أكثر صفحة من صفحات الصحف تتحدث فى السياسة، والاقتصاد، والاجتماع، وأحوال البلاد والعباد، هى صفحة الوفيات، وخصوصًا جريدة الأهرام. ومن يمعن النظر ويقرأ ويتابع سيكتشف أن مثل هذه الصفحات التى هى من المفترض أنها إعلان عن حالة وفاة أصبحت فرصة ومناسبة كسوق عكاظ الشهيرة، تعلن فيها كل قبيلة عن نفسها وعن عزوتها ونفوذها وانتشارها، وأصبح التباهى بالمساحات وحجم البنط وعدد المشاطرات جزءًا من ثقافة عائلات وأسر النخبة الجديدة التى امتلكت من الأموال ما تئن من حمله البنوك وامتلكت من النفوذ والسلطان ما تخضع له رقاب الطامعين والمشتاقين والمتطلعين والخائفين.
تحولت صفحة الوفيات من صفحة تذكرنا بالموت وجلاله، والقبر وظلمته، والآخرة وحسابها، والدنيا وأهوائها، إلى صفحة تزخر بالتباهى والتملق والنفاق والإعلان والإعلام.
وبالتأكيد فإن صفحة الوفيات وما تحمله فرصة ثمينة للقراء والباحثين لمعرفة الخريطة الاجتماعية وعلاقات العمل والمصاهرة والقرابة، وتفسر الكثير من الأحداث والقرارات ومعرفة الكثير عن أشياء مهمة وغامضة، قد لا تفسرها الأحداث والقرارات والأخبار والتحليلات العادية. فمن هذه الصفحات تعرف ليس حجم المتوفى ونفوذه، وإنما تعرف حجم ونفوذ وثراء عائلته، وتعرف أيضًا طموحاتهم، وأيضًا تعرف توزيع الوظائف السوبر والمناصب الرفيعة، والمواقع المتميزة من أقارب وأصهار أسر وعائلات النخبة الجديدة.
إن صفحات الوفيات بالتأكيد ستكون مادة ثرية للمؤرخين والباحثين الاجتماعيين لقراءة أحوال الوطن فى فترة انتقالية حرجة وستجيب عن كثير من الأسئلة وعلامات الاستفهام.
مستشار إعلامى - أسيوط