من مواليد فارسكور محافظة دمياط عام 1964حاصل على بكالوريوس المعهد العالى للسينما قسم سيناريو عام 94 دبلومة تليفزيون كلية الإعلام جامعة القاهرة عام 2002 كتب السيناريو والتعليق لمجموعة من الأفلام والبرامج التسجيلية بالتليفزيون المصرى.صدر له بشارة الأربعين «رواية».. دار ميريت عام 2006 فارس كور «رواية».. الدار للنشر والتوزيع عام 2010
تأخذك تعرجات الحوارى الملتوية، فلا تصدق أنك هنا على بعد خطوات من كورنيش النيل ومنطقة العجوزة.. العيون الفضولية تترقبك، فداخل هذه الشبكة العنكبوتية من البيوت المتلاصقة لا مكان للغرباء.. تستوقفك الصورة المطبوعة على الجدران.. يقشعر بدنك من كل هذه الابتسامة المتفجرة بالحياة.. قبل عدة أيام كان صاحب هذه الصورة كائن حى تمتلئ رأسه بآلاف الأفكار والطموحات ولا يكف جسده الفتى عن التحرك فى كل الاتجاهات بحثاً عن مخرج من المصيدة.
«أنا مواليد سبعه وعشرين يناير85.. أنا شغال فى شركة تكييف وتبريد بس معايا مؤهل عالى.. بكالوريوس تجارة وبتقدير جيد جداً.. أنا ساكن فى العجوزة».. بمجرد أن يلاحظ إعجابك بمحل الإقامة يعقب مصطفى بتلقائية وبساطة آسرة.. «ما تتخضش أوى كده.. مش م العجوزة أوى.. أنا ساكن فى الحوارى اللى فى ضهر مسرح البالون.. بس الحمد لله.. الحياة ماشيه.. طبعاً بحلم بوظيفة محترمه.. بس أنا مش شاب سلبى.. أنا باشتغل من وأنا بدرس عشان أكفى نفسى.. ما أنا شايف طفحة الدم اللى فيها أبويا وأمى وكوم العيال المعلق فى رقبتهم.. ما قعدتش أستنى الوظيفة الميرى، دى يابا ليها ناسها دلوقتى.. أنا كمان باخد كورسات فى الجامعة الأمريكية عشان فى المستقبل ألاقى وظيفة محترمة».
كل حارات المنطقة تحتفى بابنها وكأنه عريس قدمته على مذبح الوطن.. كلمات حارة.. شهادات البراءة والطهر والاستقامة.. باقات زهور اشتراها البسطاء لينثروها حول أيقونات مخلصهم.. تسكرك الصورة من حولك.. تنتشى بالأمل.. تصطدم بأحد شباب المنطقة.. يحييك معتذراً وينطلق فى طريقه.. قبل الخامس والعشرين من يناير كان مصطفى واحداً من هؤلاء الشباب أبناء منطقة العجوزة.. يخرج فى الصباح الباكر سعياً على الرزق، ولا يكتفى بالسعى بل يواصل دراساته رغم كل الإحباطات لديه شعور غامض بأنه سيكون هناك مَخْرَج.. مصطفى لديه أحلام بعرض السماء.
ـ إدعيلى بس يا مه أكّون قرشين يسفرونى برا.. هنا مفيش أمل.
ـ وتتجوز خواجايا يا مصطفى.
ـ الخواجات مش وحشين زى ما انتى فاكره يا مه.. هشتغل هناك وأبعت لكم فلوس كتير تحققوا لاخواتى اللى ماحققتهوليش.
عالمه القراءة والكومبيوتر.. يقرأ فى كتب التاريخ عن عظمة بلاده وتاريخها العريق.
صورة الحاضر لا تعطيه أى أمل فى المستقبل.. مثل آلاف الشباب فى سنه يقضى مصطفى وقت فراغه أمام شاشة الكمبيوتر.. عبر هذا العالم الافتراضى يتلاقى مصطفى مع آلاف الشباب الذين يمرون بنفس ظروفه.. يتناقشون.. يبحثون عن مخرج.. يحلمون بغد يتسع لأحلامهم.
يتلقى مصطفى الدعوة على الإنترنت للمشاركة الإيجابية فى تظاهرة من أجل حياة أفضل.. حرية.. عدالة اجتماعية.. يتجادل.. يناقش.. يأخذه الحماس.. يرد على من لا يرى بارقة أمل... يردد لأصدقائه الحكمة التى اعتادت أمه أن ترددها على مسامعه كلما مر بلحظة يأس «على المرء أن يسعى وليس عليه بلوغ الهدف».
صباح الثلاثاء الخامس والعشرين من يناير ينزل مصطفى لميدان التحرير.. يرى مصر المستقبل متجسدة فى هذا الميدان الذى يحتضن كل المصريين باختلافاتهم الدينية والمذهبية والسياسية.. اليوم الكل هنا فى واحد.. ذاب الكل فى اسم مصر.. تختفى كل شارات التمييز فقط العَلم واسم مصر.. لم يكن وحده الذى استجاب للدعوة يجد نفسه نقطة فى بحر من البشر يبحثون عن العدالة والحرية.. عن حقهم فى الحياة.. لم يرهبهم عنف التعامل الأمنى معهم، فرغم حشود كل هذه القوات المدججة بالسلاح كانوا يشعرون بأنهم الأقوى لإيمانهم بما خرجوا من أجله.
يعود مصطفى للبيت سعيداً بالتجربة فقد شاهد فيها البشائر.. يحكى لأسرته بحماسة الشباب عن عظمة التجربة يدعوهم للخروج معه فى جمعة الغضب.. مساء الخميس السابع والعشرين من يناير يحتفل مصطفى بعيد مولده.. يبشر الأصدقاء بأن الغد سيكون ميلاداً جديداً لمصر ويدعو الأصدقاء للنزول معه.. يسهر مصطفى ليلته فى غرفته الصغيرة مترقباً إشراقة شمس الصباح ليخرج للميدان ليأتى لمصر بنهار جديد. كما اعتادت الأم صباح كل جمعة تشعل وابور الجاز فى منتصف الصالة.. فوق الصاجة الملتهبة تنثر حبات البخور وتواصل تخريم العروس الورقية من عيون كل من رأوا أبناءها ولم يصلو على النبى.. تواصل الهمهمة بالدعاء ليحفظ لها الله بكريها مصطفى.. تلقى بالعروس فى أتون البخور المحترق.. تختنق الصالة بدخان توليفة البخور الشعبى.. يخرج مصطفى مبتسماً «يا مه قلت لك ألف مره الحافظ هو الله.. ماشى يا ست الكل ها خطى البخور عشان خاطرك».
مثل مئات غيره من زهرة شباب مصر، لم يعد مصطفى من الميدان.. الأخ الأصغر يقف على ناصية الميدان كل صباح فقد أكد له مصطفى لحظة خروجه أنه سيعود إليه ثانية وهو يثق من عودة شقيقه فهو لم يكذب عليه أبداً من قبل فما الذى يدعوه للكذب هذه المرة.