x

النقطة السوداء

الأربعاء 19-01-2011 17:01 |


لم يكن «سعيد» شخصا اجتماعيا ودودا. ارتاب الكثير أن يفكروا فى الحديث معه ولو لثانية. كان شخصا انطوائيا، لكن كان سريع الغضب. لا يتحدث كثيرا. لم يكن متفائلا البتة. نظر دوما إلى النقطة السوداء فى الصفحة الخالية البيضاء. إن حاول شخص أن يعطيه سببا يجعله سعيدا متفائلا على الدوام، يرد عليه بألف سبب يجعله كئيبا طوال حياته. إن جلس وحيدا فى مكان ما، يظل يفكر طويلا، لا يعرف أحد ما يجول داخل فكره. أحيانا يكتب مذكرات عن أحداث حياته، أو قصة عن أى حدث مر به. لكنه يحتفظ لنفسه بها فى النهاية. كان يخاف أن يرى أحدهم ما يكتب فينتقده ويستهزئ به. وأسوأ ما يحدث فى تلك اللحظة أن ينتفض «سعيد» غضبا ويخسر تحكمه فى نفسه، فيصرخ «سعيد» فى وجهه ويبرحه ضربا حتى الموت. وبعد أن ينتهى «سعيد»، يهدأ، ثم يبكى. إن أراد أن يتأسف إلى ذلك الشخص، ارتاب أن يرد هذا الشخص عليه، فيفعل مثلما فعل معه. الحدث الذى غير مجرى حياة «سعيد»، كلف الآخرين حياتهم. جاء اليوم الذى يخرج فيه «سعيد» ليتواصل مع العالم المحيط به. اتصلت خالته وطلبت منه أن يأتى لزيارتها، فاستعد وذهب إليها. استقل «سعيد» الحافلة. أثناء وجود «سعيد» فى الحافلة، أراد أحدهم أن يستثيره. يحبون دائما إغضاب الناس، بدون أى سبب. ضربه على «قفاه»، فاشتغلت الحالة، والتفت «سعيد» وراءه ونظر إليه شزرا لمدة طويلة، فأبعد النظر عنه، وفجأة أمسكه وأبرحه ضربا حتى حول وجهه إلى شريحة بيتزا. فى ذلك الحين ارتبك السائق ولم يستطع التحكم فى الحافلة. كانت على وشك أن تنقلب، فقفز «سعيد» من الباب قبل أن انقلبت الحافلة رأسا على عقب. غضبه كلف العديد من البشر حياتهم. قرر «سعيد» أن يعود. عند وصوله ظهرت أخته الكبرى، وسألته ماذا حدث جعله يعود، فلم يرد. علا صوتها وطلبت منه أن يلتفت إليها عندما تكلمه، لم يكترث. فأمسكته من ذراعه وصرخت فيه أن يكلمها باحترام، بحجة أنها أخته الكبرى، فلم يتحكم فى نفسه مرة أخرى، وأمسكها، فأبرحها ضربا، بل عذبها، حتى إنها عندما طلبت منه أن يرحمها لم يكترث وجعل يلقيها يمينا ويسارا وعلى الأرض وأرطم رأسها بالحائط، حتى نزفت. عندما جاءت أمه، نظرت إليه ولم تتحدث، وأغمى عليها. أدرك «سعيد» ما فعل. اتصل بالإسعاف. فى اليوم التالى ذهب إلى المستشفى، وسرعان ما وصل وسأل الطبيب المسؤول عن أخته وأمه، سمع كلمتين غيرتا مجرى حياته.. «البقاء لله». لم يتمالك نفسه، ظل يصيح ويصرخ كالمجنون فترة، ثم بدأ يهدأ، فظل كالتمثال فى مكانه. عندما عاد إلى منزله اتصل بخالته كى يتأسف لها عن عدم وصوله، وأن يبيت عندها فترة. اتصل فرد عليه ضابط شرطة. أخبر «سعيد» بأن خالته قد قتلت. سأله عن هوية القاتل. ظهر أن القاتل شقيق الشخص الذى ضربه فى الحافلة. بدأ نور حياته يخفت. لم يتغير للأحسن ولا للأسوأ. ظل يتقلب على الأرض يمينا ويسارا. رفع رأسه إلى السماء. توفاه الله، فنعم الخلاص من ذلك العذاب.


لا تبحث عن كلمات أخرى، فإنها النهاية.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية