x

شعب واحد وثلاث ديكتاتوريات

الثلاثاء 29-03-2011 21:43 |

شعب واحد وثلاث ديكتاتوريات


قرابة الألف شهيد وخمسة آلاف جريح، والنوم على أرض الميادين الرئيسية، فى كثير من مدن ومحافظات مصر لأكثر من أسبوعين، كان هذا هو الثمن الذى دفعناه لنتخلص من ديكتاتورية النظام السابق، ونجبر رؤوسه وذيوله على الرحيل وترك خشبة المسرح، ونضع حداً لتزييف وتزوير إرادة الشعب، من خلال تمثيليات انتخابية، كان النظام يصوت فيها بالنيابة عن المواطنين، ليبايع نفسه ممثلا لهم وحاكما عليهم ومتحكما فيهم، مبررا فعلته بعدم قدرتنا على الاختيار، فنحن – من وجهة نظره – شعب غير مؤهل للديمقراطية.


لذا لم يكن أبدا كثيراً على هذا الشعب الصابر والصامد أن تكون أول مكافأة يتلقاها فى العهد الجديد «استفتاءً نزيها خاليا من التزوير»، كهذا الذى شهدته مصر فى 19 مارس 2011، فالشعب المتعطش لحرية الاختيار لا يرغب فى أكثر من صندوق انتخابات شفاف، لا يتم تغييره أو العبث بمحتوياته، فى المسافة الفاصلة بين لجنة الاقتراع ولجنة الفرز.


ورغم أن استفتاء 19 مارس فى حد ذاته - وبغض النظر- عن نتيجته، كان إعلانا رسميا عن إسقاط نظام ديكتاتورى، فإن الخطاب الإعلامى للنخبة وتعاطيها مع نتيجة الاستفتاء، كان منذرا بأن هناك ديكتاتورية جديدة تلوح فى الأفق، تتخفى وراء عبارات منمقة وتحليلات سياسية منظمة وكلمات مرتبة، كانت تختبئ تحت ملامح وجوه، اعتدنا على وجودها فى صفوف المعارضة الناعمة دائما والخشنة أحيانا، والمتوافقة مع السلطة من خلال الصفقات المستترة غالبا.


الديكتاتورية المعنية هنا هى دكتاتورية نخبة، نصبت من نفسها وصية على الثورة، وأمينة على أهدافها ومتحدثة باسمها، ورغم أن معظم هؤلاء – مع كل الاحترام الواجب لهم – لم يقفزوا إلى مركب الثورة إلا عندما تأكدوا تماما أن مركب النظام على حافة الغرق، فإنهم وظفوا انتشارهم الإعلامى الواسع والكاميرات المستجيبة لوجوههم وأصواتهم المرتفعة فى إقناع الرأى العام بأن كل ثوار مصر، والملايين العشرين، الذين افترشوا ميادينها، مطالبين بإسقاط النظام، يقولون لا للتعديلات الدستورية.


وهكذا جعلوا من وجهة نظرهم عقيدة لثورة ورأياً لثوار، وعندما جاءت نتائج الاستفتاء لتؤكد أن أكثر من ثلاثة أرباع المصوتين قالوا نعم وخالفوا رؤية بعض رموز النخبة، اتجه هذا «البعض» إلى التفسيرات النفسية والدينية، فى محاولة لإقناع الرأى العام مرة أخرى بأن عموم المصريين إما واقعين تحت سيطرة قوى دينية سلفية، أو مؤيدين لحسنى مبارك ونظامه البائد، ولم يدركوا - وهم يرددون هذه التفسيرات التى لا تتفق مع حروف الدال السابقة لأسمائهم – بأنهم يعطوا لجماعات الإسلام السياسى ونظام مبارك البائد شرعية جديدة ، وخلعوا عن الثورة رداء شرعيتها، فبأى منطق يسقط نظام أو يحظر تنظيم يؤيده ثلاثة أرباع المصريين. وقد تغاضى محللو ومنظرو ومفسرو النخبة عن حقائق بديهية فى سياق بحثهم عن مبررات لمخالفة الإجماع الوطنى لرؤيتهم، من بين هذه الحقائق مثلا أن عدد المصريين المنتمين للتيارات الدينية ذات النزعة الصوفية (التى كانت تروج لرفض التعديلات) يكاد يكون ضعف عدد المنتمين للتيارات السلفية (التى روجت لقبول التعديلات)، أضف إلى ذلك أن المشاركين فى الثورة لم يكونوا فقط الملايين الأربعة الذين رفضوا التعديلات، بل كان هناك ما بين عشرة وخمسة عشر مليونا آخرين معظمهم – بحكم منطق الأرقام – قد صوت بنعم.


من جانب آخر افتقدت مبررات النخبة لدعوة الناس لرفض التعديلات كثيرا من جوانب الوجاهة والمنطقية، لدرجة أن كثيرا منهم وقع فى فخ استخدام نفس العبارات، التى كان يرددها رموز النظام السابق، وتوظيف نفس الفزاعات التى لطالما روج لها رجاله، ومن ثم أصبحت «جاهزية الإخوان المسلمين»، و«استعداد فلول الحزب الوطنى»، و«عدم استعداد الأحزاب والقوى الليبرالية للمعركة الانتخابية»، أصبحت هذه العبارات إجابات تساق لدفع المواطنين نحو خانة الـ«لا».


والمطلوب الآن من الـ«77%» التى يتربص بها بعض الظلاميين ونفر من فلول النظام البائد، والـ«23%»، التى يتربص بها بعض المثقفين أصحاب المطامع والمطامح ، أن يثبتوا للفصيلين أنهم ما قالوا «نعم» أو «لا» إلا بتوجيه من ضمائرهم وحسهم الوطنى، وأن يبرهنوا بالدليل القاطع على كذب نظريات رموز النظام البائد، وتحليلات النخبة غير الموفقة، التى تقول بأننا شعب غير مؤهل للديمقراطية، وقبل ذلك وبعده، عليهم أن يثبتوا للظلاميين المتربصين بالدولة المدنية أن مصر أوسع بكثير من فهمهم الضيق للدين.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية