أنتمى إلى الناس
أحترم فيهم استجداءهم وتشبثهم ببقائهم.
أنقش على وجوههم ملامح الغضب المعصوبة فى دخائلهم.
الناس ليسوا جهلة ولا غوغاء
الناس كيانات تتحدد على أعتاب ثورتها نظم البقاء.
نعم أحترم قلمى، وأراه كيفما أراه لكنى أسعد حينما أبصر قلما يمتلك من الصدق والجرأة قدر ما يمتلك من إبداع واع متأمل،وأسعد حين أرى فى عيون المقهورين الدامعة وميض النار المتأجج تحت حطام آدميتهم، أشعر بعيونهم فوهات براكين تطلب الإذن فى التحرر والتحرير.
أسعد حين ينتفض الناس اختناقا واستنكارا أمام صفوف رغيف العيش، أمام صفعة شرطى تائه بين حسابات السلطة والتسلط، أمام عروض هزلية تقدم على خشبات النظام المتبجح، مرسلة للناس صراحة آيات الشكر على قبول التعبد فى محراب الخوف،أبتهج لأب قرر أن يعلم وليده حروفا تناساها الناس أو أمروا أن ينسوها فنسوها، حروف تشكلت بفعل التأريخ لكلمات الحق والعدل والحرية، أبتهج لأم حطمت كل الجدر حول عيون وليدها حتى لا يقال له يوما (التزم جوار الجدار)، أحترم شيخا وقور الفكر يستل من علمه سيفا على رقاب الظالمين ومن لحيته مأمنا للحائرين من سراب التيه.
أبجل طفلا تأقزمت اللاءات أمام نظارته الصغيرة حتى يتيح لعمره الآتى شوفا بلا قيود.
أربت على أكتاف شاب وفتاة استقلا معا قطار العشق فى وطن ضن قاموسه على أهله بأحرف الأمان والجمال.
أنادى على تاريخ علموه فى بلادنا أول ما علموه أن أحباره بيد الأقوى، وأن الأقوى أكثر قهرا، فتغاضى عن نزاهة الشهادة لقاء المرور سالما إلى بر الزمن، أناديه أن يعدو متريثا علنا نسطر خطا على غلافه يستوعب حمرة نزف البسطاء.
أشفق على كل مظلوم توهم أنه يحتمى بالرب، الرب لا يحمى من ارتضى ظلما، السماء تنادينا (ويل لمن طغى، ومن رضى), أناصر امرأة فى عنفوان أنوثتها قررت من بعد موت الزوج أن تحتال على الطبيعة ماحية تاء أنوثتها من بين سطور الناس، صانعة من بيت يضمها وصغارها أمة كل من فيها يحتال على الطبيعة لأجل البقاء بجباه لا ترى أسفل من سحب السماء.
أنتمى إلى نفس الناس، هؤلاء الذين ولدوا بلا وطن يحتوى فيهم فعل الانتماء ويبادلهم أناشيد الحماسة فى المحن،هؤلاء الذين مدوا بأيديهم فى الهواء أمامهم، حاملين راية بلادهم مطوية كفنا، يقدمونه هدية لجلادهم طلبا فى بقاء مرهون بذلهم،هؤلاء الذين يرتلون مع خيوط العنكبوت نشيدهم، حتى أفاق العنكبوت فانتفض مهرولا وظلت أطيافهم ترتل أنشودة بلا نشيد،أحيى من بينهم امرأة عجوزاً تناضل تسعينها حتى تلملم كلمات تخبر بها أبناء أحفادها أنه منذ زمن جاءها واحد ممن تعاقبوا على زواجها فى جنح الليل مدعيا أنه رأى شبحا فى السراب، مهيب اللون، ممشوق القوام، نيلىّ البشرة، خمرى العين، شمسىّ الطلة، قمرىّ الكسوف، بحرىّ الصياح، مطعوناً فى منتصف جبهته بخنجر حربىّ، يصيح به (أنا وطن أحتضر، أغثنى)، فيهرول زوج الجدة إليها مغشيا عليه أمام قدميها طالبا التدثر .،أترحم على زوج جدتنا، ذلك الذى اقتحم عليه أناس يلتحفون سواد الظلم مخدعه متدثرا، ليصيحوا فى أهل الدار (من ذا الذى رأى شبحا مطعونا يدّعى أنه وطن ؟).
تقول جدتنا من بين ما قالت (وجدناه فى الفجر مصلوبا أمام مغفر البلدة مطعوناً بخنجر حربىّ فى منتصف جبهته تماما).
ألتمس النجاة من مشهد طفلة صغيرة تحبو تجاه النوم مبتسمة فى وجه دميتها، تتشبث بنور مصباح محيطها حتى تنير الحلم الجميل، نعم، أنتمى إلى هذا الوطن، وطن كسيح بلا عقل، مهدد بأن يحيا كفيفا بلا قلب، وأنتمى كما أسلفت لناسه، نكتفى بالنظر إلى جسده القعيد نمصمص لأجله شفاهنا، وإن كنت تساءلت قبلا عن توصيف للوطن، فها أنا ذا أهتدى إليه، الهوية وطن، فليبك كل على هويته.