حينما أدار مبارك المخلوع ظهره للتقارير والاستغاثات التى كانت تنذر بتفلت سيناء من الخريطة المصرية، كانت قد ترسخت لديه القناعة التامة «بأنى رئيسكم الأعلى»..
وأن سيناء فى «حفظه ورعايته» بعدما ألقى عليها من نفحاته، بركات مقدسة، حولتها إلى مزرعة خاصة للاستثمار والتربح والنقاهة أحياناً وللتنازلات والحصار والصفقات المشبوهة أحيانا أخرى، وربما إيمانا منه بحلاوة «البطيخة» التى وضعوها فى بطنه صيفاً، وأذاقنا مرارة بذورها فى كل فصول المهزلة التى رافقت حكمه «الشلين».. انشغال الرئيس المخلوع وأسرته بترتيب صفقة العمر..
صفقة التوريث.. ألقى على كاهله «المسكين» عبئاً ثقيلاً شغله عن التفكير ليس فى سيناء فحسب، وإنما فى حاضر مصر ومستقبلها، بعدما تجسدت له بقرة سمينة يهب لبنها لمن يشاء، ويسلخ من لحمها لمن يشاء، ويحرم من يشاء، ويعطى من يشاء، «وأنه كان على ذلك قديراً»!!
لهذا جاءت ثورة 25 يناير فى وقت لم يعد لسيناء نقطتان تحت يائها، ونقطة فوق نونها، وإنما أصبحت سيناء نقطة فى مهب الريح، تبحث عن وطن يستوعب عظمتها وعمقها الأمنى، وتاريخها وأرضها الطاهرة!..
وطن يستحقها، ويحمل فى جوفه قلباً قوياً.. وطن تعلو سماؤه رأساً شامخا وعيونا عصية على الانكسار.. وإذا كانت مصر هى العمق الأمنى والقومى والاستراتيجى للوطن العربى.. فإن سيناء- بعيداً عن التغابى والتجاهل والتآمر- هى بوابة الأمن القومى المصرى، وبالتالى فسيناء «بيضة الميزان» للأمن القومى العربى والشرق أوسطى!
إن القلق والتوجس الذى يخالط مشاعر السيناويين وهم يراقبون السحابة الحبلى التى تغطى سماءهم هذه الأيام ليس مبعثه لونها الرمادى الغريب.. ولا تباطؤ سيرها العجيب فحسب!..
وإنما مبعثه التشكك فى الجنين الذى تحمله!.. أهو بعض صفقات خاصة، على حساب سيناء جغرافياً ومصر إدارياً؟.. وهل لبعض الجيران حصة فى هذا الجنين؟.. وهل سيبارك هذا الجنين الانفلات الأمنى وانتشار المخدرات والحرب الأهلية كمقدمات لخريطة مجهولة تنتظر سيناء؟.. وهل سيبوح الجنين بما يحدث أم أنه «لن يكلم اليوم إنسيا»!
الخطوة الأمنية الأخيرة لنشر القوات المسلحة فى سيناء، والتصدى للفساد وانتشار السلاح، هى بلا شك خطوة على طريق العثور على الوطن من جديد والتشبث به!..
خطوة ضرورية لإعادة الهيبة للقوات المسلحة.. وخطوة تحذيرية قوية لمن يفكر فى العبث فى سيناء!..
وكما استطاعت سماء سيناء الصافية أن ترصد فساد السابقين الذين خططوا لإسقاط مصر.. فإنها لا تزال صافية وقادرة.. لكنها مشغولة الآن برصد شجاعة قواتها المسلحة التى عادت «أسداً» ليطهر سهولها وجبالها من فئران العملاء والعابثين والبلطجية.. وعاد شعب سيناء ليراهن على جيشه العظيم من جديد!
شمال سيناء