كرسى الحكمة
لم أر المشير محمد حسين طنطاوى رؤيا العين سوى مرة واحدة عندما حضر وبصحبته بعض القادة لتقديم العزاء فى وفاة حبيبى وتوأم روحى، والذى كان بمثابة شقيقى الأكبر، اللواء أ.ح. محمد رضا فودة.. مد يده مصافحاً يشد من أزرى، وكنت أعلم مدى المحبة بينهما.. نظرت إليه متفحصاً مدركاً أنه يتبوأ كرسياً فى منتهى الخطورة والأهمية.. ولكنى لم أتخيل أنه سيتبوأ كرسياً يفوق ما تبوأه بمراحل.. إنه كرسى الحكمة، وسيظل التاريخ يذكره!.
أليست المقاليد حالياً فى يد المجلس الأعلى للقوات المسلحة برئاسة سيادة المشير بعد تنحى مبارك.. ولقد علمت أن هذا المجلس يتكون من ثمانية عشر من قادة القوات المسلحة المصرية.. وكم أتمنى أن تنشر الصحف صورهم وأسماءهم وبياناتهم فسيخلدهم التاريخ تحت قيادة المشير.. لقد ضربت القوات المسلحة أروع صور الحكمة عندما نزلت إلى الشوارع.. فتعاملاتهم وتفهمهم للأوضاع كان رائعاً.. هم يدركون أن أسلحتهم موجهة لأعداء الوطن والدفاع عن المواطنين وليست ضد المواطنين.. ولأنهم من الشعب فهم يشعرون بأحقية المواطنين فى العيش الكريم والانطلاق بالوطن عالياً!
لقد كتبت هنا عن «الكراسى» وأنواعها فى الفترة من 3 ديسمبر 2009 حتى 31 ديسمبر 2009- كل يوم كرسى مختلف!.. وفى 19 ديسمبر كتبت عن «كرسى الحكمة» قائلاً: (قبل أن نتطرق للحديث عن كرسى الكراسى «كرسى الحكم».. أذكركم بأن هناك كرسياً أعظم!.. لا يتمناه معظم حكام العالم الثالث!
إنه «كرسى الحكمة».. كرسى يذكر التاريخ الجالس عليه ويعظمه.. وهناك من انتقل ليجلس عليه برغبته فخلده التاريخ!
نعطى هنا مثالين: شكرى القوتلى، رئيس الجمهورية السورية، الذى تنازل طواعية للرئيس جمال عبدالناصر عن منصبه عام 1958 من أجل الوحدة بين مصر وسوريا، والتى جمعتهما تحت اسم «الجمهورية العربية المتحدة».. غادر موقعه واكتفى باللقب الذى أطلقوه عليه «المواطن الأول»!.
ولكن تجربة الوحدة فشلت بسبب عناد القيادات.. أما الثانى فهو الفريق السودانى عبدالرحمن سوار الذهب الذى سلم الحكم طواعية إلى الأحزاب السودانية، وغادر كرسيه ليعمل فى بعض المؤسسات الخيرية التطوعية.. كثير من شباب اليوم لا يعلمون شيئاً عن هذين الرجلين اللذين انتقلا بكبرياء وشموخ من مقاعد الحكم إلى مقاعد الحكمة..
ترى هل سيذكر التاريخ قريباً اسماً لفارس مصرى يترجل ليضاف إليهما.. سنرى؟!)..
وها هم حماة مصر يعلنون أنهم يتولون إدارة شؤون البلاد «بصفة مؤقتة» لمدة ستة شهور، أو انتهاء انتخابات مجلسى الشعب والشورى ورئاسة الجمهورية.. ما أروعهم رجال!