن تذهب حيث تخفق الأفئدة، وهذا ما نراه من حشود صخمة - تنقلها الطائرات - وتطوف حول مكة المكرمة بالمملكة السعودية، أو عند كنيسة القيامة بالقدس، أو على ضفاف نهر الجانج، أو فى سهل شارتر فى فرنسا، أو فى منطقة «أبومينا» بمريوط - غرب الإسكندرية - فى القرن الرابع حتى التاسع الميلادى، حيث كانت السفن تنقل الحجاج من مدينة القدس إلى مريوط، رحلة الحج هذه من نوع خاص لا يجوز الخلط بينها وبين أى رحلة أخرى.. هذا العمل فى حد ذاته عمل دينى بحت يخلق رابطة من نوع فريد ومتميز ومريح للإنسان - وربما لا يدرى الإنسان لماذا؟

فهو يربط الأماكن الدينوية بالعالم الفوقانى، ويربط عابرى السبيل بجماعة المؤمنين المرتحلة، ويربط الزائر أو الحاج بلحمه ودمه مع ذاته الأخرى التى ستولد من جديد، لذلك فإن الحج يحتاج إلى ثلاثة أمور - لا توفرها التكنولوجيا الحديثة - وهى مكان مقدس، وطريق مقدس، وهدف مقدس.

فطريق الحاج هو رحلة خلال المكان والزمان، وفى داخل النفس.. هذا الطريق يوحد الحجاج وهم فى حالة معنوية مرتفعة فى حياتهم.. ومن هنا ينشأ التحالف بين الشعوب المشتركة فى نفس العقيدة والثقافة، وياحبذا لو نشأ هذا التحالف بين شعوب العالم كله من منطلق احترام عقيدة وثقافة الآخر من أجل أن يعم السلام فى أنحاء الأرض.

والحاج فى نهاية رحلته الشخصية سواء كان يأمل فى الشفاء من مرض اعتراه، أو فى الصفح عن شروره وخطاياه، أو فى التطهر، أو فى الموت الروحى والولادة الرمزية من جديد، فإنه بلا شك سيكون مختلفاً فى نهاية حجه عما كان فى البداية، فقد حدثت ولادة إنسان جديد، إذ إن الأمور العتيقة قد مضت، وهو ذا كل شىء قد صار جديداً.. فالخير حل محل الشر، والحب حل محل البغض، والرقة حلت محل العنف، والتواضع حل محل الكبرياء، والتقوى الداخلية حلت محل المظهرية الكاذبة، والصدق حل محل الكذب.

فإلى الزاحفين إلى الأماكن المقدسة من كل أنحاء العالم - كل حسب معتقده وثقافته وإيمانه - عليه أن يدرك تماماً أنه أصبح رسولاً للسلام، وأصبح عضواً فى منظمة السلام الدولية.. ولنصل جميعاً - بقلب نقى - من أجل استقرار السلام فى ربوع الأرض كلها.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية