هذه الضجة الكبرى المثارة حول الدستور قبل أو بعد الانتخابات البرلمانية، والحرص الشديد على صياغة دستور يحد من سلطات الرئيس القادم ويقلم أظفاره، حتى لا يتكرر ما حدث، هل لها ما يبررها؟
الرأى عندى أننا نبالغ فى تقدير الدور الذى قد يلعبه أى دستور فى حماية الديمقراطية المنشودة بدليل أن بريطانيا وهى أقدم وأعظم ديمقراطية فى العالم لا يوجد لديها دستور مكتوب!! والدفع بأن دستورنا (1971 المعدل فى 1980) هو الذى سمح بانفراد الرئيس بالسلطة وتفرده بالحكم هو قول خاطئ ومردود عليه!!
موطن الداء عندنا لم يكن فى مواد الدستور، ولكن كان فى تجاهلها وتجاوزها سراً وعلناً قولاً وفعلاً، ثم سكوت رجال الدستور الشوامخ وقضاته الأفاضل وجنوده الأشاوس، والمؤسسات المهيبة المعنية- وما أكثرها- عن هذه الانتهاكات، حتى مكنوا للحاكم فى الأرض، وملكوه وحده رقاب العباد! كان الدستور يمنع الوزير من أن يمتهن عملاً حراً خلال توليه الوزارة، ومع ذلك استمر الوزير الفنان يقيم المعارض ويبيع اللوحات، ويقبض مئات الألوف عشرين سنة على التوالى أمام الجميع وعلى رؤوس الأشهاد من شيوخ الدستور!!
ولما جىء به أمام جهاز الكسب غير المشروع متهماً بتضخم ثروته، قال لم أسرق ولكننى خالفت الدستور، فضحكوا فى وجهه وربتوا على كتفه وأرسلوه حراً طليقاً لا تثريب عليه!!
كان الدستور يحظر على نواب مجلس الشعب تولى أعمال حكومية، فضربوا به عرض الحائط! وكان الدستور ينص على أنه على رئيس الجمهورية قبل أن يسعى لتجديد تفويض شراء السلاح لمدة ثلاث سنوات أخرى، أن يقدم لمجلس الشعب بياناً بما أنجزه، ولكن تم التغاضى عن هذا الشرط الدستورى ثلاثين عاماً، حيث كانت تؤخذ موافقة المجلس على التمديد دون الاطلاع على بيان الفترة السالفة بالمخالفة الصريحة لنص الدستور!! وهل كان لوضع السيدة حرم الرئيس وتصدرها مجالس رجال الدولة وتدخلها فيما بدا لها من أمور الحكم أى سند دستورى، وأين كان الشوامخ الأجلاء؟
أمثلة انتهاك الدستور لا تحصى.. الغريب أن لدينا جهات رقابية ونيابية وقضائية ومجلسى شعب وشورى ومحكمة نقض ومحكمة دستورية عليا ومجلساً أعلى للقضاء!!
وجميع أعضاء هذه الهيئات المحترمة لا يعزلون بنص الدستور، ولهم مهام واضحة نص عليها الدستور عهد بها إليهم لو نفذوها لصلح أمر الحاكم ولأقاموا اعوجاجه، ولكنهم سكتوا كلهم جميعاً، حين لم يكن السكوت من ذهب، فآلت بلادنا إلى ما آلت إليه. لم نفسد لعيب فى الدستور، وإنما فسدنا رغم أنف الدستور!!
لن ينفعنا دستور جديد مهما أحكمنا مواده، ولن يجدى كونه صيغ قبل أو بعد الانتخابات ما لم نستأصل بذرة النفاق والفساد من نفوسنا، ومرة أخرى انظروا إلى بريطانيا هل قادها إلى ما هى فيه دستور مكتوب، أم عزم الرجال القائمين على الأمر وصدقهم؟