x

قلب الطاهرة

الأربعاء 19-01-2011 16:56 |

 

أحبت ولم تُدنس ليس لأنها طاهرة فقط، ولكن لأن قلبها نزف كثيراً فى سنوات عذاباتها المتوالية.. عيناها تنضحان بحزن دفين وفمها لا يستطيع أن ينطق سوى بالحرف المفرح وتقصى جانباً فى زاويتيه الرائعتين الحرف الجارح.. طمع فيها الكثيرون، ظنوا أنها فريسة سهلة للمتعة ولو اقتصرت على المتعة البصرية على حد أكثر تقدير، لكنها كانت حائطاً جرانيتياً منيعاً لكل محاولات من حولها.. إلاّ هو.. إلاّ هو الذى فتح ذراعيه عن آخرهما وجعلها تستلقى بلا إرادة فوق صدره الحنون علها تشفى يوماً من شقائها الممتد منذ أن تركها من أحبته ورحل. لكن كان يوخزها فى صدره الناعم شوكتان بارزتان بشدة، كانت كل شوكة تعرف طريقها جيداً إلى وجهها الرقيق ونبتت شوكة ثالثة فى صدره سوف يكتمل نموها بعد أن تضع زوجته مولودها الثانى بعد أيام قليلة.


تحاول أن تمد يدها لكى تنتزع الأشواك من صدره، ليس خوفاً عليه بل خوفاً على وجهها الجميل من التشويه، لكن عقيدتهما الدينية وحرصها الشديد على اتباع أعراف وتقاليد قريتها يقفان لها بالمرصاد عل الله يتدخل يوماً ما ويحل الأمر.. شوكة رابعة انغرست فى بنصر يدها اليمنى سوف تنتقل مساء الأحد 12 / 9 / 2002 ميلادية إلى بنصر يدها اليسرى، عندما يكمل القس طقوس إكليل زفافها على من لا تحبه، ويضع رأسها مع رأسه فى تاج مقيد للأبد. زاد نمو الأشواك كثيراً فى صدره وانغرست فى جميع أنحاء جسدها حتى أنزفته كثيراً.


احتضن قلب الطاهرة بوداعة لا تخدش كبرياء وكرامة زوجته ولا تؤثر على مستقبل ابنته أو مستقبل ابنه الذى يراه على البعد بذرة فى طور التكوين النهائى تنتظر الرعاية حتى يكتمل نموها بسلام.


طلب من البقال الذى يقع أسفل منزله كرتونة مهملة ثم أخذ بقلم يكاد ينقضى حبره يرسم مقبرتها الفخمة، وبمقص يعلوه الكثير من الصدأ صمم بناءه الكرتونى.. بعد أن انتهى من إعداد المقبرة تناول قلبها الطاهر برفق وأودعه داخلها وأقام ضريحها داخل ميدان فسيح هو نقطة التقاء الأذنين بالبطنين فى قلبه الرهيف.


غرة مارس من كل عام كان يقام المولد السنوى للست الطاهرة وكان يفد على قلبه النقى العشاق من كل صوب وحدب ومعهم ذبائحهم وقرابينهم وأمتعتهم القليلة حتى يتبركوا من ضريح الست الطاهرة.


فى غفلة رأى صديقه يقبض بشدة على علبة سجائره ويلقيها أسفل ضريح الطاهرة وهو يعلن بأنه تبرأ تماماً من دنس التبغ اللعين الذى تشبع به دمه وأن الله تاب عليه منه لكنه بعد قليل رآه هو بعينه، نفس الصديق يجلس على مقهى قريب أقامه صاحبه على ناصية قلبه الواهن يدخن النرجيلة بشراهة عجيبة.


كل عام بعد أن ينفض المولد وكالعادة يخرج منه بلا حمص يعكف طوال العام على تجميع بقايا الزوار وتنظيف الضريح وكسح الدماء المتخثرة من جراء ذبائح الزوار، التى لا يستطيع بكل ما تعمله من أرقام أن يحصى عددها، زد على ذلك دماء أولئك العشاق الذين يرون أن طهارتهم من هوس العشق المقدس لن تتم إلا بالانتحار على جدران ضريح الطاهرة علها تغفر لهم، تغفر عشقهم وجنونهم بمحبوباتهم اللائى خن بعضهن بعضهم بالزواج من آخر أو خان بعضهم بعضهن بالمضاجعة مع أخريات أقل منهن جمالاً وعشقاً.


فى آخر مولد أقامه للست الطاهرة داخل قلبه الذى وهن بفعل الدخان اللعين الذى نخر صدره، ومنقوع (البراطيش) الذى كان يحتسيه بشراهة غريبة فى الآونة الأخيرة، لم يعد قلبه قادراً على الصمود أكثر من ذلك فانفجر بشدة حتى استحال إلى أشلاء متناثرة فى كل جزء من جسده، ولم يسلم من هذا الانفجار الشديد سوى قلب الطاهرة الذى رآه بجناحين نوريين فى موكب بهى ملائكى يطير صوب السماء حتى استقر أسفل قدمى العلى القدير.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية