عد يا عبدالناصر لنشكو لك هذا الذى أدمن المرض، وراح يحارب العلاج والمعالجين، هذا الذى ليس له من نفسه واعظ ولم تنفعه المواعظ.. عد لتقف على آخر ما وصلنا إليه بعدائنا لبلدك وبلدياتك.. عد ولا تخف، إذ لن نلتقى فى مواقع هى بؤر للمولوتوف أو للخرطوش أو لقنابل الغاز ولا حتى الحجارة، ولن نلتقى فى مدن نعرف أنك عشقتها كالقاهرة والسويس وبورسعيد والإسكندرية وكثير غيرها، لن نجهدك أكثر مما أجهدناك قديماً! لن نحكى لك إلا عن خمسة فى المائة من الظلم والقهر والتخريب والإساءة والخيانة والعمالة والسرقة والسقوط بمصر إلى الدرك الأسفل من قائمة البلدان التى فقدت مقومات الأوطان، سوف نحكى لكم بعضاً من القفشات والمسليات حتى لا نؤذيكم كثيراً.. سوف نقص عليك نبأ أناس أبلوا بلاء حسناً بأن علموا الكون كيف تراق الدماء الذكية وكيف تهان الإنسانية، وكيف تدهس أجساد الشرفاء تحت عجلات ذات حصانة دبلوماسية، وكيف نمتع السائح بأن يتعرف على وظائف استحدثت للإبل والخيول والبغال، وكيف تكون المواقع التى سوف تدخل التاريخ بدلاً من بدر وأحد والخندق واليرموك، إنها «موقعة الجمل» فى ميدان تحرير قاهرة المعز بين الدولة الإسلامية من ناحية، ومن الناحية الأخرى الإمبراطورية الفارسية أو الرومانية لا يهم، لأنه يحكى أن الإمبراطوريتين الفارسية والرومانية كانتا متواجدتين فى الميدان فدكتهما خيول وجمال وبغال الحزب الوطنى دكا دكا، لقد كان لحم العدو طرياً وكانت سكاكين الحزب حادة، الحزب الذى فشلتم فى تأسيس حزب على شاكلته، خيول ليست من فصيل حصان سراقة، ولا من حظيرة داحس والغبراء ولا من زريبة خالتنا البسوس!!.. عد يا عبدالناصر ربما يمكن إقناع مريضنا بصرف روشتة العلاج التى كتبتها منذ عقود، ويرفض مريضنا صرفها من الصيدلية الوطنية العربية الأفريقية الإسلامية، عد لتقنعه بأن الجمال والخيول والبغال إنما تخرج العملة الصعبة طوعاء من جيوب الزوار العاشقين لهذا البلد، وليس لإخراج أرواح الثائرين المصريين من أجسادهم! عد لتقولها لهم بأنهم خونة ويستحقون المحاكمة العلنية العادلة التى تعيد للوطن بهاءه وكرامته ومكانته المستحقة بين الشعوب، إنهم عميان، ولقد أضلونا إذ ضل من كانت العميان تهديه!! عد يا عبدالناصر، لقد أصبح الدمع كلام كل العيون.. عد فما زالت فى مصر بقع من الأرض لم تقع عليها عيون اللصوص، ومن هنا لم تمزقها أيديهم ولم تدنسها أقدامهم.. عد لنصنع من هذه الأشلاء وطناً يتعافى ويبعث فينا العافية!.. عد فالوطن يئن ويبدو أنه سعيد بأنينه الذى جعله لا يسمع ولا يعى صيحات وصراخ ونصائح الشرفاء بضرورة العلاج، إنه ينتحر مع سبق الإصرار والترصد، فكيف يضيع وطن مشى على ترابه زعيم بقيمة وقامة عبدالناصر، كيف نصبح أبناء أرملة لم يمت زوجها؟! عد لنعرف طريقنا إلى الراحة إذ أى روح ترتاح وزادها التعب.. عد لننتقم من العتمات بكشف الشمس وليعود الضائعون من الضياع.. عد ليدخل الدخلاء والمزورون ومنتحلو أسماء الغير والمزيفون والشخصيات الكرتونية، ليدخلوا جميعاً جحورهم، فالكثيرون يدعون الزعامة، أى يدعون أنهم عبدالناصر.. عد لتضعهم فى سلة مهملات التاريخ، أو «لا مؤاخذة» تجبرهم على السكنى فى برميل القمامة.