الموضوع باختصار هو الموقف من «قتل بن لادن»، وربما يكون موقفى من الإرهاب بحاجة لتوضيح، أنا ضد الإرهاب، خاصة المقنّع منه بكسوة دينية. لكنى أيضاً وبوضوح ضد الإرهاب الأمريكى الاستعمارى، خاصة المقنّع منه بكسوة ديمقراطية وحقوق الإنسان. أما عن مقتل بن لادن، فإننى أستغرب أن يهلل الكثيرون لذلك الحدث بصفته «انتصاراً». أفهم أن يدعى الغرب الاستعمارى أن ذلك «انتصار» لكن لماذا نتصور نحن ذلك؟ سيجيب البعض: لأن بن لادن إرهابى، وأقول لهم: نعم بن لادن إرهابى، لذا أأنتم فرحون باستئصال «ذلك الإرهاب»؟.
سيجيبون: نعم فرحون باستئصال ذلك الإرهاب!! فأقول: مقتل بن لادن عملية ذات طابع مزدوج، إذ إنها تشتمل على استئصال «إرهاب» بإرهاب آخر أكبر!! وبالنسبة لى، لا أستطيع أن أبارك لمدفع كبير حين يقصف مدفعاً صغيراً، ولا أستطيع أن أبارك لسكين مشحوذة طويلة وهى تكسر سكيناً أخرى أصغر، لأننى فى الحقيقة- حين أسعد بمقتل بن لادن- أكون قد وقفت «ضد الإرهاب ومع الإرهاب» فى الوقت ذاته.
الذين سرهم مقتل بن لادن فاتهم أن أمريكا هى التى صنعته، وأن «صناع الإرهاب الكبار» خاضوا معركتهم ضد أنفسهم. كنت سأسعد كثيراً، لو أن المجتمع الأفغانى، أو الباكستانى، كان قد تطور وملأت أنوار العلم والثقافة سماءه، بحيث يعزل بن لادن عن أى تأثير. أما أن يقوم «المجرم الكبير» بتصفية «مجرم صغير»، فليس فى ذلك ما يسعدنى، لأن تلك الحقيقة لا تنطوى على عناصر تقدم المجتمعات، بل على حقيقة انتصار الشر الأكبر على شرور صغيرة، والإعجاب بذلك الانتصار إعجاب بالشر الأكبر فى نهاية المطاف، لا.. لست سعيداً بمقتل بن لادن.
وأظن أن المطلوب، كان، وما زال هو إجبار أمريكا وغيرها على التخلى عن سياستها الاستعمارية، وعلى الخروج من أفغانستان والعراق وفلسطين، وعلى الكف عن عمليات اغتيال القادة فى العراق وليبيا وغيرهما، بحيث تتمكن تلك المجتمعات من مواجهة واستئصال شأفة الإرهاب بكل أنواعه.. إنك لا تستطيع فى وقت واحد أن تدين منهج الإرهاب، وأن تؤيده فى الوقت نفسه!!
أقول: لا، لست ممن أسعدهم مقتل الإرهابى بن لادن بأيدى الإرهاب الأمريكى. لا أجد نفسى فى ذلك، ولن يقودنى أحد إلى الوقوف كتفاً بكتف إلى جوار الإرهاب الأكبر، لأحتفل بمصرع إرهاب صغير!! فما الذى يمكن أن يسعدنى حينما تعدم أمريكا بضاعتها التى صنعتها؟ ثم تواصل طريقها لتقدم لنا المزيد من الإرهابيين، والطغاة المحليين، وترسخ الاحتلال والتدمير، بحثاً عن النفط!!