تخيل نفسك أمام ماكينة طحين ضخمة فى نهايتها فتحة لخروج الطحين وأنت تسمع أصواتاً عالية لتروس عملاقة تدور وتدور ثم تنتظر وتنتظر الطحين ولكن لا شىء يخرج من هذه الماكينة الضخمة سوى الصوت المزعج بدون خروج المنتج النهائى أو بمعنى آخر الماكينة مطلعتش قماش.. أتخيل أن هذا هو ما يجرى فى مصر الآن. وأعتقد أننى أتكلم عن شعور طائفة كبيرة من الشعب عندما أقول إنه يوجد الآن حالة من الحراك والضجيج من حولنا ولكننا لا نشعر ولا نجد منتجاً نهائياً جيداً «طحيناً».
فمثلا نسمع أن الداخلية تعمل وأن 97% من أفراد الشرطة فى الشارع «قعقعة أو ضجيجاً» ولا نرى أمناً أو أماناً ونسمع عن حوادث اختطاف أولاد وعن اقتحام محال وعن هروب سجناء، كما أننا نجد فوضى مرورية لا مثيل لها، فالشارع ذو السبع حارات نجده يتحول بقدرة قادر إلى حارة واحدة وبذلك لا نرى «طحناً» وهو الأمن وانتظام المرور. وكثيرا ما أمشى فى الشوارع وأرى الحالة المرورية وأقول «البلد باظت يا جدعان».
ثم نسمع ضجيجاً حول محاكمات وحبس قيادات النظام السابق وحبس الرئيس السابق ونجليه «ضجيجاً»، ولا نرى أحكاماً سريعة ونرى جلسات تؤجل ولا استعادة للأموال المنهوبة «طحناً» بل أصبح كل المقبوض عليهم فجأة يدعون أنهم لا يمتلكون شيئاً. ونسمع عن البورصة ومتى سوف تفتح ولجنة الفتح الآمن واستخدام أموال صندوق المخاطر وإجراءات استثنائية للفتح والاكتتاب العام للأفراد «ضجيجاً» ثم تفتح البورصة فصعدت أسبوعا ثم نزلت معظم ما كسبته فى الأسابيع التالية، وبذلك لم يتبق طحن ولم نعد نسمع سوى الضجيج.
نسمع عن ميدان التحرير وناس تريد أن تعتصم ثم يفتح الميدان من جديد ولكن لا نرى أى مردود سوى مصابين وخناقات بين المواطنين.
نسمع عن ممر التنمية وكيف أنه سوف يغير وجه مصر ويضيف رقعة زراعية كبيرة إلى مصر واكتتاب شعبى فى المشروع ثم عن مشروع آخر للطاقة النووية بالضبعة وهل نلغى المشروع بعد حادثة اليابان «كل هذا الضجيج» وبدون أيضا أى منتج نهائى أو خطوات جادة ملموسة.
ونختم بكلمة من مدرسة المشاغبين وهى «أنا عايز جملة مفيدة» نريد أن نرى تحسناً فى بعض الأمور نريد أن نشعر بفرق ما بين قبل وبعد الثورة وأننا على الطريق الصحيح، وأن هناك حكومة تعمل بجد من أجلنا وتبتكر من الحلول وتنجو من الأزمات حتى نقول كنتى فين ياحكومة شرف من زمان. وأعتقد اننا لكى نحقق ذلك فإنه يجب علينا تغيير الشعار القديم «يد تبنى ويد تحمل السلاح» إلى «يد تبنى ويد تحاكم الفساد»، فنحن الآن مهووسون بالجزء الثانى وهو محاكمة الفساد والمفسدين، ولكن أين الجزء الأول الأهم البناء وهذا هو السبب أننا لا نرى طحنا أو خروجاً للمنتج النهائى أو حتى الابتدائى. فالهدم سهل ومحاكمة الناس وتوجيه أصبع الاتهام سهل، ولكن الصعب هو البناء واقامة شىء جديد ودفع عجلة التقدم وتشجيع الاستثمارات وتطوير التعليم والصحة. ويجب أن نبدأ ولو بأشياء بسيطة تدفعنا قدماً وتشعرنا أننا على الطريق السليم. فلو كان هناك ألف فرد يبنون فيكفى أن يهدم واحد فقط ما يصنعون وكما يقول الشاعر «ولو ألف بأن خلفهم هادم كفى فكيف ببانٍ خلفه اُلف هادم».