سواء اتفقنا أو اختلفنا حول اسم ما حدث فى عام 1952 من حيث كونها ثورة أم انقلاباً عسكرياً، فإن المتفق عليه كتعريف دقيق جامع مانع أنها حركة اشتعلت شرارتها الأولى من رحم صفوف الجيش المصرى بعد أن تمخض، فأنجب ما عُرف بالضباط الأحرار، اعتراضاً عما حاق بالبلاد فى هذه الآونة من استشراء للفساد فى شتى مناحى الحياة تحت نير الوطأة الملكية، فكانت النواة الأولى لهذا الحدث الجلل الذى أعقبه تضافر قوى الشعب بجميع أطيافه لمؤازرتها، هذا التضافر الذى لولاه لأجهضت تلك الثورة، ولأصدرت أحكاماً بالإعدام للقائمين عليها بتهمة الخيانة العظمى لجميع الضباط الأحرار وعلى رأسهم الرئيس الراحل محمد نجيب، والزعيم جمال عبدالناصر وغيرهما من القيادات.
أما عن ثورة يناير فهى الحالة العكسية التى تتمثل فى ثورة الشعب، التى أعقبتها مساندة من الجيش، الذى لولا دعمه إياها لأعدم الشعب المصرى كله بتهمة الخيانة العظمى ونكران الجميل!!
والفارق «الوحيد» بين الثورتين فيما أعتقد يكمن فى أن الأولى وعلى الرغم من سريتها وعملها لفترة طويلة فى طى الكتمان فإنها كانت تعمل تحت قيادة بالمعنى الفنى الدقيق لهذه الكلمة.. أما الثانية ورغم توحد كلمتها ابتداء فإنها لم تستظل بأى قيادة، اللهم إلا قيادة الروح الوطنية وإعلاء مصالح الوطن التى اتضح أن قلوب وعقول الشباب غنية وعامرة بكليهما!!
وبهذه المناسبة العظيمة، أعتقد جازماً أنه قد آن الأوان للتوحد من جانب فرقاء القوى السياسية المتناحرة على كلمة سواء.. عليهم إلقاء المصالح الشخصية وراء ظهورهم، وأداء الدور الوطنى المفترض أنه منوط بهم الانسحاب التام من الساحة السياسية ولو مؤقتا تاركين أمرها لكل شاب وكل فتاة شاركوا بأرواحهم وحناجرهم وقلوبهم وعقولهم فى إنجاح هذه الثورة، خاصة أن الغالبية العظمى من هذه القوى السياسية كانت مثالاً للخنوع فى ظل النظام البائد، مما أصابها بالموت إكلينيكياً، ذلك الموت الذى ليس بعده حياة، وإنما موات إثر موات!!
احتفالاً واحتفاء بهذه الذكرى العطرة، اتركوا الشباب بطهارتهم ونقائهم بين أيادى الجيش البيضاء ليحتضنهم ويلبى طلباتهم المشروعة، طالما أنهم دفعوا ضريبة نجاح هذه الثورة من دمائهم، ودماء ودموع أسرهم وذويهم!!