كنت جالسا فى أحد المقاهى.. وكان الدش يعرض أحد الأفلام الجريئة ذات الفكر العقلانى المستنير.. وفى أحد المشاهد التى صورت البطل وهو فى حالة نفسية متدهورة بسبب الصفعات التى لا تكف الحياة عن توجيهها إليه دون رحمة، إذا به يصرخ معترضا وهو ينظر إلى السماء كأنما يحدث ربه نِدّاً لنِد: «إيه .. هو مفيش فى الدنيا غيرى ولا إيه؟».. وراح يتكلم - تحت تأثير الخمر - عن الحياة والقدر بطريقة لا تخلو من التحدى والاستهزاء.
هنا قام أحد الرجال الملتحين ووقف أمام الشاشة لتحجب لحيته الكثة الرؤية تماما.. وقال فى صوت جهورى كأننا فى خطبة الجمعة: أستغفر الله العظيم.. هل يرضيكم استهزاء هذا الممثل الملعون بالله وبالقدر؟!.. وظل ينصح الناس ويخبرهم أن ما فعله ذلك الممثل الملعون فى الفيلم هو من قبيل سب الدهر.. وأن الله قال عن نفسه: أنا الدهر.. فكأنما الرجل يسب الله!
والمثير للدهشة أن بعض الحاضرين شعروا تحت تأثير كلامه بالذنب وراحوا يرددون عبارات الاستغفار وطلب الرحمة على الذنب العظيم الذى ارتكبوه بمشاهدتهم ذلك المشهد الذى يتطاول على الله!!
طيب الفيلم دلوقتى يا سيدى الشيخ المبجل يصور شخصية رجل مستهتر نصاب غير مؤمن وغير قنوع.. فهل من المتوقع أن يصدر من شخصية كتلك كلام طيب يُرضى رب العباد؟! أم أن مهمة السيناريو أن تضع على لسان البطل ما يناسب تلك الشخصية المنحرفة الثائرة على الدنيا أو الدهر كما تقول؟
هذا الموقف يلخص مشكلتى مع فئة «السلفيين» المتشددة، فقد ابتلينا بكل أسف بمجموعة من الشيوخ تفكر بطريقة منقرضة من العالم كله!! مجموعة من الشيوخ يحلون ويحرمون ويلفقون ويؤولون أى شىء على هواهم دون ضابط ولا رابط يحكمهم.. والضحية فى النهاية هو الشعب غير المثقف الذى يمكن التلاعب به والضحك على عقله بمنتهى السهولة باسم الحفاظ على الإسلام!
والمشكلة الأكبر فى رأيى هو موقف الدولة من هؤلاء الشيوخ المتشددين.. فبدلا من أن تقتلعهم من جذورهم.. فإنها على العكس تماما كانت – وربما لاتزال - تتركهم ينتشرون ويتكاثرون وينجبون للحياة شيوخا أكثر تطرفا منهم، بل وأكثر من ذلك.. إن النظام السابق – بغبائه الفريد - قد منح بعض هؤلاء الشيوخ مناصب لا يستحقونها تاركا لهم الفرصة ليتلاعبوا بعقول المصريين البسطاء واللعب على وتر مشاعرهم الدينية.. وياليتهم توقفوا عند هذا الحد.. بل إنهم حاولوا اقتحام الحياة السياسية من خلال محاولات بلهاء لتديين السياسة أو تسييس الدين.. وتلك هى الطامة الكبرى.. فمعظم الشخصيات الدينية السلفية يتميز للأسف بالجهل السياسى والتحجر الفكرى والتدنى الثقافى والانغلاق الحضارى وعدم الانفتاح على الرأى الآخر.. ومن هنا تتوارى عندهم قيم الحرية والديمُقراطية.. وتنمو بسرعة مذهلة قيم الاستبداد المغلفة بفتاوى المتطرفين وخطب رجال الدين المجلجلة.. وفى النهاية يكون الشعب هو الضحية الأولى والأخيرة
د. مصطفى عمر الفاروق.